18 ديسمبر، 2024 10:07 م

رؤية ايران بتحقيق جولة رابحة حول الاتفاق النووي

رؤية ايران بتحقيق جولة رابحة حول الاتفاق النووي

رغم أن إيران ماضية في إجراء المباحثات مع القوى الغربية حول الاتفاق النووي، إلا أنها ضاعفت خلال الفترة الماضية مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب، وفق المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية.

وتجري إيران مع القوى الغربية مباحثات في فيينا نهاية نوفمبر الحالي، في محاولة للعودة للاتفاق النووي الذي أبرم مع 6 قوى دولية في 2015، وأتاح رفع العديد من العقوبات التي كانت مفروضة عليها، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.

وحدد الاتفاق سقف نسبة تخصيب اليورانيوم لإيران بـ 3.6 في المئة، لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق بشكل أحادي عام 2018 في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب الذي أعاد فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، وردا على هذا الانسحاب، بدأت إيران بعد نحو عام من الانسحاب الأميركي، بالتراجع تدريجا عن التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق.

واعتبارا من مطلع 2021، رفعت إيران من مستوى التخصيب، بداية مع 20 في المئة في يناير، ولاحقا 60 بالمئة اعتبارا من أبريل.

فما الذي تريده إيران من المحادثات النووية؟ وهل هي مماطلة من طهران من أجل المضي في برنامجها النووي؟

وإن “إيران تعلم تماما أن تعطل الوصول إلى حل بشكل سريع، يعني أنها ستبقى ماضية في تطوير قدراتها النووية”.

و “طهران تعي تماما أهمية خروجها من العزلة الدولية، ولكنها تريد الإبقاء على مسار تطويرها وتعزيزها لقدراتها النووية”.

و حتى الآن “لم يجد المجتمع الدولي معادلة أو استراتيجية لمنع إيران من الاستمرار بمخططاتها النووية”.

وفيما يتعلق بالمباحثات النووية فطهران ترى أن عامل الوقت في صالحها لتكون في وضع أقوى أكان من ناحية التفاوض أو حتى من أجل استمرارها في تنفيذ أجندتها النووية.

وإيران تريد “العودة للاتفاق النووي لعام 2015، بحيث أنها ستلتزم بالاتفاق مقابل رفع كامل للعقوبات”.

أنه من الطبيعي “لإيران أن تمضي في برنامجها النووي في ظل عدم التزام الولايات المتحدة وانسحابها من اتفاق 2015″، وأن الامتثال بهذا الاتفاق يجب أن تلتزم به جميع الأطراف، وليس المطالبة بتطبيقه على أطراف معينة من دون التزام الجهات المختلفة به.

و إيران “لا تماطل في المباحثات النووية من أجل كسب الوقت في تطوير برنامجها النووي، خاصة وأن طهران تسعى إلى رفع العقوبات في أسرع وقت ممكن”.

و “طهران لا تريد أن تبقى رهينة للانتخابات الأميركية، وتريد ضمانات من المجتمع الدولي بامتثال الجميع للاتفاق النووي”.

وطهران تريد من المحادثات النووي تحقيق 3 أهداف، “في مقدمتها الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة وتقدر بنحو 10 مليار دولار، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وتباطؤ الاقتصاد الإيراني وارتفاع التضخم وتراجع الاستثمارات الأجنبية في البلاد”.

و “الهدف الثاني هو سياسي، حيث تسعى طهران عبر إدارة المتشددين من أجل رفع العقوبات عن القادة والمسؤولين الإيرانيين، وفي مقدمتهم مجتبى خامنئي، الابن الثاني للمرشد الإيراني علي خامنئي، وكذلك العقوبات على الرئيس إبراهيم رئيسي وعددا من المسؤولين، وهو ما سيشكل انتصارا سياسيا لفريق التفاوض الإيراني، إضافة إلى رفع العقوبات عن مؤسسات المرشد الأعلى وعلى رأسها مؤسسـة العتبة الرضوية المقدسة ” آستان قدس رضوي”، والمقر التنفيذي لتوجيه الإمام، وهما مؤسستان خاضعتان مباشرة لسيطرة خامنئي، وتقدر أموال هذه المؤسسات بأكثر من 20 مليار دولار وفقا لتقارير مجلس المقاومة الايرانية نهاية 2019.

والهدف الثالث هو أمني عسكري، حيث تسعى إيران من خلال المفاوضات لتجنب استهداف المنشآت النووية العسكرية، في ظل تحدث تقارير استخباراتية وتصريحات من المسؤولين في إسرائيل باستهداف إيران، عسكريا اذا اقتربت من السلاح النووي.

وفيما يتعلق بالمفاوضات التي تجرى في فيينا، أنه ليس أمام إيران مجال لكسب الوقت، بل عليها ان تكسب المفاوضات لإطالة عمر النظام الذي يشهد تأزما كبيرا في الداخل وتوترا للعلاقات مع دول الجوار.

