18 ديسمبر، 2024 5:57 م

ذيول وعبادة أصنام الانسان وراعش ورعوشة وداعش وموالين لابو الزوالي والسحالي

ذيول وعبادة أصنام الانسان وراعش ورعوشة وداعش وموالين لابو الزوالي والسحالي

أعاصير من الأحداث السياسية والاجتماعية تعصف بمنطقتنا العربية ومحيطنا الإقليمي وتكاد تسقط الكثير من الأنظمة التي كانت راسخة لعقود وتحوِّل دولًا أخرى عرفت استقرارًا لسنوات لتصنفها ضمن الدول الفاشلة التي انفرط عقدها وفقدت القدرة على الإمساك بعجلة القيادة فانحدرت في هوة الفوضى والعنف والقتل العبثي، سوريا، مصر، ليبيا، اليمن، وتونس ودعت سنوات من الأنظمة القمعية البوليسية لتدخل حقبة الحرب الأهلية والتنظيمات الطائفية التي تقتل الناس بتهمة الانتماء التاريخي لأحداث وقعت قبل 14 قرن وتنفد الحكم بنفس الطرق التاريخية، أما الأنظمة المستبدة التي خيرت الناس لعقود بين الولاء لها والتسليم بخيرات الأرض وكرامة العرض مقابل العيش الذليل حتى يوم الرحيل، هذه الأنظمة أصبحت تخير الناس اليوم بين الركوع والتسليم ببقائها أو الموت الجماعي والدمار الشامل.

قد يقولون إنها الفوضى الخلاقة التي ستنتج بعد مرور سحابتها الزائلة دولًا متقدمة ومجتمعات متحضرة، لكن هل من الضروري تدمير الأوطان وخراب العمران وإبادة الإنسان حتى ننتقل إلى التحضر والتقدم و التعايش؟!

يعيش الإنسان العربي تحت هذا الإعصار وأسفل هذا الإعصار يواجه ثلاث عواصف: عاصفة الأنظمة العربية التي أنهكت الإنسان وفشلت في تحقيق نهضة اقتصادية أو اجتماعية ومارست كل أنواع الفساد والقمع والتفقير لما يزيد عن ستة عقود، وعاصفة تنظيمات العنف المتطرفة التي ظهرت مع بداية السبعينات وتكاثرت منذ مطلع التسعينات والتي تعيش اليوم عصرها الذهبي من تنظيم الجهاد المصري ثم الجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وتنظيم القاعدة ثم التوحيد والجهاد وعصائب أهل الحق وفيلق بدر وأنصار الله وأخيرًا تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش، تختلف هذه التنظيمات في منطلقاتها العقدية وأهدافها السياسية وتتدرج في حجم ممارسة العنف والقتل باسم الله أو الدين أو الطائفة، لكنها تنبت من مصدر واحد وهو فكرة إنقاذ الإنسان/ المسلم/ العربي من الظلم والاستعباد الغربي أو إنقاذه من تهاوي بنية الأنظمة العالمية/ الإسلامية/ العربية التي أعلنت إفلاسها القيمي وفشلها الاقتصادي والاجتماعي وأشهرت تهديدها لهذا الإنسان بأن لا مفر منها إلا إليها أو إلى الموت.

كيف تولد التنظيمات المتطرفة؟ وما سبب كل هذا العنف المتولد من داخلها والموجه للآخر؟ وما علاقة سقوط الأنظمة بسقوط الأخلاق والقيم المجتمعية؟

يحاول الخطاب العالمي والإعلام الدولي إلصاق تهمة العنف والإرهاب بالحضارة الإسلامية، ويجاريه في هذا الطرح أبواق الإعلام العربي ودعوات النخبة التي تقلد من تتبعه – مثل تقليد المريد وعضو التنظيم المتطرف لقيادته السياسية ومراجعه الفكرية -، لكن التاريخ المشترك للإنسانية يقول إن التطرف والقتل والطائفية العرقية والسياسية كان ملازمًا لكل الشعوب والحضارات وظهر في كل الديانات والعقائد المعاصرة أو القديمة وحتى في العقائد السياسية الملحدة، لكن ما يميز التطرف الحالي هو تركيزه على الحضارة الإسلامية، ثم انتقاله من تطرف يعيش في طرف المجتمع فكريًا ووجوديًا إلى تطرف يهيمن على مركز العديد من المجتمعات ويتوسط المجتمع أو يقوده.

