23 ديسمبر، 2024 7:45 ص

في مثل هذه الاوقات اوقات الصباح كان اهالي القرية يعيشون في سبات الليل لانهم كانوا يبدأون حياتهم مع شروق الشمس وينهونها مع الغروب..
قرية لا يتجاوز عدد منازلها اكثر من 30 منزل مشيدة من الطين ولا يوجد فيها اي طرقات معبدة ولا تعرف اي شيء من الحضارة المدنية.. قرية ليس بعيدة عن المدن الموجودة في منطقة جنوب الموصل ولكن القرى كانت اغلبها منسية بالنسبة للدولة…
الطرق الغير معبدة والتي تمر بأراضي صخرية ووديان تفيض فيها المياه في موسم الشتاء والربيع في ذلك الزمان كانت هي اكبر مشكلة في التباعد بين الناس فلم نعرف ان القرية التي تبعد ثلاث كيلومترات قريبة جدا لأننا لم نستطيع زيارتها ولم نعرف تفاصيل حياة سكانها الا بعد ان وصلنا الى مرحلة الشباب… كانت اغلب الطرق لا تستطيع ان تسير فيها بكل الاوقات… وحتى وسائط النقل التي كنا نملكها من الحيوانات كانت لا تعرف ان تسير في الطرق المعبدة وانما تعودت على طرق يصعب التنقل فيها احيانا.. الشارع الرئيسي يبعد حوالي كيلو متر واحد عن حدود القرية ولكنه يعتبر بعيد وصعب الوصول اليه ومخيف اثناء ظلام الليل لانعدام الرؤيا احيانا او ربما الخوف من الحيوانات البرية الموجودة في ذلك الزمان… كانت قريتنا الوحيدة التي لا يوجد فيها اي سيارة او وسيلة نقل..
واذكر ان اول وسيلة نقل دخلت الى القرية هي جرار زراعي او ما يسمى(( التركتر)) وهذا الجرار يستخدم لكل اعمال هذه القرية ابتداء من الامور التي تخص الزراعة واحيانا هو واسطة النقل لأهالي القرية الذين يذهبون به الى مركز الناحية التي تبعد عنا حوالي سبعة كيلومترات تقريبا والتي كانت في منظورنا بعيدة جداً…
ومع كل هذه الامور الحياتية المعقدة الا اننا كنا نشعر ان الصباح كان اجمل من صباح اليوم لأننا كنا نشم فيه الهواء النقي الذي لم تلوثه محركات المعدات او المواد الكيميائية المستخدمة في كل شيء في حياتنا اليوم….
كل صباح كان جميل في القريه واجمل صباح عندما تاتي الى اهلك وانت تحل عليهم ضيفاً في اجازتك العسكرية بعد عناء السفر وبعد فراق ربما دام اكثر من شهر واجمل شيء عندما تصل تلك القرية اوقات الفجر…
ما اجملها من لحظات وانت ترى منظر القرية في سبات تام لتصل اليها ومعك تصل الحياة بأكملها..
. ماضي جميل رغم شقاءه وفقره الكبير ولكنه مهما يكون فهو اجمل من حاضر توفرت فيه كل شيء يخدم الانسان الا انه اخذ معه راحة الفكر… لم نسمع في ذلك الوقت عن شيء يسمى الحاله النفسية ولم نسمع عن شيء اسمه التباعد الاجتماعي… فالجميع كانوا يعيشون تحت مظلة واحدة هي مظلة الفقر ومظلة المكافحة من اجل العيش في الحياة وبكل طريقة من اجل تحقيق العيش البسيط.. اختلفت كل شيء في موازين القوى لهذه الحياة فذهبت القرى بأكملها وتحولت الى مدن صغيرة تجد فيها كل شيء ولكنك لا تجد اي شيء من الماضي او دلالات تدل على انك تسكن في قرية….
تحول كل شيء بسرعة واصبحت الوسائل الحديثة تغزو كل مكان فغزت معالم القرية وحولتها الى مدينة صغيرة وحولت ركامها القديم الى ماضي مفقود يبحث عنه جيل الطيبين الذين لم يعرفوا طعمه الا مع رغيف الخبز فيشعرون بلذته بسبب الحرمان والعوز والفقر…
وصبحكم الله بالخير مع الانترنيت والگيگا والراوتر والقرية والصمون الحار….