و أن “الوضع الاقتصادي الإيراني في أسوأ حالاته، وفي حال استمرار العقوبات الأميركية، فإن هذا الوضع الاقتصادي الصعب سيتصاعد وقد يتطور لمرحلة التظاهرات العمالية في مختلف قطاعات الدولة بما يؤشر على انفجار شعبي لتأزم الوضع الاقتصادي”، ناهيك عن مخاوف من انهيار قطاع الطاقة.

و “التوصل إلى تفاهمات وارد جدا في ظل نجاح في وقت سابق في التوصل إلى اتفاق”، وأنه “رغم وجود معرقلين ومشككين من المتشددين في إيران في نوايا الولايات المتحدة نحو الاتفاق فإن ما يحدث على طاولة المفاوضات وراد جدا، لأن فشل الاتفاق يهدد بقاء النظام الإيراني، فطهرن بحاجة أكثر للاتفاق النووي.

وما تواجهه إيران لا يتعلق فقط بالاتفاق النووي لعام 2015، بل أيضا معاهدة “أن بي تي” التي تتعلق بعدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968، والتي يراها أكبر اعتماد، مؤسس البرنامج النووي الإيراني أنها لم تكن عادلة، وفق تصريحات سابقة له تعود إلى عام 2009، وفق تحليل نشرته صحيفة واشنطن بوست.

ويلقي اعتماد اللوم على الشاه محمد رضا بهلوي في التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، والتي تشكل العائق الأول أمام برنامج إيران النووي.

وبعد عقود من التوقيع على هذه الاتفاقية، ينظر الإيرانيون إلى الجدل حول برنامجهم النووي على أنه قضية سياسية، وليدة ليس من سوء السلوك الإيراني أو انتهاكات النظام الدولي، ولكن من العداء بينهم وبين الولايات المتحدة.

ويشير تحليل واشنطن بوست، إلى أنه يجب النظر إلى تاريخ العلاقات بين إيران والقوى الغربية من أجل فهم سبب استمرار طهران في اتخاذ موقف متشدد في المفاوضات مع القوى الغربية، ولماذا لا تريد الحد من برنامجها النووي.

تحليل آخر نشرته مجلة “ناشونال إنترست” يشير إلى أن إحياء حطة العمل المشتركة لاتفاق 2015 عليه أن يأخذ التأثير الحاسم للسياسات الداخلية الإيرانية.

وأشار إلى أن العديد من المراقبين يشعرون بالإحباط المتزايد من تردد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في استئناف المادثات لإحياء الاتفاق النووي.

وتعود جذور تردد رئيسي إلى حقيقة أن المتشددين شوهوا مصداقية الاتفاق النووي ووصفوا بأن التوقيع عليها “خيانة” من قبل الإصلاحيين، معتبرين أن الجوانب الاقتصادية الإيجابية ستزيد من شعبية الإصلاحيين بين الشعب الإيراني، وتمهد لعقد آخر من وجودهم في السلطة..

ونقلت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان عن الوزير حسين أمير عبداللهيان قوله إن “التقدم السريع للمباحثات يتطلب من الأطراف الأوروبيين والأميركيين اعتماد مقاربة واقعية وبناءة من خلال تفادي المطالب المبالغ بها والتي تتجاوز متطلبات الاتفاق النووي”، وذلك خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف.

وشدد أمير عبداللهيان على “جدية” طهران في المباحثات وأهمية “عودة كل الأطراف الى التزاماتهم”، موضحا أنه “اذا عاد الطرف الأميركي بشكل كامل الى التزاماته، الجمهورية الإسلامية ستحترم كامل التزاماتها أيضا”.

وعكست الخارجية الروسية موقفا مشابها، بتأكيدها في بيان أن الطرفين يدعوان الى “إحياء الاتفاق النووي في صيغته الأساسية المتوازنة التي صادق عليها مجلس الأمن الدولي”.

واعتبر الطرفان، وفق موسكو، أن “هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان حقوق ومصالح كل المشاركين” في الاتفاق.

وتبدي إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، استعدادها للعودة الى الاتفاق، شرط عودة إيران الى احترام التزاماتها كاملة.

بدأ الأطراف الذين ما زالوا منضوين في الاتفاق مفاوضات في فيينا هذا العام، وشاركت فيها واشنطن بشكل غير مباشر. وأقيمت ست جولات مفاوضات بين أبريل ويونيو، قبل أن يتم تعليقها لأجل غير مسمى.

وتزامن تعليقها مع فوز المحافظ المتشدد، إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية في إيران، خلفا للمعتدل حسن روحاني الذي أبرم الاتفاق في عهده.

وكان رئيسي، قد أكد أن إيران لن تترك “طاولة المفاوضات، لكننا سنرفض أيضا الطلبات المبالغ فيها التي تؤدي الى ضياع حقوق الشعب الإيراني”، معلنا تأييد بلاده “المفاوضات التي تعقبها نتائج مجدية، وسوف لن نتراجع إطلاقا عن مطلب الشعب البديهي والمتمثل في إلغاء الحظر الظالم عن البلاد”.