23 نوفمبر، 2024 5:41 ص
Search
Close this search box.

رأس الحسين

(منذ ان قطعت هذه الامة راس الحسين وهي تعيش بلا راس) الكاتب

كريستيان هوفمان طالب صحافة الماني الى جانب تخصصه في اللاهوت يبحث عن بداية غير تقليدية لحياته المهنية، يلتقط قصة تحقيق صحفي لصالح مجلة ديرشبيغل الرصينة ، تقوده القصة الى دمشق وكربلاء والرقة وعسقلان والمدينة المنورة والقاهرة ثم معاقل المذاهب المسيحية في موسكو والفاتيكان وكولن ولندن حيث يكتشف تشابك سري يجمع الديانات الكبرى بشأن واقعة كربلاء الرهيبة، يجمع هذا العمل بين التراجيديا والفكر والتاريخ والرؤى الخاصة ويكشف عن صراع غير معنون يهز حياة البشرية ويهددها ويحاول الاقتراب من المسكوت عنه الذي يحرك الشرق دون ان يجد اعترافا بل ويواجه النفي، كما شعاع ضوء يسافر الراس المقدس في كل الاتجاهات وهو ايضا في البيت المعمور حيث تتنزل به الملائكة ليطوف في بيت الله.
هذا فصل من الرواية التي تحمل ذات الاسم ويعتذر الكاتب عن نشرها كاملة.
………………………………………………………………………………………..

كنت متيقنا ان فكرة تحقيق صحفي يستحق العناء ستحط في النهاية على شجرة ذهني المتوتر على الدوام بدون سبب محدد، كان علي التضحية بواحد من الاختصاصات التي ادرسها، الطب في جامعة شتوتغارت ، اللاهوت في جامعة توبنغن العريقة والصحافة في جامعة كارلسروهه  وهي جميعا في مقاطعة بادن ورتمبرغ جنوب المانيا.
اشعر ان معرفة حدث ما تنقصني، حدث كبير غير مجرى التاريخ ويؤثر بحياتي الخاصة يعيش بقربي واجهله ، مع اول درس تشريح واول جثة قادمة من مشغل الدكتورغونتر فون هاغنز عرفت انني لن اصبح طبيبا هذا الطبيب بالطبع ابتكر طريقة لحفظ الموتى شغلت المانيا والعالم.
حياة ونهاية يوحنا المعمدان قرعت الجرس في روحي ، هذه هي الفكرة اخيرا ، فتشت لها عن عنوان يصلح لبحث لاهوتي وتحقيق صحفي معا فوجدت تسمية مرضية الى حد ما (راس يوحنا المعدان).
هذا هو صيدي الثمين ، قصة تجمع اليهود والمسيحيين والمسلمين والصابئة اذ ان يوحنا المعمدان او الشهيد الاول او يحيى بن زكريا ابن اليصابات اخت مريم  المراة المسنة العاقر التي حملت بمعجزة ،الصوت الصارخ في البرية الممهد لرسالة ابن خالته عيسى والذي يعمده بمياه نهر الاردن يعتبر قديسا لدى الجميع وماساته تتفوق على اي عمل تراجيدي ، انه النبي الذي يموت من اجل مبادئه حيث حرم زواج الملك هيروديس من ابنة اخيه  سلوميا التي طلبت راسه فاهداه لها بعد حفلة رقص.
علي ان ازور ثلاث مدن في ثلاثة بلدان تدور فيها القصة ، السامرة في فلسطين  المكان المفترض لدفن جسد يوحنا وكنيسة سلفستر في روما ويفترض وجود الرفات بعد نقلها الى هنا ودمشق مكان دفن الراس.
في دمشق عرفت ان الناس تتكلم ، في المانيا تمشي الناس صامتة كانها في جنازة ، الصوت العالي نوع من الخلل العقائدي، كان علي مراجعة الجهات الرسمية حتى لااقع في مشاكل ، مع اول مسئول قابلته اخذ الشرق يفقد سحره لكنهم رشحوا  لي مرشدة سياحية.
قدمت زينب الحلبي نفسها بلباقة وسالت عما اذا كان اسمي الصحيح هو كريستيان هوفمان ثم قادتني الى خارج الدائرة وقطعت الطريق الى سوق الحميدية كاملا وهي تجيب على اسئلتي حتى قبل ان اطرحها.
شابة جميلة تحت العشرين ، متخرجة حديثا من كلية الاثار ، محجبة لكنها تتحدث في كافة المواضيع بدون اي حذر، من النوع الذي تعتقد انك ستمسك به كطائر مبلل لكنك تجده محلقا بعيدا عنك في كل مرة.
دهشة الجامع الاموي ورهبة ضريح النبي يحيى داخله تبددت مثل غيمة صغيرة داخل سحابة محملة بالحزن اكبر منها بكثير ، وهي تعرف بتاريخ المكان الضاج بالزائرين ،بعضهم يتمسك بشباك الضريح ،اخرون يرتلون القران بينما يجلس اخرون ينظرون بما يشبه الذهول الى عالم اخر محجوب بستارة رقيقة ، صمتت زينب وسرحت نظرها في رحبة الجامع ورايت عينيها تغرقان بالدموع ثم راحت تتكلم بصوت تخنقه العبرات…
تعرف سيد هوفمان هنا تجتمع ذروة الماساة ، راسان يواسي احدهما الاخر ، راس يحيى وراس الحسين، ابي قال لي ذات مرة انه قرا رواية في كتاب موجود بالمكتبة الوطنية ببغداد واعتقد انه تعرض للحرق او تم بيعه لاحدى المكتبات الاوروبية بان راس يحيى شكى وحشته الى الله  فقيل له سياتيك المعزي الى هنا  ، راس مضرج بالدماء يقرا القران ويسبح لله ليس مثله ولا قبله ولابعده حينما تنزله السيوف عن كتف الحسين سيشعر جميع الخلق بانهم بلا رؤوس ، يفقدون الرغبة بالحياة وهم متمسكون بها، هنا يايحيى بن زكريا سيوضع راس ليس له من قبل سميا، لن تستوحش معه ولابعده لكنك ستظل باكيا وهذا هو عزاء الانبياء.
رجوت زينب ان تتفهم حداثة عهدي هنا وركة لغتها الالمانية لكن شعورا بالحزن داخلني وتملكتني رغبة جارفة ان اعرف مالذي يحدث مع هذه الفتاة.
الحسين؟
اسم جميل
سيطرت علي رغبة بامتلاك هذا الاسم ومعرفة قصته التي دفعت الى الخلف قصة جئت من اجلها الى شرق اعرفه عبر الكتب والخرائط والقصص الصحفية التي تشغل يومياتنا بتفاصيل الصراع في الشرق الاوسط.

