23 ديسمبر، 2024 3:19 م

رؤى عن السومرين وثقافة وزير النقل

رؤى عن السومرين وثقافة وزير النقل

أستعيد رؤى مقال لي  نشرته أصلا في صحيفة الصباح العراقية في مايس 2005 والكثير من الواقع الالكترونية . اي قبل ان يحلق صديقي وزير النقل الاستاذ كاظم فنجان الحمامي في رؤى وخيال يعتقد فيه ويقوم اصلا على تعلقهِ بأساطير المكان ودراساته العميقة لها ولديه معرفة تاريخية وطوبغرافية وجيلوجية بتلك الامكنة وخصوضا الامتداد المكاني والروحي والتاريخ للحقبة السومرية بسلالاتها الثلاثة وكذلك الاكدية وما تلاها .
الوزير الحمامي الذي يعتبر من القلائل الذين يعرفون اتجاهات احلام الموانئ وجهاتها البحرية وتطويرها بفضل اختصاصه في الملاحة البحرية .
اعرف الوزير الحمامي منذ زمن بعيد نكتب سوية ونلتقي سوية في التعلق بالمكان واسراره الخفية ، وله معي واقعة كانت فيها عبارة لي عن مدينة العمارة بابا لواحدة من مقالاته التي يحاول فيها قراءة الخفي من تواريخ المكان ومجده بالاضافة التي ما كان يعتقد ان اساطير ممالك ميسان في كل افاقها المحلقة هي جزء من وقائع العقل السومري المبدع .
وهذا ما يؤكد التقائنا معا في عشق ذاكرة المكان  ما كتبه السيد الوزير في مقال له نشرته عشرات المواقع الالكترونية في 10 اكتوبر 2010 وبعنوان (ميناء ميسان أقدم موانئ كوكب عطارد ) قوله في مقدمة مقاله ما نصه :
(( لا أريد أن أخالف الكاتب الجميل (نعيم عبد مهلهل), حينما رسم إحداثيات موقع مدينة ميسان وقال: إنها تقع في الطرف القصي من جنوب شرق كوكب عطارد, فقد استهوتني الفكرة, وسحرني موقع الكوكب الذهبي المتوهج بلهيب أشعة شمس الحرية والانعتاق, وبحثت بين ينابيعه المتدفقة بجداول النور عن موانئ ميسان وأرصفتها الممتدة على ضفاف عاصمتها (خاراكس), ورجالها الذين ركبوا البحار, وسبروا أغوارها, وغاصوا في أعماقها السحيقة.
فوجدت إنهم أول من نصب الفنارات الملاحية على متن جزيرة (خارك), وإنهم اشتقوا اسم هذه الجزيرة من اسم عاصمتهم المينائية (خاراكس Charax), وجعلوها منطلقا لسفنهم ورحلاتهم البحرية البعيدة نحو المجهول. ))
وهكذا ابقى السيد الحمامي رؤاه في اتجاه يعتقده ضمن كثير من الفرضيات التي وضعها علماء اثار وفلك ورحالة في افتراض ان المكان السومري ربما ينتمي الى مكان آخر غير كرتنا الارضية .
وفي ذلك التعلق والايمان والسياحة التي تسكن روحه وثقافته اتت تصريحاته في مدينة الناصرية اثناء تفقده لسير العمل في مطارها . وربما تفاجيء السامعون والمسؤولون المحليون بما اوردهُ الوزير وبدت للناس انها كما شطحات خيال ليس قي محلها وهذا من حقهم . فما تحدث عنه الوزير كان كثير البعد عن افتراضات مخيلته الاسطورية والميتافيزيقية عندما قربها الى شكلها العولمي وقارنها بناسا . واظن ان الحماس في هذه اللحظة غلب على صديقي الوزير.
الآن استعيد مقالي الذي كتبته قبل احدى عشر عام حول ما كنت افترضه في رؤى خيالي ان السومريين شعب قادم من المريخ .لاثبت للقارئ ان الوزير وانا والكثير من عشاق المكان واساطيره يحق لهم ان يعيشوا رؤى المكان بتفاصيل تضعها الالهة السومرية بما تقدر هي وليس بما يقدره الملوك والكهنة الثمليين في معابد أور والوركاء واريدو ولارسا وأوروك وغيرها من المدن السومرية .
(( المقال ))تحكمنا الذكريات بأقدار بعيدة ، ولكي لاتغيب عن شاطىء المودة أحاول أن أجمعها في آنية من زجاج وأحتفظ بها في خزانة قلبي . والحرب برغبة منا أو من دونها ، هي واحدة من أجمل صناع الذكريات . أنها كما يقول أندريه مالرو : المملكة التي لاتصلح تيجانها على رؤوسنا ورغم هذا نود في لحظة ما أن نكون عاشقين لها ومن رعاياها المخلصين  .أيام كانت هناك ربايا ، وأسلاك شائكة وثلج ، ووسادة تمارس عليها تمني الممنوعات ، كان لك دفتر تدون فيه يوميات الذي تتصوره عيناك . الموت ، طيران القطا ، أحتراق الشجر ، ولادة النسمة من فم الوادي ، سذاجة العرفاء عندما يعجزون عن كتابة الرسائل الى زوجاتهم ، فتكون أنت الكاتب ، وعليك أن تحفظ أغنية سعدون جابر ( ياطيور الطايرة غني الى هلي ) عن ظهر قلب وتكتبها مع كل رسالة ، ومع كل هذه الأشياء يأتي طقسك الخاص ، التوحد مع الهاجس السومري ، وكأن الحرب لن يأتي أكتمالها إلا مع هذه المسافة بين التأريخ وهذا المكان الذي كلما حرك أصابعه مرت بينها الغيوم بصمت وخجل ، وتعرت عاطفة الحلم على أجفانك التعبى ومشى القطار ، ونامت بيوت السلالات على أمل أن يجد جلجامش عشبة الخلود ونتخلص من مطالبه القاسية وخاصة بعد أن رأى الدود ينخر في عيني صاحبه أنكيدو . ولأن العشبة هي الفقدان الأول الذي تعرض له نبينا آدم ع ، فقد كنا حتى ونحن في لحظة الصولة لأستعادة وهم ما، نظن أن ممكن الحرب قد ينتهي عندما يعثر جلجامش على تلك العشبة ، وكنت أقول لرفاقي في بيت الحجر هذا : لاتسريح إلا عندما سيدي جلجامش يستريح.
أنتهت الحرب ببطىء كما السلاحف ، أخذت صفوة شباب سومر ، وغاب بثراها هم شعري لم تصنع مثله أي حضارة ، دفنت شهادات علمية ، وذكور كانوا يرتقبون زفاف اللحظة في الأجازة القادمة ، لكن المراد لايتحقق ، أنه كما تقول واحدة من الألواح : الهم الكبير ، الذي يجعل الحرب حلم الملك كي يتخلص من ضجره .
صديقي قرأ اللوح وبكى وهو يقول : ألهي خلقتنا لنكون ضحية الضجر ، أي أمتحان هذا ، أن كانت دلمون لهم ولنا الحرب ، فلماذا أولد أنساناً ولا أولد شجرة !
قلت : هذا كفر ؟
بكى وقال : للتو أنهيت صلاتي . هذا يأس .
بعد يومين أختارت شظية هاون عنق صديقي ، وهاجر من الربيئة  كما يهاجر السنونو دفء الجنوب ليذهب الى الأراضي البعيدة .
في سومر الموت على هذه الشاكلة يمنحنا القدرة على تأليف الهاجس الصعب . أدركت ذلك وأنا أضع تصوراتي لحلم طفولتي ، بين مدرك الحلم وبوابة التلقي . كان الشجن المسكوب على على عيني يولد صفاء العاطفة ، والذي مات تندرج أحلامه في أشتياقات المدن المنسوبة للهواجس العظيمة ، وكل عظيمة سيكون بيتها دلمون !
سأعود الى سومر . كنت في ذلك المكان أحتفظ بدفتر لتدوين الشجن الروحي الذي ملكته ، وكنت أفترض الوجد شكلاً لرغبة صوفية تجعلني أنسى آلام الحرب التي لاتحصى ، وكان الهمس الذي أشغل يومي فيه عندما تهدأ البنادق وتعلن القمم هدنتها الخاصة أراجع محتويات الدفتر ، فأجد مالم أتذكر أنني دونت مثل هذا ، وأشاهد تخطيطات لأناس لايرتدون مانرتديه نحن في نهارات التعبئة والأنذارات المسائية والصباحية ، لباسهم قصير ، وأكتافهم عارية .
قلت لأحدهم : مالذي أتى بك الى دفتري ،  وأنا لم أشاهدك سوى في صناديق المتاحف الزجاجية . أنك من سومر ، وسومر تبعدُ عنا سبعة آلاف عام .
قال : نحن نأتي مع الشجن والعاطفة والدمعة التي تسقط من أجل من نحرت عنقه الشظية .

ـ ولكني حولت الدمعة الى قصيدة . ولم أحولها الى زمن كي تأتيَّ أنت .
ـ أتيت لأني ولدت من رحم تلك القصيدة التي كتبتها .
ـ لم أذكرك فيها ، قلت وقتها : ليت حزني يصير نورساً يأخذني الى المريخ لأمارس عزلة النسيان .
ـ ولقد أوصلك النورس الى هناك ، ولأننا من سكان هذا الكوكب فلقد أيقظنا مجيئك ، وعندما عدت ، عدنا معك ، لنبحث عن أجداد تائهين لنا .
وقتها تذكرت معلومة من معلومات الخيال العلمي تقول : أن واحدة من أفتراضات الأصول السومرية تقول أنهم جاءوا من كوكب آخر ، وربما كوكب المريخ .؟
قلت : أهلاً بك أيها المريخي .
قال : قل أهلاً بك أيها السومري .
يالهذه الحرب . أنها تقودني الى متاهات عميقة ، فأنا في كل مرة أجاهر بسومريتي ، وحين يعلمون بحوارية الدفتر ، سيقولون : أيها الجندي المريخي ، لماذا لاتغادر الربيئة الآن وتذهب الى كوكبك المريخ وتتخلص من هذه الحرب القاسية ؟قال السومري المرسوم في دفتر خواطري ، وكانت مهنته كاهن في معبد . أن سومر تنبع من مرئي لايُشاهد ، لهذا وعت بشفافيتها كل جديد ، وهي اليوم محط أنظار العيون وسر الميثولوجيا الدائم .قلت : وتعرف هذا المصطلح ؟
ـ وعينا دائم كالشمس ؟
ـ وللحرب ماذا تعي ؟
ـ موتك ، وسرمدية في الكوكب الذي تنتمي أليه : الكوكب الأحمر .
ـ المريخ ؟
ـ نعم . أن سومر تنتمي الى مألوف من كون أخر ، وهي أتت الى الأرض بأرادة الألهة ، وذهبت منها بذات الأرادة رغم أن المشهد كان مأساوياً ، ولكنه كان قدراً .ـ بعد أحتراق اور هل عدتم الى المريخ ؟

ـ أبداً ، الأرض كوكب يخلق العشق ، فكيف نفارقه ؟
ـ ويخلق الحرب أيضاً .

ـ سومر في بعض من وعيها ، كانت الحرب هي واحداً من الأحلام القسرية التي تصنعها شهوات الملوك .
ـ تماماً مثل هذه الحرب .؟

ـ في معايير الأزمنة والأمكنة ، للحرب قلب واحد .
ـ ولها كوكب واحد . ولكني لاأريد ان أموت .؟
ـ الأرادات لاترغم المقدر على أن يبتعد عن سير وهو ينتقي من سومر أحلامه .
ـ وهل أنا حلم ؟
ـ نعم أنت حلم .
كان الديك يضرب للصباح طبل حنجرته .أستيقظت وقد تأخرت عن دوام المدرسة . ماجرى كان حلم لرؤى قديمة . الحرب أنتهت من خمسة عشر عام ، والحروب التي تلتها لم تستدعي المعلمين . أذن أنا حي ، وماقاله رجل المريخ . كان مجرد دعابه . ورغم هذا أشعر بوغزة قوية في منطقة القلب ، ربما هي بداية شد عضلي أو جلطة . ألهي أين أجد طبيب سومري ليسعفني ، وأي مركبة ستأخذني الى المريخ لأدخل المستشفى هناك .
 [email protected]