6 مارس، 2024 6:39 م
Search
Close this search box.

رأي في مشروع قانون التعديل الثاني لقانون المفوضية العليا للانتخابات

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ آب عام 2016 بدأت بكتابة سلسلة مقالات نُشِرتْ في أكثر من صحيفة وموقع الكتروني بشأن ضرورة اصلاح المنظومة القانونية للانتخابات ككل وليس اصلاح قانون الانتخابات فحسب كما كان يتحدث البعض ولا يزال ، على الرغم من أهمية تعديل هذا القانون ولاسيما النظام الانتخابي الذي يتضمنه . وكان من بين مفردات تلك المنظومة قانون المفوضية العليا للانتخابات ، الذي يتميز بأهمية كبيرة ومؤثرة بشكلٍ مباشر في تحقيق انتخابات حرة وعادلة. وتُعَّدْ الفرصة مواتية الآن للخوض في تفاصيل هذا القانون بعد أن قدمت اللجنة القانونية في مجلس النواب مشروع قانون التعديل الثاني له ، وأُدرج في جدول أعمال مجلس النواب في يوم الاول من كانون الاول من العام الماضي وعُرِضَ كقراءة أولى ، ولكنه لم يقرأ كقراءة أولى إلا يوم 22 تموز 2017 ، في حين أنهى المجلس قراءة تقريـــر ومناقشة مقترح قانون تعديل القانون والمقدم من اللجنة القانونية يوم الخامس من آب الجاري ولكنه لم يُعرض للتصويت رغم طلب عدد من النواب بإدراجه ضمن جدول أعمال مجلس النواب في الاسبوع الفائت.
ولدى الحديث عن نصوص قانون المفوضية ، لابد من التركيز على أهم مسألتين تتعلقان بكيفية اختيار مجلس المفوضين والمناصب العليا في هذه المؤسسة من خلال المقارنة بنماذج عالمية سبقتنا في هذا الشأن فضلاً عن التجربة الشخصية التي مررت بها لدى العمل في المفوضية لتسع سنوات ، بينها ست سنوات كمدير عام لدائرة العمليات والعمل عن قرب مع أعضاء مجلس المفوضين ومدراء الدوائر والمكاتب الانتخابية، وقبل تناول ذلك لا بد من عودة سريعة الى تتبع خلفية تشريع قانون المفوضية بعد العام 2003 ، إذ يُعّد الأمر رقم 92 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة في الحادي والثلاثين من آيار 2004 بمثابة ( قانون للمفوضية العليا للإنتخابات) ، وأُعتمد ضمن الاطار القانوني لكافة الانتخابات التي جرت في العام 2005 . وبعد أن تمت المصادقة على الدستور الدائم في استفتاء ونظرا للحاجة إلى سن قانون جديد ينظم ضوابط عمل المفوضية ومهامها وصلاحياتها ومن أجل ترسيخ العملية الديمقراطية في العراق باستكمال البناء القانوني لمؤسساته الدستورية الوطنية أصدر مجلس النواب أول قانون للمفوضية بالرقم (11) لسنة 2007 والذي صادق عليه مجلس الرئاسة بجلسته المنعقدة بتاريخ 26/2/2007، تطبيقا لنص المادة (102) من الدستور ،تبعه تصحيح للمادة (5) من القانون نُشِرَ في جريدة الوقائع العراقية (العدد:4041) بتاريخ 17/06/2007.
وبعد تطبيق قانون المفوضية رقم 11 لسنة 2007 ، برزت الحاجة بمرور الوقت لإجراء تعديلات بشأنه ، قدمت المفوضية حينها عدة مقترحات حول تعديل أو حذف أو اضافة بعض بنود القانون ، وقد استجاب مجلس النواب بإصدار قانون رقم 21 لسنة 2010) قانون التعديل الاول لقانون المفوضية).
في حين تضمن مشروع قانون التعديل الثاني متضمنا مقترحا بتولي قضاة إدارة مجلس مفوضية الانتخابات بدلا من أعضاء ترشحهم الكتل السياسية تجنبا للمحاصصة الحزبية والسياسية بحسب ما توخاه وأشار اليه مشروع القانون.
وإذا ما أردنا تناول أهم الجوانب التي تضمنها التعديل ، فسنجد أن آلية ومؤهلات أعضاء مجلس المفوضين والمناصب العليا في المفوضية تكتسب الاهمية الاكبر ، ولعل تجارب العديد من البلدان التي سبقتنا في مجال الانتخابات والتي سنحت لنا الفرصة لزيارتها ضمن وفود المفوضية بشكلٍ رسمي أعطتنا صورة واضحة عن كيفية تشكيل وإدارة هيئات او لجان الانتخابات في تلك الدول ، سوف أتناول منها أربع ، وهي : الهند واستراليا والبرازيل وماليزيا.
