يذهب بعض العراقيين الى الامتعاض مما جرى من أحداث دموية ومجازر وحشية في تموز 1958 في حين يرى البعض الآخر أن تصفية العائلة المالكة واصحاب النفوذ ورجال الحكم كانت ضرورية لاقتلاع جذورهم وتفويت الفرصة على دعم جهات أخرى لاعادتهم مرة اخرى الى ناصية الحكم
وينطلق هذا الفريق من نظرته لما يجري في واقعنا العراقي المعاصر والحاضر حيث يعتقد ان حصول انقلاب ضد عصابات الحكم الحالية التي هيمنت على العراق قد لاينجح اذا لم يتم حصد جميع الرؤوس العفنة لتشمل جميع القيادات الخائنة والمجاميع التي أجرمت بحق العراق والعراقيين وعلى رأسهم جميع رجال الدين ومشايخهم البغاة ومراجعهم السيئين
نعم إن المؤاخذات الكبيرة على عبد الكريم قاسم ومن سار الى جنبه هو عدم إرساء الاسس السليمة لمستقبل العراق ومنهجه السياسي كما هو معمول به في الكثير من الدول بعد أعمال الانقلابات العسكرية حيث إنشغل بمهاتراته والتي انعكست سلباً على إستقرار الوضع الداخلي للبلد وعلى العلاقات بين أبنائه ومحيطه الاقليمي
وقد كان عبد الكريم وخلال وجوده الفعلي بدءاً من عام 58 خلال الاعوام الستة التي أمضاها في الحكم وهو يقود الدولة (58-59-60-61-62-63 ) لم يقم بتفعيل القوانين المهمة والتي هي ركيزة للحياة السياسية الصحيحة وكان هدفه أن يبقى على رأس الحكم أبد الآبدين فلم يقم بسن القوانين التي تتعلق بالدستور والانتخابات والاحزاب فجعل من نفسه الزعيم الاوحد في البلاد واستبد بكل أفعاله وقام بتهميش دور رئيس مجلس السيادة او الرئاسة وشجعه على ذلك الامر الاستقطابات للتيارات السياسية وتحكيم منافعها الحزبية والفئوية والشخصية فكان الحزب الشيوعي كعادته يلوذ بكنف الزعيم وكان الزعيم يتأبطه لتمرير خطواته وترسيخ أفكاره ولم نرى دورا ايجابيا للحزب الشيوعي في استغلال علاقاته مع الزعيم لبناء منظومة سياسية تخدم العراق على المدى البعيد
فكان الزعيم يعتمد سياسة المد والجزر إعتمادا على علاقاته الاقليمية والدولية والعربية ففي الوقت الذي تتحسن علاقاته مع جمال عبد الناصر نراه يتقارب مع القوميين وفي الوقت الذي يتنافر مع جمال عبد الناصر نراه يتحالف مع الشيوعيين ليجعل من القوميين والشيوعيين سلعة للطلب وأدواتا للصعود على اكتافهم وقد تنّبه القوميون لتلك التصرفات الشاذة ورفضوا الاستمر للانصياع للزعيم وتمرير لعبته الخاسرة فعمدو الى الاطاحة به وتخليص العراق من فوضويته
أما الشيوعيون فهم كعادتهم يرتضون الامتطاء لانهم ترعرعوا على إرادة مسلوبة ورجولة مفقودة وفكر تابع وبدلا من توجيه عبد الكريم لما يخدم العراق وهم كانوا طلائع لحزب له برنامجه وأفكاره ونظرياته وامتداده الاممي لكن الذي حصل هو العكس حينما جعلوا من أنفسهم أذلاء خانعين يأتمرون بأمر الزعيم وقد استغلوا تلك الفسحة من العلاقة معه فازدادوا غطرسة واستهتارا حتى أقاموا التشكيلات العسكرية الميليشياوية وبدؤوا يلاحقون جميع عناصر القوى الوطنية التي ترفض الاستعلاء المقيت للزعيم وتختلف معهم حتى وصلت حماقاتهم الى ذروتها في مجازر الموصل وكركوك التي ارتكبوها ضد أبناء العراق مما حدا بالزعيم مضطرا الى التبرء منهم وإدانة تصرفاتهم وجرائمهم الغاشمة
وللاسف رجع الشيوعيون الى نفس الديدن والمنوال بتحالفهم مع حزب البعث في جبهتم الوطنية التي صارت وبالا على الحزب فيما بعد
اليوم يعود الحزب الشيوعي مرة أخرى لينضوي تحت عباءة المخبول مقتده وليتهم عرضوا عليه أفكارا ومشاريع لخدمة العراق ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا ذلك لان حدود أهدافهم محدودة وقاصرة وتقتصر على مصالح بعص العناصر منهم
نعم هذه هي خلاصة لمسيرة الحزب الشيوعي البائسة في العراق والتي تتراوح بين إنقيادهم الاعمى للهتر عبد الكريم قاسم وإرتماءهم في أحضان المخبول مقتده
فهل هنالك شيئاً آخر يفتخر به الحزب الشيوعي !
وليس من حقهم أن يأتوا على إستذكار سيرة شهداء الحزب الشيوعي فهم أشرف من هذه الحثالات التي تحاول أن تمتطي تضحياتهم لان أولئك الشهداء هم أبناء العراق المخلصين كغيرهم من الحركات والتنظيمات السياسية التي دفعتهم وطنيتهم وشجاعتهم وغيرتهم الى التضحية من أجل الحرية والوطن وأبنائه.
ماهر سامر