انتبهت الى دخول هذا الاسم في قصر اعظم امبراطورية في عصرنا وانتبهت ايضا الى دخول اسم فاطمة الزهراء الذي ذكرته زينب ضمن القصة الى الاليزيه حينما سمت وزيرة العدل الفرنسية السابقة ابنتها بهذا الاسم هناك ايضا اسم الملك حسين واسم مقارب له في المغرب ثم وجدت ان الاسم ينفتح على العالم بالكامل.
نعم سيد هوفمان هناك ملايين البشر يحملون هذا الاسم…ملوك امراء رؤساء قادة زعماء اناس عاديون…
وددت لو ان زينب نادتني ب حسين ، اعتقد انني تحت تاثير الاعجاب بالمختلف، الاسم العربي والدين الاسلامي وربما تاثير زينب التي تشع عفة وتحافظ على مظهرها المحتشم حيث تتدخل بانتظام لتعديل غطاء راسها او اعادة ارسال ثيابها اوتحاشي الاصطدام بالاخرين فهنا لايوجد نظام للمشي كما هو في المانيا حيث نمشي على جهة اليمين دائما.
هنا دارت قصة راس اخر فاذا كان يحيى قد وقف بوجه هيروديس من اجل جزء من الشريعة فان الحسين وقف بوجه يزيد من اجل كل الشرائع ، هناك تشابه في فرادة اسميهما ومصيرهما وكونهما شهيدين من اجل الشريعة فان ماساة الحسين فيها حزن مكثف لايمكن لك ان تتخيله انها اختزال للصراع بين الموقف واللاموقف.
هنا راس يحيى بن زكريا، في هذا الضريح الذي يتوسط الجامع الاموي ، ماذا تود ان تكتب هل تريد الكتابة عن الضريح ام دراسة المكان حيث قدم راس يحيى الى الفتاة سلوميا؟
سيد هوفمان، هل انت معي ، مالذي تريدني ان اساعدك به؟
اريد ان اكتب عن راس الحسين…
انسي قصتي الاولى اريد ان اتتبع هذه القصة … اشعر ان بركانا من الحزن يتفجر داخلي تتملكني رغبة بالبكاء…
سيد هوفمان ، اعتقد انك تقترب من تحقيق صحفي لم يسبقك اليه احد لكن يجب ان تعرف انك ستسير على حافات خطيرة وسط عالم اسلامي يتفجر حقدا على بعضه بسبب الصراع المذهبي الممزوج بالصراع على السلطة والمحتدم دون حسم داخل العالم الاسلامي منذ قرون، تحقيق من هذا النوع ربما يجعلك تتسبب باضافة مادة جديدة تؤجج الصراع الاسلامي الاسلامي الا اذا كنت تمتلك منهجية الالمان وموضوعيتهم في البحث.
بوضوح شديد ومباشرة فجة اقول ان العالم الاسلامي داخل في حرب مذهبية وهو يرفض الاعتراف بوجودها جريا على طبيعته فكما تعلم الشرقيون يرفضون الذهاب الى الفحص الدوري خوفا من اكتشاف امراضا تنخر اجسادهم انهم يفضلون الموت بدون معلومات تفصيلية عن عللهم.
حرب؟
نعم حرب…
حرب كبيرة جدا…
لكننا لم نسمع بها…
الحروب الكبيرة سيد هوفمان تدور بصمت.
دعنا ننتقل الى التاريخ الموازي سيد هوفمان ، التاريخ الذي تعيشه الناس كحاضر ولااحد يمكنه كتابته، سنعود الى هنا لاحقا…
توقفي زينب اريد ان اعرف من هو الحسين الذي ترك اسمه في وجداني كل هذا الاثر؟ اين وضع راسه بالضبط من هذا المكان؟ ولماذا يكون تاريخ الجامع وهو دار عبادة مرتبطا بالرؤوس المقدسة؟ اصلا لماذا حمل راس الحسين الى هنا؟ اين دفن؟
اين دفن راس الحسين؟ هذه القصة الصحفية التي ساساعدك في كتابتها لصالح مجلة ديرشبيغل كما تقول حضرتك دون دخول في تفاصيل معركة كربلاء.
كربلاء؟
نعم سيد هوفمان…هل قرات التوراة؟
هذا اختصاصي ماعلاقة التوراة بكربلاء؟
انت تفترضين انني اعرف كل شي عن تاريخ الشرق هذا ليس صحيحا واحتاج الى مقدمات حول ماتطرحينه تعريف ولو قصير…
سيد هوفمان ، كربلاء لايمكن تعريفها انها القصة النهائية التي يعرفها جميع الناس ، في النهاية ستعرف انها كانت واضحة بما يكفي وانها كبيرة الى حد منعنا من رؤيتها وانها اعظم من كل القصص التي انتجها ادب الماساة طيلة مسيرة البشرية.
هل تقصدين ان القصة مذكورة في التوراة؟
نعم وسوف ادلك على السفر والاصحاح لكن اضع اولا تحت تصرفك هذا النص من موسوعة التاريخ البريطاني…
This year
there was in Britain a bloody rain, and milk and butter were
turned to blood.

