الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
الذي ينظر إلى الإسلام ذلك النظام المتكامل من كل الجوانب والاتجاهات وذات القرارات والتصريحات الكفيلة بحفظ النظام والحياة السعيدة للفرد والمجتمع ، ويعيش كل من المسلم وغيره في ظل الحكومة الإسلامية باطمئنان وأمان، ومن هذا المنطلق فإننا نتعجب عندما نشاهد بان هنالك فتاوى تصدر عن رجال دين وعلماء يُنادون بالإسلام وبأهميته ويدعون إلى حفظ نظام ولاية الفقهية وشرعية الحكومة الإسلامية في زمن الغيبة مع أعطائها كافة الصلاحيات, وهم مع ذلك يجيزون القتل على ابسط ذنب يرتكبه الفرد حتى وان كان الذنب ليست عقوبته القتل أو هو ليس بذنب بحكم عقيدة ومذهب مرتكبه، وأنا هنا لا أريد أن أتكلم عن الأشخاص الذين يظهرون على شاشات التلفاز أو مواقع الانترنت ويحرضون على الطائفية والقتل العشوائي فهذا القسم ليس من الفتوى, وإنما هو من التحريض على الإرهاب وهو مرفوض من كل الجهات الإسلامية والإنسانية والدولية ولكني أريد التحدث عن علماء دين كبار ومراجع للمسلمين وشخصيات بارزة ولها تاريخها من النضال والاستدلال في الفقه والأصول وغيرها من علوم الشريعة، كيف تصدر منهم ببساطة مثل هكذا فتاوى تجيز القتل الجماعي من دون تمحيص وتدقيق وشهود وإقرار وغير ذلك، وقد عودنا الفقهاء على قاعدة عامة وهي(الاحتياط في الدماء والفروج) مما يعسر على طالب هذين الاتجاهين من الحصول عليهما بسهولة, وما هذا التعسير إلا لخطورة مثل هكذا أمور.
ولو أتيحت الفرصة لكل من هب ودب في تطبيق القصاص والأخذ بها من دون مراعاة الحاكم الشرعي لحصل الفساد والدمار في كل مجتمع تحكمه مثل هكذا توجهات وأراء, أو ليس القرآن الكريم قد تكلم بخصوص القتل وإزهاق الروح في كتابه الكريم مبيّناً خطرة تلك المسألة قال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء92
وقال أيضاً {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }المائدة32
وقال أيضاً {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }الإسراء33
فالله تعالى يقول وان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن يعني يصف العدو رغم كونه في صفوف الأعداء بالمؤمن ويجعل الدية على قتله، فكيف بنا إذن ونحن نشرع للقتل الجماعي.
وهنالك الكثير من الروايات التي تتعامل مع القتل بحيطة وحذر فقد جاء عن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه واله انه وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع فقال: (أي يوم أعظم حرمة؟ فقالوا :هذا اليوم ، قال: فأي شهر أعظم حرمه؟ فقالوا: هذا الشهر، قال: فأي بلد أعظم حرمه؟ فقالوا: هذا البلد، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال : اللهم أشهد …) وسائل الشيعة ج10ص 195.
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (لا يدخل الجنة سافك دم، ولا شارب الخمر، ولا مشاء بنميم) وسائل الشيعة ج10ص 196.
وفيما أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام : (وعزتي يا موسى لو أن النفس التي قتلت أقرت لي طرفة عين أني لها خالق ورازق أذقتك طعم العذاب، وإنما عفوت عنك أمرها لأنها لم تقر لي طرفة عين أني لها خالق ورازق).
