منذ العام 2003 كان للسيد السيستاني دورا فريدا في الساحة العراقية كأب روحي للعراقيين ، حيث قام بدور أيجابي ومؤثر فكرا وبصيرة ووعي شامل وفهم متكامل للقضايا العراقية ، حيث يعد الفكر السياسي للمرجع الأعلى السيد السيستاني فكرا عابرا للفكر السياسي التقليدي فالانقلاب الذي صنعه سماحته بترسيخ مبدأ الشعب مصدر السلطات وشرعيتها متجاوزا الخطاب الفقهي المتمحور حول الواجبات والتكاليف كان له أبعد الأثر في ان يكون صوت المرجعية ممتزجا بصوت الشعب بكل طوائفه وقومياته واعراقه، فالسيد السيستاني عبر البيانات التي يصدرها رسخ لتجاوز النمط التقليدي في التعاطي مع الشأن السياسي حيث يأصل للتعاطي معه وفقا لمنطق الدولة المعاصرة التي يستمد الحكم فيها شرعيته من تمثيله للمجتمع دون ان يكون مستقلا عنه او متسيدا فوقه ، فسماحته يتعامل مع القضايا المتعلقة بشؤون المجتمع كانت تعبر عن أختيار النظام الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات لكونها الطريقة الوحيدة للتعبير عن أرادة الشعب.
فرؤيته لمستقبل العراق تتسم بالحكمة والتوازن، وهو يسعى من خلالها إلى ترسيخ الاستقرار، الوحدة، واستقلال القرار الوطني، فموقفه الاستشرافي لا يعتمد فقط على التحليل السياسي، بل ينبع من قيم دينية وإنسانية تنادي بحقوق الشعب العراقي في الحياة الكريمة والمستقرة بعيدًا عن النزاعات والتدخلات، دعونا نستعرض هذه الرؤية الاستشرافية لمستقبل العراق، ودور السيستاني البارز في تحقيقها من عدة محاور وعلى النحو الاتي: –
ففي مجال تعزيز السيادة الوطنية ورفض التدخل الأجنبي أكد السيد السيستاني وبشكل دائم على أهمية أن يكون للعراقيين القرار الأول والأخير في إدارة شؤونهم بعيدًا عن تدخلات خارجية، سواء إقليمية أو دولية فرؤيته للمستقبل تقوم على أساس أن العراق يجب أن يكون بلدًا ذو سيادة كاملة ومستقلة، لا يتأثر بصراعات القوى الكبرى مع الدعوة إلى الحفاظ على الاستقلال الوطني باعتباره حجر الأساس لبناء عراق قوي ومزدهر، وهذا ما نجده يعد انعكاسا وعيًا عميقًا بتعقيدات الوضع الجيوسياسية في المنطقة فرسالة المرجعية للعراقيين ولا سيما النخب الواعية هي أخذ العبر من التجارب السابقة وبذل قصارى الجهد لتجاوز الإخفاقات السابقة والعمل بجد لتحقيق مستقبل أفضل لوطنهم لينعم الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار،حيث أدرج سماحته الحفاظ على السيادة الوطنية ومنع تجزئة العراق والوقوف بوجه التدخلات الأجنبية والوقوف ضد التهديدات الإرهابية باعتبارها مسؤولية وطنية وعالمية، وتأسيسا على ذلك وفي نطاق التمسك بوحدة العراق كدولة متعددة الطوائف والأعراق يشدد السيد السيستاني على ضرورة توحيد صفوف العراقيين وتجنب النزاعات الطائفية.
يرى أن مستقبل العراق يعتمد على التعايش السلمي بين مختلف المكونات سواء كانت طائفية، عرقية، أو دينية ففي خلال فترات التوتر الطائفي كان له دور كبير في تهدئة النفوس ودعوة العراقيين إلى الوحدة، وقد استشرف أن بقاء العراق كدولة موحدة يمر عبر نبذ الفتنة والتعاون بين الجميع لبناء مستقبل أفضل.
