23 ديسمبر، 2024 4:01 ص

ذهاب نسائم الروح .. موت غير جسدي

ذهاب نسائم الروح .. موت غير جسدي

الروح بمعناها المتعارف عليه بين العامة هي السر الالهي المنغمس في الجسد البشري والتي تسير الذات العليا للانسان بأخلاقياتها ومبادئها وقيمها ، حتى اذا غادرت الجسد توقفت اعضاؤه البشرية وغادر الحياة الدنيا بما له وما عليه الا عمله فهو الذي سينتقل معه الى العالم الآخر ليكون معيارا لمحاكمة عادلة امام حق لا يحق الحق سواه تباركت قدراته.
لكن ما هي سمات هذه الروح ؟ وما آليات التحكم بها ؟ وهل يمكن تسييرها وفق العفة التي خلقت عليها من الاساس ؟ وما سر القدرات التي تحولها الى شيء بعيد عن ماهيته الاساسية ؟ فالعلم الحديث اثبت ان المادة وسواها بل كل شيء لا يمكن له التحرر من عناصره المكونة له الا بالفناء والخلق مجددا بعناصر اخرى ذات ماهيات متغيرة تنسجم مع الصفات الاخرى المراد للشيء ان يكون عليها. هذه الاسئلة وهذه الاستفهامات تضعنا امام بحث يستحق الوقوف عنده لوهلة ، الا وهو ان هذه الروح التي تعد من اسرار الخلق الالهي العظيم لا تقتصر على كونها مسيرة لجسد بشري معتمد في حياته على وجودها بداخله ، وانها تتأثر بسلوك او توجيه خارجي يغير من خصائصها التي كونتها من الاساس ، تلك الخصائص التي هي امتداد للذات الالهية التي لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تصدر شيئا غير متكامل والعياذ بالله.
اذن كيف يتم تغيير الخصائص الاخلاقية للانسان والتي ستحاسب روحه عليها باعتبارها المسؤولة المباشرة عما فعل وارتكب ، حيث يفنى الجسد المسير باعتبارة مادة فانية.
هنا لا نجد ما يمنعنا ان نتطرق الى بعض الجوانب التي تتعلق باسرار هذه الروح والتي يراها البعض من المحظورات ونحن لا نرى سببا مقنعا يجعلنا نتردد في الخوض فيها ، وهي ان الروح لا يمكن تغيرها او التأثير بها غير ان نسائمها هي التي تكون ذات خصائص متغيرة ومتأثرة بالمحيط الخارجي او السلوكيات الواردة لنا سواء من قبل اخرين او نتيجة تأثيرات اجتماعية قاهرة.
فما هي نسائم الروح ؟ هنا يمكن لنا ان نجيب بشكل يفهم بالنسبة للمتلقي بصورة اكثر وضوحا من خوضنا بمصدر الروح والذي تدخل في تفسيراته وتحليلاته قضايا دينية وعقائدية ربما لا يسمح لنا لا الظرف الزماني ولا المكاني التطرق الى تفاصيها ، فضلا عن كوننا غير متخصصين في هذا الجانب حيث نترك الخوض بتفاصيله لمتخصصين اكثر دراية منا واكثر قدرة على اقناع الاخرين بدلائل ما يتطرقون اليه بهذا الصدد.
فالنسائم هي ما تبعثه الروح من موجات طاقة لاستشعار المحيط او الاخرين ، وبالتالي فإنها تحمل احيانا بعضا من خصائص ذلك المحيط ، اي بمعنى ان المحيط غير المرئي الذي يجوب فيه الانسان تنتشر فيه عناصر سلبية بقدر ما يضم من عناصر ايجابية وهنا يكمن الصراع الحقيقي بين الانسان والشيطان بين الحق والباطل والخير ضد الشر. اذن فالصراع هو صراع طاقات في ذلك المحيط وان قوة النسائم هي الفيصل في الصمود ام الانهيار امام ما تواجهه من تحديات لانها ستعود حتما الى مصدرها المنبعثة منه لتؤثر على السلوك العام لتصرفات الانسان فيما بعد.
ورغم ان الموضوع ربما يحتاج لتفاصيل اكثر دقة ، الا اننا نراهن على اصحاب العقول النيرة باستيعاب ما ذكرناه كوننا ملزمين بإكمال فكرة هذا المقال وخلاصته التي تتعلق بكيفية مواجهة تلك الموجات السلبية المنتشرة ضمن محيطنا لحماية نسائمنا وبالتالي ذاتنا من التأثيرات التي ستحملها إلينا.
ان الانتصار في هذه المواجهة يكون عبر ترصين القوة الالهية الروحية الساكنة لدينا واعطائها الثقة الكافية للتحكم بتصرفاتنا وعدم الانسياق وراء رغبات النسائم التي رغم حملها احيانا لاشياء جميلة او ايجابية ، الا انها تحمل ايضا بين ثناياها من يخرجنا عن السياق الذي نرغب ان نكون عليه.
ان ما ذكرناه من خطورة كبيرة تمثلها النسائم لا يعني ابدا انها عدوة لنا بالعكس كونها تمثل استمرارية الحياة الاختيارية للانسان والتي ميز الله تعالى هذا المخلوق لاجلها كونه مخيرا لا مسيرا ، اي بمعنى اكثر وضوحا ان التعلق بالآخرين والتأثر بهم والتأسي بسيرهم والاستفادة من تجاربهم عبر معايشتها روحيا من خلال الاحساس بالشيء لا لمسه ، ذلك كله يمثل القدرة الهائلة للانسان والتي جعلته الكيان الاقوى على الاطلاق وان فقدانها يحوله الى كائن ضعيف غير قادر على استشعار المخاطر من حوله بل انه غير قادر على الاحساس بتاتا ، وبالتالي فإنه سيكون كائنا بشريا حيا ، الا انه ميت واقعا لانه فاقد للاحساس ، ونرى ذلك واضحا لدى بعض المجرمين او الكافرين بشيء والذين مهما حاولنا اقناعهم بأمر ما ، نراهم غير قادرين على استيعاب اي نقاش حيث تملكتهم طاقات الشر وحولتهم الى أسرى تلعب بهم كيفما تشاء ، وهذا ما نحذر منه وندعو المؤمنين لعدم الوصول اليه ، وان ذلك ليس بالصعب بل انه ايسر من اليسير ويعتمد اساسا على الثقة بالنفس وبقدرة نسائمنا على تحدي الصعوبات والتغلب عليها مهما بلغت أشدها.