إذن فالقتل اخطر شيء يتعامل معه الفقيه لأن فيه من هتك الكرامات ما تزول منه الجبال الرواسي وتحبس السماء مائها عن الأرض، وربما قد تاب المذنب من ذنبه أو تراجع عنه أو أصر بداخله على عدم العود مرة أخرى، أفلا نفسح له مجال التوبة خصوصاً وان باب التوبة مفتوح للمذنبين وانقل لكم هذه القصة التي تحكي قصة رجل تائب (كَانَ هُنالك رَجُلٌ قتلَ تِسْعةً وتِسْعين نفْساً ، فسأَل عن أَعلَم أَهْلِ الأَرْضِ فدُلَّ على راهِبٍ ، فَأَتَاهُ فقال له : إِنَّي قَتَلتُ تِسعةً وتسعِينَ نَفْساً ، فَهلْ لَي مِنْ توْبَةٍ ؟ فقال : لا فقتلَهُ فأكمل بِهِ مِائةً ثمَّ سألَ عن أعلم أهلِ الأرضِ ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ فقال : إني قَتلتُ مائةَ نفسٍ فهلْ لَي مِنْ تَوْبةٍ ؟ فقالَ: نَعَمْ ومنْ يحُولُ بيْنَك وبيْنَ التوْبة ؟ فانْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كذا وكذا ، فإِنَّ بها أُنَاساً يعْبُدُونَ الله تعالى فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ ، ولا تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ ، فانطَلَق حتَّى إِذا وصل إلى نَصَف الطَّريق أَتَاهُ الْموْتُ فاختَصمتْ فيهِ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ وملائكةُ الْعَذابِ . فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمَةَ : جاءَ تائِباً مُقْبلا بِقلْبِهِ إِلى اللَّهِ تعالى ، وقالَتْ ملائكَةُ الْعذابِ : إِنَّهُ
لمْ يَعْمَلْ خيْراً قطُّ ، فأَتَاهُمْ مَلكٌ في صُورَةِ آدمي فجعلوهُ بيْنهُمْ أَي حكماً فقال قيسوا ما بَيْن الأَرْضَين فإِلَى أَيَّتهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأَرْضِ التي أَرَادَ فَقبَضْتهُ مَلائكَةُ الرَّحمةِ). فهلا كنا كملائكة الرحمة لكي يرحمنا الله تعالى….
فإننا نحتاج اليوم إلى إعادة النظر في الفتاوى التي تجيز القتل والتنكيل بالآخرين تحت ذرائع زائلة, ومدى مطابقتها مع النظام الإسلامي بصورة عامة ومع نظام الحقوق والحريات والتعايش وغيرها من الأحكام التي أصبحت اليوم من ضروريات أي مجتمع أو بلد, وهذا ما نلاحظه في فتاوى الفقهاء فإنهم عندما يصدّرون فتوى معينة تتيح لأيّ إنسان إن يقوم بالقصاص من الأخر بمجرد انه أساء أو شتم النبي صلى الله عليه واله أو الأئمة عليهم السلام فانه سوف تعم الفوضى في المجتمعات الإسلامية.
نعم ان هذا الفعل محرم وغير جائز ولا أشكال في أن صاحبه سوف يعاقب عقابا شديدا في الأخرى, ولكن عندما أجيز للآخر قتله فعندئذٍ سوف نقع بمشكلة خطيرة لأنه يفسح لنا هذا القول باب للقتل والتنكيل بالآخرين والفوضى في المجتمع تحت ذريعة سب النبي أو أهل البيت عليه السلام, فلو قتل شخصٌ شخصاً أخر كيف سوف نثبت بأنه قتله لأنه سب النبي بل ربما يكون على أمر أخر ولكن القاتل يدعي ذلك والفقيه قد اوجب عليه ان يقتله من دون مراجعة الحاكم الشرعي
هذا في التراث الشيعي وأما التراث الإسلامي للمذاهب الأخرى فحدث ولا حرج لأن ما يحدث اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وما يواجهه العالم بأسره من تنظيم إرهابي متطرف يقضي على جميع البشر بالقتل والتنكيل والسبي فانه نتاج المذاهب الإسلامية المتطرفة والجامدة في دينها ولا تقبل عملية إعادة النظر في نصوصها الدينية لذلك أنتجت لنا الإرهاب بكل صوره وأشكاله.