ولم يكن موقفه بالمغاير في إرساء قيم الديمقراطية وتفعيل دور الشعب من خلال دعمه للعملية الديمقراطية والانتخابات، حيث شدد سماحته على أهمية أن يكون للشعب العراقي دور فاعل في صنع القرار، برؤية لمستقبل العراق تقوم على مفهوم (الدولة المدنية) حيث يُتاح للمواطنين اختيار قادتهم بحرية دون ضغوط أو إملاءات هذا التوجه يعكس حكمته في تقوية العراق من الداخل عبر إرساء أسس الديمقراطية التي تمنح العراقيين الفرصة للمشاركة في إدارة بلادهم بشكل عادل ومستدام، حيث أكد سماحته على ان ذلك لا يتحقق من دون اعتبار المواطن على قدر من المسؤولية والتمتع باحترام الذات وبالشخصية التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم في هذا النطاق والذي يتمثل في المشاركة الواعية بالشأن الوطني وتأسيسا على ذلك يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، حيث يرى آية اللهالسيستاني ان إرساء العدالة الاجتماعية حق من حقوق المواطن بما يعني ان الحكومة ملزمة بالتعامل مع كافة المواطنين بشكل عادل سواء بمجال تقديم الخدمات او التوظيف في المؤسسات الحكومية على أساس الجدارة وليس على أساس العلاقات والقرابة، فعلى الحكومة تطبيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الامتيازات غير المقبولة بقرارات وإجراءات صارمة ، اذ يلزم سماحته الحكومة بضمان حقوق جميع افراد الشعب العراقي ،اذ ان سماحته يعرف تمامًا أن العراق لا يمكن أن يزدهر سياسيًا دون تحقيق تطور اقتصادي، ولهذا يولي اهتمامًا كبيرًا بالعدالة الاجتماعية اذ يرى أن موارد العراق ، وبالأخص النفط يجب أن تُستثمر لتحسين حياة العراقيين وتطوير البنية التحتية، بدلاً من أن تكون وسيلة لخدمة فئة محددة أو للتأثير الخارجي، كما يؤكد على أهمية القضاء على الفقر والبطالة، ويحث الحكومة على تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب، الامر الذي يعكس رؤيته لمستقبل يعم فيه الازدهار الاقتصادي والرخاء ، وتبعا لذلك يمكن إصلاح النظام الإداري ومحاربة الفساد فمن المعروف أن العراق يواجه تحديات كبيرة في مجال الفساد الإداري والمالي، وهو أحد الأسباب الرئيسية لتدهور الوضع العام ، فأدارة شؤون البلاد على أساس سيادة القانون والجدارة والمساءلة والشفافية هي من أهم الجوانب التي نالت أهتمام المرجع الأعلى ، حيث كان وما يزال يؤكد على ان أدارة البلاد لا تتم الا من خلال أصلاح النظام السياسي والإداري والحد من مخاطر الفساد المالي والإداري ،فالسيد السيستاني يطالب دائمًا بالإصلاحات الحكومية والشفافية، ويرى أن محاربة الفساد أمر ضروري لبناء مستقبل أفضل، حيث يدعو سماحته إلى اعتماد مبدأ “خدمة المواطن” في المؤسسات الحكومية، ويرى أن نزاهة النظام الإداري تعزز ثقة الشعب في الدولة وتجعل العراق أكثر قوة وتماسكًا، وانطلاقا من ذلك أكد سماحته على ان ذلك لا يتحقق من دون أعتماد خطط علمية لإدارة البلد أعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنم مواقع المسؤولية مردفا بأن المسار طويلا أمام العراقيين ليصلوا لتحقيق ذلك ، وفي سبيل تحقيق ذلك عمد سماحته الى التأكيد على الحوار والتعايش السلمي والذي يعد أحد أهم مؤشرات الإدارة السليمة والكفؤة للبلاد و ترسيخ البيئة الامنة والملائمة للحياة الكريمة للمواطن الذي يمتلك الحق في العيش الامن بلا تهديدات لذا فالحكومة ملزمة بتوفير بيئة آمنة لجميع المواطنين بغض النظر عن انتماءهم العرقي والديني والفكري وفقا لأسس العدالة الاجتماعية بين جميع فئات الشعب.