رغم أن كوكب الأرض يضم العديد من الحضارات إلا أن الحضارة الغربية هي التي هيمنت عليه وهي التي أنتجت الحداثة الحالية بمرتكزاتها: العقلانية، العلمية، العلمانية، المساواة، الديمقراطية، الرأسمالية الصناعية التجارية والفلاحية، حتى أصبح يترادف اسم الحضارة الغربية مع الحداثة.

مع انهيار المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي وسقوط الأنظمة الفاشية، أصبحت الرأسمالية الغربية في نموذجها الأمريكي هي الممثل الوحيد للحداثة الغربية والقائدة للإنسانية حتى أن أحد مفكريهم وهو فرانسيس فوكوياما، في كتابه “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” الصادر سنة 1992 قال بنهاية التطور الاجتماعي والثقافي للإنسانية والشكل النهائي للحكومات وصل إلى محطته الأخيرة وهي النموذج الأمريكي! ما يفسر هذه النظرة الشمولية والحدية لـ “فرانسيس فوكوياما ” هو انتماؤه لتيار المحافظين الجدد الأمريكي وتتلمذه الفكري على يد أستاذه صامويل هنتنكتون (1927-2008) صاحب نظرية صراع الحضارات التي دافع فيها عن فكرته بحتمية صدام الحضارات على أسس ثقافية ودينية، كتب صامويل هنتنكتون مقالته الشهيرة “صراع الحضارات” بمجلة فورين أفيرز والتي سيتوسع فيها لاحقًا لينتج كتابًا بنفس العنوان جاءت المقالة ثم الكتاب كتكملة وتأكيد لفكرة تلميذه فوكوياما، حيث قسم هنتنكتون العالم إلى تسع حضارات تقودها الحضارة الغربية، وركز على أن الخطر القادم بعد نهاية الشيوعية هو خطر الحضارة الإسلامية، مشيرًا إلى عدد الصراعات والحروب على حدود الدول الإسلامية وداخلها.

أهمية فكر صامويل هنتنكتون ليس في تنظيره لمرحلة ما بعد الشيوعية والألفية الثالثة، ولكن في حجم تأثيره في السياسات الخارجية للولايات المتحدة القلقة على مصالحها الإستراتيجية وحاجاتها الملحة من الموارد الطاقية الموجودة في الشرق الأوسط ومصالحها مع حلفائها الأوروبيين الذين يخشون أيضًا على مصالحهم الاقتصادية وإرثهم الاستعماري القديم في الدول العربية الإسلامية وخوفهم من سقوط الأنظمة العربية التي تضمن هذه المصالح على حساب مصلحة الشعوب العربية.

حالة تبادل الأدوار بين السلطات الأمريكية – الخارجية والجيوش – وبين المفكرين الأمريكيين وخاصة المحافظين الجدد التي تصل لحد التماهي، فيضعون التبريرات لقرارات الخارجية الأمريكية أو يكتبون مصوغات أخلاقية ودوافع فكرية لحروب الجيش الأمريكي حول العالم، هذا التداخل وتبادل الأدوار بالإضافة لإشغال الرأي العالم الأمريكي والأوروبي بصناعة عدو افتراضي يهدد حياتهم وقيمهم واقتصادهم يتمثل في الإرهاب الإسلامي العابر للقارات يُلهي الإنسان الغربي عن مشاكله الحقيقة في الركود الاقتصادي والأزمات الاقتصادية أو العنصرية المتفشية في بلدانه، أو تدمير البيئة وحجم الثلوث والأمراض المزمنة التي يعاني منها جراء التقدم والتصنيع المفصول عن الأخلاق.

الأزمات التي تعصف بالحداثة الغربية أو بالحضارة الغربية وأولها أزمة الغاية والوجود؛ حيث فشلت هذه الحداثة في إيجاد هدف لحياة الإنسان الغربي الذي تنكر لفكرة الإله أو الدين منذ قرون فوجد نفسه يعمل ويراكم الثروة ويضاعف لذة الشهوات (الطعام – الجنس – اللباس – الثروة) دون هدف أو غاية.

فشل النظم الديمقراطية في تحقيق إرادة الإنسان الغربي حيث يجد هذا الإنسان نفسه أمام قرارات لا تمثله مُتخذة من هيئات وصلت بديمقراطية أصواته أو يرى حكوماته المنتخبة تخالف إرادة شعوبها (أغلب البريطانيين والأوروبيين كانوا ضد الحرب في العراق ورغم ذلك شاركت فيها جيوشهم).

