23 ديسمبر، 2024 12:53 ص

رأس السنة , وفتوى , ورجال دين !

رأس السنة , وفتوى , ورجال دين !

وكأنّ ليس لدينا هموم , وكأنّ لا يفارقنا البوم إذ يحوم في هذه التخوم , وكأنها ايضا لا تفارقنا الغيوم الوضعية والأرضية , بل ايضاً كأنّ النسيج الإجتماعي – الوطني صار مطلوباً ” ليس عشائرياً وحزبياً واستعمارياً ! ” فحسب وإنّما منْ قِبل بعض كبار رجال الدين وصغارهم ايضاً . ويترآى أنّ هذا النسيج الطبيعي طوال عمر الدولة العراقية والى غاية الأحتلال وسيما ما بعد الأحتلال , لم يجرِ الإكتفاء بتمزيقِ وتقطيعٍ بعضٍ من اوصاله , لكنما يراد وأد الجزء الأكبر منه وإبعاد نور الشمس عنه استباقياً .!

منذ كرسمس او 25 \ 12 من هذا الشهر الذي يمثلّ عيد ميلاد السيد المسيح ” ع ” والذي تحتفل به الكثير من شعوب العالم , والذي يمهّد عاطفياً وموضوعياً وسوسيولوجياً للإحتفال بأطلالة السنة الجديدة التي تحتفل بطلعتها كلّ الأمم والأديان والملل , وتقام لأجلها الحفلات والموسيقى وتصاحبها الكرنفالات والرقص , والتي تمثل في إحدى ابعادها الوحدة الأنسانية لشعوب العالم , لكنه من المؤسف أن بادر بعض رجال الدين على مدى الأيام الماضية بأطلاق فتوى ذاتية او اجتهادية – فرديّة بتحريم الأحتفال بالسنة الجديدة .! وهو أمرٌ يؤجج الأستغراب ويثير كلّ عناصر الإندهاش وخصوصاً أنّ هذه الفتوى الجديدة تصدر لأول مرّة ولم تسبقها سابقة من قبل .! ولماذا في هذا التوقيت تحديداً .؟

وبشكلٍ او بآخرٍ , وفي مجال البحث والتنقيب وتمحيص حيثيات سفسطة هذه الفتوى واذا كان لها من جزيئياتٍ تسوّغ ما لا يمكن تسويغه ولاحتى تسويقه , ففي استقراء بطرق التحرّي والتفكيك والتحليل , نلاحظ أنّ اولئك البعض من رجال الدين يحاولون تصوير الأحتفالات التقليدية والشاعرية لعيد رأس السنة وكأنها نوعٌ من الشرك .! وكأنها ايضاً تحمل نفساً او انفاساً من الحروب الصليبية التي لفظها التأريخ والزمن حتى من الدول التي شنّتها قبل قرونٍ من الزمن . ثُمّ , منْ دونِ استطلاعاتِ رأيٍ سخيفة ولا استبياناتٍ اكثر سخفاً , فهل في تصوّرٍ او في ظنون هؤلاء من رجال الدين بأنّ أياً من المحتفلين المسلمين برأس السنة الميلادية الجديدة وجسدها المعنوي الخلاّب , أن يقصد في ابتهاجه بهذه المناسبة ايّ اعتبارات دينية , او تحريف او تراجعٍ عن الديانة الأسلامية واعتناق غيرها .!

وفي جانبٍ من هذه الفتوى التي كأحدى موضاتِ البلوى , فأنّ اصغرَ سؤالٍ في < الطول والعرض والإرتفاع > نوجّهه لهؤلاء السادة – القادة , فلماذا يستخدمون ويكتبون التأريخ الميلادي في كلّ معاملاتهم وعرائضهم ومراجعاتهم للدوائر الرسمية وبما فيها الدوائر ذات الصبغة الدينية , وقد يجرّ هذا التساؤل الى عدم اعتراضهم وسكوتهم لكتابة تأريخ او تواريخ ولادتهم بالميلادي وليس الهجري ! سواءً في جوازات السفر او هوية الأحوال المدنية , وحتى في عقود الطلاق والزواج وسواها .!؟

وإذ تشارك في إعداد وانتاج وإخراج وطبخ هذه الفتوى الجديدة البعض من رموزٍ من كلا المذهبين ” سين و شين ” الذين لا يرمزون إلاّ الى انفسهم , لو اعتبرناهم حقاً كرموز , فهنالك ثمة ” ثيمة ” مشتركة من الجيوبوليتيك , فهذا الإفتاء الفردي الحديث , فأنه يمسّ الوحدة الوطنية في لبنان والعراق بالدرجة الأولى , ويصعب القول ” افتراضياً ” بما يمسّ دولاً عربيةً واسلاميةً اخرى , والتي احتفالات اعياد رأس السنة الجددة اكثر من كلّ ما سواها ! .