وتبعا لذلك يعد السيد السيستاني من أكبر دعاة الحوار السلمي بين الأديان والثقافات، فالزيارة التاريخية لبابا الفاتيكان عام 2021 لسماحته كانت تأكيدًا على رؤيته الاستشرافية لعراق منفتح ومتسامح، يسعى لبناء علاقات طيبة مع العالم على أساس الاحترام المتبادل يؤمن بأن التعايش السلمي بين الأديان والأعراق هو أحد أعمدة الاستقرار في المنطقة بما يعزز من دور العراق كجسر رابط بين حضارة الشرق والغرب.
وفيما يتعلق بتمكين الشباب وتعزيز التعليم يدرك السيد السيستاني أن الشباب هم عماد المستقبل، ويحث على تطوير نظام التعليم وإعطاء الشباب الفرص لبناء مستقبلهم داخل وطنهم بدلًا من الهجرة، ومن هذا المنطلق دعا إلى تحسين المناهج التعليمية وتوفير فرص التدريب والتطوير، بحيث يمكن للشباب العراقي أن يساهم بفعالية في بناء بلده، وتطوير اقتصاد معرفي يعتمد على كفاءات وطنية.
مع التأكيد ان ذلك لا يمكن ان يتحقق الا بتحقيق الأمن والاستقرار الداخلي فالسيد السيستاني يعلم أن العراق لا يمكن أن ينمو ويزدهر دون استقرار داخلي اذ ان فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها كانت مثالًا على حرصه على حماية الشعب من التهديدات الداخلية، وبهذه الفتوى استطاع أن يؤسس لمرحلة أمنية جديدة بعيدة عن العنف الطائفي، موجهة نحو الحفاظ على السلام الداخلي هذا الاستشراف يشير إلى أن بناء المستقبل يتطلب تماسكًا أمنيًا قويًا وقوات عراقية قادرة على حماية البلاد من أي تهديد.
وفي النطاق الإقليمي فللسيد السيستاني دور استراتيجي في تحقيق الاستقرار الإقليمي السيستاني لا يسعى فقط إلى استقرار العراق، بل يهدف إلى نشر الاستقرار في المنطقةمن خلال دعوته إلى الوحدة ورفض التدخلات الأجنبية، يرسل رسائل واضحة إلى دول الجوار بأن العراق يسعى إلى بناء علاقات قائمة على التعاون والسلام، بعيدًا عن الصراعات التي قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع في الشرق الأوسط هذا الموقف الحكيم جعله شخصية بارزة على المستوى الإقليمي، حيث يُنظر إليه كرجل سلام يؤثر على مواقف العديد من الدول، فحكمة السيد السيستاني لها أثرها العميق في بيان مستقبل العراق فرؤية السيد السيستاني لمستقبل العراق تعتمد على مبدأ أساسي وهو أن العراق يجب أن يكون قويًا بوحدته، سيادته، وعدالة نظامه الداخلي ، بحكمة تتجلى في اتخاذ قرارات مؤثرة ولكن بعيدة عن الأضواء السياسية المباشرة، مما يجعله زعيمًا دينيًا وشخصية ذات تأثير عالمي دوره في توجيه العراق نحو مستقبل أفضل يستند إلى قيمه الإنسانية والدينية العميقة، ويهدف إلى بناء بلد آمن، عادل، وديمقراطي.
هذه الرؤية الحكيمة أكسبت السيد السيستاني احترامًا واسعًا ليس فقط بين العراقيين، بل على مستوى العالم كرمز للسلام والاستقرار، ما يجعله بالفعل شخصية استثنائية في العالم الإسلامي وخارجه فهو صوت الحكمة ومسيرة الإصلاح في وجه التحديات، فقد حمل على عاتقه ومنذ زمن ليس بالقريب مسؤولية توجيه العراقيين بمواقف نبيلة تعيد لنا نعنى الولاء للوطن بدعوة الى تعزيز قوة القانون وتحكيم العدالة بما يكفل للجميع العيش بكرامة دون أستثناء .