اقتصادي عراقي متخصص في شؤون الطاقة
لطالما أحتل موضوع أمن الإمدادات صلب إهتمام العديد من الدول ، لاسيما الدول الأعضاء في منظمة التعاون الأقتصادي والتنمية OECD والتي تعتمد بشكل كبير على وارداتها الأجنبية من النفط الخام لتلبية متطلباتها من الإستهلاك المحلي . بيد أن هناك وجه آخر للعملة قدر تعلق الأمر بموضوع الطاقة الشائك والمتعدد الأبعاد يكمن في ما يعرف بأمن الطلب على النفط أو بعبارة أخرى الطاقة من منظور الدول المصدرة للنفط.
إن تدفق آمن للإمدادات يعد على رأس أوليات الأمن الوطني ، ومع أستنزاف الموارد المحلية للطاقة في العديد من الدول الصناعية أصبح لزاما عليها الاعتماد على الخارج ما يجعلها عرضة لدرجات متفاوته من المخاطر السياسية والاقتصادية والعسكرية . وقد لعب أمن الإمدادات دورا لا يستهان به في الصراعات الدولية عبر عقود عديدة خلت ، إذ يحدثنا السجل التاريخي أن الحربين الكونيتين في القرن الماضي كان أحد محركاتها الرئيسية هو ضمان انسياب النفط لصالح فريق على حساب فريق آخر من الفرقاء المتخاصمين . كما أحتل موضوع أمن الإمدادات أولوية الإهتمام في السياسة الدولية بعد الحظر النفطي العربي إبان حرب أكتوبر 1973 . إن كل ذلك جعل أمن الطاقة « يؤطر » بدلالة قلق المستهلك من توفر الإمدادات الآمنه .
الحوافز لضمان طلب آمن دول الخليج كمثال:
پستأثر قطاع الهايدروكربونات ( النفط والغاز ) بما يربوا على 60 % من الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي ، إن هذا الإعتماد المفرط على النفط والغاز جعل هذه الدول عرضة للتقلبات الحادة التي تشهدها أسعار النفط في السوق العالمية لاسيما بعد بلوغ سعر خام برنت المرجعي 92 دولار للبرميل في شهر اذار مارس المنصرم ليعود للانخفاض اليوم الى 83 دولار للبرميل مع توقع استمرار انخفاضه الى 80 دولار للبرميل بعد انفراج النسبي في مرور الناقلات عبر مضيق باب المندب و الذي سناتي على ذكره لاحقا. وقد أفادة دراسة حديثة صادرة عن معهد الشرق الأوسط Middle East Institute والذي يتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرا له ، عن قضايا وحقائق تتعلق بأهمية أمن الطلب في دول مجلس التعاون الخليجي لعل من أبرزها ما يلي:
(1)إعتماد الموازنة العامة لدول المجلس على العائدات النفطية بشكل كبير ومفرط ، ما يجعل من التخطيط الطويل الأجل من الصعوبة بمكان ، إذ لطالما تفاوت سعر البرميل المحتسب عن سعره الحقيقي عند وضع الموازنة موضع التنفيذ الفعلي على سبيل المثال وضع العراق موازنته العامة ليثلاث سنوات متتالية، 2023 ، 2024 ، 2025 بحجم 152 مليار دولار و بعجز مخطط قدره 49 مليار دولار بافتراض سعر نفط عند 70 دولار للبرميل ، وان اي انخفاض عن هذا السعر سيفضي الى خلق عجز كبير في الموازنة العامة للبلاد . وللتقليل من الآثار الضاره لهذه الظاهرة ، تعمل دول الخليج جاهدت للعمل على تنويع قاعدتها الإقتصادية بعيدا عن الإعتماد فقط على قطاع الطاقة ، إلا أن بلوع ذلك يحتاج إلى وقت ، حتى تؤتي سياسات التنويع الإقتصادي أكلها على المدى
المتوسط والطويل ، وهو ما يجعل من عائدات النفط والطلب الأمن على نفوطها صمام امان لهذه الدول.
(2)التركيبة الديموغرافية : إن النمو السكاني المطرد الذي تشهده الدول الخليجية يعزز من أهمية أمن الطلب فيها . ويلاحظ إن التركيبة الديموغرافية للسكان في أغلب دول المجلس تميل نحو الفئة العمرية الشابة. وإن هذه التركيبة السكانية تحتم على هذه الدول المضي قدما في إتخاذ ما يلزم من إجراءات لخلق الوظائف ، بالرغم من أن معدلات البطالة فيها تعد مقبولة لحد ما مقارنة بدول الجوار ، إلا أن فرص العمل لتلبية الأفواج المتزايدة من من يسعون للدخول السوق العمل لاتزال محدودة .
بيد أن التحدي الأهم الذي يواجه أمن الطلب على النفط والغاز في دول المجلس يتجلى في التطور الحاصل في الطاقات البديلة الصديقة للبيئة أو ما يصطلح عليه بالطاقة المتجددة Renewable Energy ويأتي على رأسها كل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية .
هذا وقد أعادت الأحداث الأخيرة التي عصفت بالعديد من الدول العربية النفطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما مصطلح عليه بالربيع العربي تيمنا بربيع براغ عام 1968، أعادت إلى الواجهة من جديد موضوع سلامة إمدادات النفط ومدى إمكانية الوثوق بها ، ولا غرو في ذلك إذا علمنا إن أكثر من 57% من الاحتياطيات النفطية المؤكدة وأكثر من ثلث الإنتاج العالمي يتمركز في هذه المنطقة . وعملت القلاقل في العديد من دول المنطقة والخوف من عدویانتقالها إلى دول منتجة أخرى ، فاقم منها تهديد إيران بغلق مضيق هرمز ، إلى بروز حالة من عدم اليقين لدى المتعاملين في الأسواق النفطية. إن الخشية من نقص الإمدادات لمقابلة النمو في الطلب العالمي يعزز منه أنصار ما يعرف في أدبيات الطاقة بنظرية ذروة النفط » ومفاده أن الإنتاج العالمي أخذ في التراجع بعد استنزاف العديد من الحقول النفطية العملاقة التي تم اكتشافها قبل عقود عديدة خلت ، دون أن تلوح في الأفق اکتشافات جديدة محتملة ، ما يجعل النفط آيلا ” للنضوب خلال السنوات القليلة القادمة. في المقابل ، يرى العديد من المراقبين أن النفط وإن كان سلعة ناضبة إلا أن العمر الافتراضي له أي نسبة الإنتاج إلى الاحتياطي المكتشف وفقا لآخر البيانات المتاحة تنبئ بأن النفط سيبقى ملازما لتلبية احتياجيات العالم الصناعية ل 50 سنة قادمة على أقل تقدير.
وإن هذه المعطيات تعزز من الأهمية الإستراتيجية لدول المنطقة ، لاسيما دول الخليج العربي التي ستبقى لاعبا محوريا في تلبية احتياجيات العالم من الطاقة بأشكاله المتعددة ، بما في ذلك الغاز الطبيعي الذي أصبح الوقود المفضل للمستهلك لما يتمتع به من مزايا من أهمها كونه صديقا للبيئة .
وإذا كان أمن الإمدادات والمخاطر الجيوسياسية التي تكتنفها ، من القضايا التي تؤرق صناع القرار في عالم الصناعات النفطية لاسيما عند تعلق الأمر بالتخطيط للمستقبل, والأهم من كل ذلك فإن الطلب العالمي على النفط الذي يتوقع له أن يصل إلى 102 مليون برميل يوميا بحلول عام 2024 ، وفقا لتقديرات منظمة الأقطار المصدرة للبترول , أوبك, ما قد يؤدي إلى خلق تخمة نفطية تودي بهيكل الأسعار إلى الانهيار
التطورات الاخيرة : اغلاق مضيق باب المندب
دأبت حركة انصار الاسلام الحوثية الزيدية المدعومة ايرانيا من تهديد الملاحة البحرية في مضيق باب المندب بالزعم ان الناقلات البحرية متوجهة الى اسرائيل ما ادى الى توقف شبه تام في قناة السويس ما ضطرة الناقلات التي تمخر عباب البحر الاحمر ان تلتف حول راس الرجاء الصالح للوصل الى اوروبا ما يضيف الى الرحلة 4000 كيلو متر و فترة زمنية تصل الى اسبوعين ما يرفع من اسعار الشحن البحري و يفضي الى تراجع الطلب العالمي بعد ان هجرة العديد من الناقلات المرور بقناة السويس. هذا وقد عبر المضيق نحو 7.80 مليون برميل يوميا من شحنات النفط الخام والوقود في أول 11 شهرا من 2023
وقد عبر مضيق باب المندب 27 ناقلة محملة بالخام أو الوقود يوميا في المتوسط في عام 2023، ارتفاعا من 20 في العام الماضي.
وبحسب إدارة معلومات الطاقة الامريكية إن 12 بالمئة من إجمالي النفط المنقول بحرا في النصف الأول من 2023، وكذلك ثمانية بالمئة من تجارة الغاز الطبيعي المسال، مرت من باب المندب وقناة السويس.
و اذا انتهت الحرب في غزة، وبالتالي التهديدات الحوثية في البحر الأحمر، ستتمكن قناة السويس من تعويض خسائرها سريعا.
خلاصة القول يبقى هاجس الطلب الامن للامدادات الشغل الشاغل لعديد من الدول الشرق الاوسط مع وجود اهم ممرين مائيين في ديارهم مضيق هرمز و مضيق باب المندب وهنا تلعب العوامل الجيوسياسية دور مهما في مدى استقرار الطلب على نفوط الدول المتشاطئة مع تلويح ايران و ربيباتها الحركة الحوثية غلق هاذين الممرين.