فضيحة وهم المساواة: قامت الحداثة الغربية على مرتكز المساواة بين الأفراد دون تمييز عرقي أو ديني أو طبقي، لكن الواقع يفضح بشاعة العنصرية المتزايدة والتمييز والاعتداءات على مواطني هذه الدول بسبب اختلاف اللون أو اللهجة.

التقدم المفصول عن القيم والأخلاق: تَعتبِر الحداثة الغربية العالم مجرد مادة بدون روح أو قيمة وهذه المادة معدة لتلبية حاجيات الفرد الغربي وصناعاته وشركاته الرأس مالية بدون حسيب أو رقيب، فتستهلك الصناعات الغربية موارد الكوكب من معادن وغابات ومياه وحيوانات وحتى إبادة شعوب إنسانية أخرى وتدمرها ملوثة أرضها وجوها دون وضع مُصوِّغ أخلاقي فالعالم وموارده وشعوبه مجرد مادة بدون وعي أو قيمة كما سبق.

إصرار الحضارة الغربية على تعميم نموذج حداثتها بما تحمله من أزمات هوية وغاية إلى باقي شعوب وحضارات العالم، وفي واجهة هذه الحضارات والشعوب الإنسان العربي المسلم: فهو تارة مستباح الأرض بسرقة موارده (بتروله – شواطئه – أراضيه الفلاحية) أو استغلاله في معامل دون اعتبار لأبسط شروط الكرامة، واعتبار أرضه مكان لحل إشكاليات الحداثة الغربية حيث صدرت الحضارة الغربية مشكلة اليهود داخلها بإرسالهم وبناء دولة عنصرية عسكرية معادية لهم في قلب الحضارة العربية الإسلامية ودعم الكيان الصهيوني ليخوض حروب وأزمات أنهكت الدول والإنسان العربي المسلم وعطلت مسيرة تنميته.

الإنسان الغربي الذي ينظر لنفسه من خلال تعريف الحداثة الغربية له ككائن موجود بالصدفة والعبث متطور عبر القوانين الداروينية (الصراع والبقاء للأقوى)، والمنشغل بتلبية شهواته ولذاته (الأكل – الجنس – الثروة)، وأزاح كل المسلمات والمقدسات في سبيل تحقيق المزيد من اللذة، يسعى لتعميم رؤيته أو أزمته لباقي الشعوب، منها تدنيس مقدسات باقي الحضارات: سرقة الآثار العراقية بعد الاحتلال الأمريكي، تدنيس المصاحف في سجن غوانتنامو، الرسوم المسيئة للرسول – صلى الله عليه وسلم -، دعم الحركات والمنظمات التي تروج للإباحية وتجعل من الانحرافات الجنسية حرية شخصية (حادثة تعري عضوات حركة فيمن في آثار مسجد حسان بالرباط)، مطالبة الأنظمة في الدول العربية لتعديل قوانينها حتى تعطي حقوق زواج المثليين والسحاقيات وتمكينهم من حق تبني الأطفال وتوسيع مفهوم الأسرة ليشمل حق زواج الإنسان بباقي الحيوانات مثل البغال والأبقار والقردة.

الدول بتقنين وتشريع الحق في زراعة المخدرات وبيعها واستهلاكها، ثم الحق في الإجهاض والانتحار وإنهاء حياة المرضى.

مثل تيار داعش الذي كَفَرَ بكل مظاهر الحداثة والتعايش وجابه ظلم واستغلال الحضارة الغربية للإنسان بالمزيد من العنف والتوحش، ظهر تيار فاحش الذي يدعو لمواجة تخلف الإنسان العربي وضعفه أمام عدوان الغرب الرأس مالي والأنظمة العميلة له بالمزيد من التحلل من الأخلاق والقيم و إلغاء الهوية وتدنيس المقدس ورفض مؤسسة الأسرة وإزالة الإله لوضع مكانه إله آخر هي آلهة اللذة والاستهلاك العبثي، أمام هذا التيار يقف الإنسان في حالة دفاع عن آخر قلاعه التي يحفظ فيها سبب وجوده ويربط فيها بقاءه في الحياة، بهدف يتعدى مرحلة ما بعد الموت ويمني نفسه بفكرة العدالة المطلقة والخير الذي سينتصر على الشر في كل نهاية.