ففي زيارتنا للمفوضية الهندية في العام 2009 ، وجدنا أن مجلس لمفوضين الذي يدير انتخابات لما يزيد عن (700 مليون) ناخب مسجل في سجلات الناخبين ، يتألف من ثلاثة أعضاء فقط ، يجري اختيارهم بحسب مكونات الشعب الهندي وليس للأحزاب دخل في ذلك الاختيار. فقد كان رئيس المفوضية من الديانة الهندوسية ، ونائبه من الديانة المسلمة ، عرَّفَ نفسه بأن لقبه (القريشي) ، أجداده من أصول مسلمة جاؤوا قبل عدة عقود الى الهند ، أما الثالث فهو من الديانة البوذية ، وهم جميعاً تتجاوز أعمارهم الستين عاماً ولديهم الخبرة والكفاءة الادارية في مجال عملهم اضافة الى خبرة الحياة التي توفر لهم الحكمة والأناة في اتخاذ القرارات ضمن عملهم.
أما لدى زيارتنا للمفوضية الاسترالية في العام 2011 ، فقد وجدنا أن مجلس المفوضين يتألف من ثلاثة أعضاء ، قاضي متقاعد متفرغ للعمل بشكل دائمي يتولى رئاسة المفوضية ، ويساعده قاضي منتدب من القضاء لأغراض الانتخابات ثم يعود الى موقع عمله بعد إنتهائها ، ومدير دائرة الاحصاء الاسترالية الذي يوفر دعم مهم في ما يتعلق بالاحصائيات السكانية ، ويعود القاضي ومدير الاحصاء الى اعمالهم بعد انتهاء الانتخابات.
وفي زيارة لهيئة الانتخابات في البرازيل نهاية عام 2012، وجدنا أنها تقع ضمن هيكلية المحكمة العليا ، وهي تتالف من سبعة أعضاء قضاة يلتئمون قبيل الانتخابات ويعود اربعة منهم الى عملهم بعد انتهاء الانتخابات ، أما الثلاثة الباقون فيستمرون بممارسة أعمالهم بشكلٍ دائم بحسب متطلبات طبيعة العمل الذي يستدعي الادارة والاشراف المستمرين وتطوير خطط العمل دون توقف.
في حين يتميز مجلس المفوضين في ماليزيا الذي التقيناه في شباط 2013 لدى زيارة المفوضية الماليزية في كوالالمبور بغرابة في اختيار أعضائه ، فشرط العمر لايسمح إلا لمن تقع أعمارهم بين (66 الى 77 سنة ) من الترشح لعضوية المجلس ، ويجري اختيارهم من بين اكبر سبع قبائل في البلاد بشرط الكفاة والخبرة الادارية في مناصب قد تولوها في مؤسسات الدولة وليس شرطا في مجال الانتخابات ، مستهدفين إضفاء طابع الحكمة والرصانة على عمل المجلس والمفوضية ككل ، أما من يدير العمل الفني فهم مدراء بدرجاتٍ أدنى في السُلم الوظيفي في غاية المهنية والخبرة الفنية في مجال العمل الانتخابي.
التجارب التي اشرت اليها أعلاه من عدة دول تؤشر اعتماد عدد قليل من الاعضاء في هيئة أو مفوضية أو لجنة الانتخابات رغم أعداد الناخبين الكبيرة في بلدانها ، والتي لم تأت إعتباطاً بل هي بُنيت وفقاً لتجارب وخبرات تراكمت لديها لعقودٍ من الزمن ، وفي سياقٍ مماثل ، يتحدث (ليدل هارت) في كتابه ” التاريخ فكراً استراتيجياً ” حول أهمية أن يكون عدد اعضاء الهيئات أو اللجان الرسمية قليلاً لغرض سرعة اتخاذ القرار مؤكداً : “… وفي المعتاد من الاحوال تتألف اللجان من عددٍ قليل محدود من الاعضاء يتناسب نفوذها طردياً مع حجمها فكلما كان حجمها اصغر وعدد اعضائها اقل كلما كان نفوذها اقوى واوسع وتأثيرها أشد وأعظم ، ومن المؤكد ان لجنة غير رسمية صغيرة الحجم قليلة العدد تتألف من عضوين أو ثلاثة فقط وتعقد اجتماعاتها الخاصة بطلب من عضو يتمتع بمركز قيادي ونفوذ قوي وصوت مسموع في اللجنة الرسمية الاكبر ، هو في كثير من الاحيان أثقل وأعظم دوراً وأقوى مركزاً ونفوذاً وتأثيراً “.
أهم ما يمكن أن نقوله في هذا الصدد – ومن خلال خبرتنا المتواضعة بهذا الخصوص – أن زيادة عدد أعضاء مجلس المفوضين عن ثلاثة اعضاء يُربك عمل المفوضية ولا ينتج قرارات سليمة وعاجلة لاسيما في وقت الانتخابات ، وأقترح أن يُطبق المثال الاسترالي بتولي قاضي دائمي رئاسة المجلس ، وقاضي آخر عضواً وممثل من مديرية البطاقة التموينية في وزارة التجارة لدعم بيانات سجل الناخبين عضواً آخر ، كلاهما منسبان ، يعملان خلال مدة الانتخابات بشكلٍ وقتي ثم يعودان الى دوائرهم بعد انتهاء الانتخابات. أما العمل الفني فيقوم بع من هم بدرجة مدير عام نزولا ، ومفوضية الانتخابات غنية وثرية بهؤلاء.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب