إشارة: المقال سرد تأريخي لرؤساء الجامعات العراقية ودورهم في المسيرة العلمية والتربوية..
أجاب أحد قادة الفرق الموسيقية ( المايسترو ) عن سؤال في حوار تلفزيوني مطول عن الفرق بينه وبين العازفين على مختلف الآلات الموسيقية فأوضح بأن واجبه قيادة العازفين عموديا وأفقيا! بمعنى أدق أن المايسترو يحرك يده للإشارة ويومأ برأسه وعينيه وأحيانا بكل جسده كي ينتبه جميع العازفين لتقديم لحن متميز!
هذا اللقاء يذكرنا بمايسترو آخر يقود فرقة كبيرة لكنها ليست موسيقية بل فرقة علمية بحثية تربوية هي الجامعة.. وإذا كان للجامعات العراقية دور كبير ومؤثر في تغيير مسار المجتمع ونقله من واقع متخلف إلى واقع متقدم ومزدهر فلرؤساء تلك الجامعات شرف قيادتها وإدارتها ومتابعة شؤونها وتعزيز واقعها العلمي منذ إستحداث وتأسيس أول جامعة في العراق وهي جامعة بغداد في عام ١٩٥٨ وتعيين أول رئيس جامعة عراقي وهو الدكتور متي عقراوي.. وجامعة بغداد أساسها أصلا كلية الحقوق (مدرسة الحقوق ) منذ عام ١٩٠٨ ، وبعد التوسع الكبير في عدد الكليات والأقسام العلمية إستحدثت الجامعة الأم الأولى في العراق.. تلتها في السنوات اللاحقة إستحداث عدد كبير من الجامعات بلغت ٣٠ جامعة رسمية سبعة منها تابعة لإقليم كوردستان و٢٣ جامعة توزعت بين العاصمة بغداد وبقية المحافظات العراقية وعدد من الجامعات الأهلية والكليات الجامعة المعترف بها رسميا..
الجامعات العراقية جميعا تبدأ بتواضع أو بعدد محدد من الكليات والمراكز العلمية ماتلبث أن تزداد وتتوسع عاما بعد عام في زيادة عدد الكليات والأقسام العلمية وقبول أكبر عدد من خريجي الدراسة الإعدادية بفروعها العلمي والأدبي والمهني وإفتتاح مراكز علمية مستقلة لخدمة المجتمع ومكاتب إستشارية للتعاون مع وزارات الدولة والمشاركة الجادة والفاعلة في النهضة التنموية وإعمار وبناء المحافظات العراقية والمشاركة المتواصلة في وعقد وإقامة وتنظيم المؤتمرات العلمية والندوات والحلقات التي من شأنها تطوير ميادين وآفاق العمل وتقديم براءات إختراع في المجالات الصناعية والزراعية والصحية والبيئية والهندسية كان لها الدور الأساس في تعزيز دعائم البناء غير التقليدي المقترن بالنهضة العلمية والتكنولوجية للعالم ككل وتخريج أعداد هائلة من طلبة الجامعات في جميع الإختصاصات وزجهم في مجمل عمل الوزارات المرتبطة بالحكومة أو في القطاع الخاص، هذه الثورة العلمية يقودها علماء أكفاء ضحوا بعمرهم وصحتهم خدمة للمسيرة العلمية وهم رؤساء الجامعات العراقية..
رؤساء الجامعات منذ الدكتور عقراوي وحتى يومنا هذا قدموا للعراق وللمسيرة العلمية جهودا نقلت الواقع العلمي والبحثي في العراق خطوات مكنته من الوصول إلى مراكز متقدمة على الصعيدين العربي والدولي.. لم تنجح الحكومات العراقية المتعاقبة جميعا منذ تأسيس أول جامعة في العراق وحتى يومنا هذا في منح رؤساء الجامعات العراقية مايستحقونه من تكريم معنوي بل على العكس تماما.. فقد تعرض رؤساء الجامعات العراقية إلى إغتيال عدد منهم وطرد آخرين من الخدمة الوظيفية أو تعرضهم لتساؤلات لاتمت إلى أبسط الأنظمة والقوانين العادلة بصلة فضلا عما يفترض أن يتمتع به رئيس أي جامعة عراقي من حقوق أخرى تلزم الحكومة والوزارة بحمايته وعدم تعرضه هو وأفراد عائلته إلى مخاطر وتهديدات لعل من أبسطها عدم عزله من الوظيفة لأي سبب كان لأنه ثروة علمية وطنية لا يمكن التفريط بها.. في العراق ومع شديد الحيرة والأسف يواجه رؤساء الجامعات صراعا من نوع آخر، فالكل يطمح أن يعتلي هذا المنصب ماأثار وعزز صراعات عميقة داخل كيان الجامعات العراقية.. فرؤساء الجامعات مطاردون من الجميع وكأنهم في ميدان معركة.. وهو ماينذر بتعزيز تلك الصراعات داخل الجامعات العراقية وإحتمال نجاح بعض الأحزاب والقوى السياسية في فرض سيطرتها مستقبلا على تعيين أي رئيس جامعة بما يتوافق ويتناسب مع طموحاتها الإنتخابية وهو ماينعكس سلبا على مجمل الحركة العلمية في الجامعات العراقية.. كلنا تخرجنا من جامعات.. في الحكومة والبرلمان والوزارات والدوائر والمؤسسات والقطاع العام والخاص.. في داخل العراق وفي خارجه، لم نطالب يوما بأن تقوم الحكومة العراقية أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإحصاء السادة رؤساء الجامعات العراقية ممن مازال على قيد الحياة وتكريمه ومتابعة شؤونه أو تكريم عائلة من توفاه الله.. وإلزام الجامعات العراقية بالإبتعاد ومنع التنافس غير المشرف ووضع معايير وثوابت علمية وقانونية وتربوية مستقبلا تحدد إختيار رؤساء الجامعات لمنع أي تدخل سياسي أو حزبي يحدده مزاج البعض من خارج هيكل التعليم العالي.. فالعراق الواحد العزيز أنعم الله على شعبه بنهرين هما دجلة والفرات ونهر ثالث.. رؤساء الجامعات العراقية.. ولله الأمر