 انكليزيتك افضل من المانيتي، هذا النص يقول
في هذه السنة امطرت دما ووجد البريطانيون البانهم وازبادهم قد تحولت دما ، انها سنة 685 التي تقابلها سنة 61 هجرية.
في هذا العام حدثت معركة كربلاء وقتل الحسين وحمل راسه وحسب التاريخ الاسلامي المفروغ منه فان السماء امطرت دما لمقتل الحسين وظهرت تغييرات غير مالوفة في الطبيعة كان بعضها قد اخبر به النبي محمد جد الحسين كعلامات ستظهر عند مقتل حفيده.

تعتقدين ان الطبيعة يمكن ان يتعرض نظامها للاختلال نتيجة علاقات البشر فيما بينهم؟

انا اشك بعلميتك.

قد تغير رايك…

مع الادلة ممكن…

تعرف ان بلورة الماء تتشكل حسب الصوت حسنا وقبحا والنباتات تتاثر بالموسيقى لماذا اذا برايك لاتتاثر الطبيعة بافعال مماثلة.
هذا نوع من التضليل زينب
ساجاريك…
عالم الفيزياء ستيفن هوكنغ غير رايه بحدود عشرين عاما، في كتابه تاريخ موجز للزمن اعتبر ان الفيزياء تثبت وجود الله امافي كتابه التصميم العظيم فقد ذهب الى ان الفيزياء تنفي حاجة الكون الى خالق.
تعرف ان الجدل بشان الله قديم في حياة البشر.
لا ليس قديما انه يعود الى عصر الزراعة والاستقرار وتحول اللغة الى الوظائف الجمالية.
اوافقك واسئل ايضا
هل امتلك بشر ما دليلا على عدم وجود الله ، هل سمعت ان احدا قال ذلك ولو على سبيل الادعاء الكاذب؟
 سؤال ذكي جدا لكن لماذا طرحه؟
انا مؤمن بالاساس…
انا مسيحي متدين…لا اذكر انني شربت خمرا او ارتكبت معصية… على الدوام كنت اشعر ان هناك قوة ما توجهني بعيدا عن بعض الاهداف وتقودني نحو اخرى.
وعدتيني بنص حول التوراة…
نعم صحيح لذا اوجهك الى سفر ارميا الاصحاح السادس والاربعين حيث تقول التوراة (للسيد رب الجنود ذبيحة في ارض الشمال عند نهر الفرات)…

أحدث المقالات

أحدث المقالات