19 ديسمبر، 2024 1:22 ص

ذكريات جميلة مع التسعة دنانير….

ذكريات جميلة مع التسعة دنانير….

يتذكر الانسان دوماً كل شيء جميل مر في حياته مازال مخزوناً في ذاكرته اسوةً بالأيام العجاف التي عاشها في احد لحظات الزمن رغم صعوباتها…
اليوم وانا اعيد شريط الذكريات الى عهد الطفولة والى سبعينات القرن الماضي بالتحديد وعلى ما اذكر كنت في حينها لم أتجاوز السنة العاشرة من عمري..
كانت قريتنا تبعد حوالي اكثر من كيلو متر عن نهر دجلة والذي يعتبر اجمل صديق قضينا معه لحظات ممتعة  وكنا في استراحة وحياة هانئة نعيش فيها على شواطئه الرملية هناك في قرية العين واصفية..
وكنا نقضي كل اوقات فراغنا مع مياه هذا النهر العذب سواء مع مجموعة من الاصدقاء او ربما احيانا تكون نزهتنا لهذا النهار فردية..
اتذكر جيدا وفي احد ليالي الصيف وبالتحديد في العطلة الصيفية للمدارس  ذهبت بمفردي الى النهر وكانت الساعة لا تتجاوز التاسعة صباحا وعند وصولي الى هناك وكالمعتاد الى منطقة تسمى الرملية وهي اجمل مصيف يعتبر لوكان موجود في يومنا هذا ولكن اندثرت كل معالمه بسبب وقوعه ضمن مشروع الطاقة الحرارية الموجودة حاليا في منطقة جنوب الموصل والتي سوف اتحدث عنها في موضوع تفصيلي آخر…
عند وصولي الى حافة النهر كانت هناك منطقة في النهر تسمى(( السورة)) ويا للمفاجأة وانا ارى الاسماك تطفوا على سطح النهر بسبب مرور صيادين الاسماك الذين يلقون صواعق لصيد الاسماك تسمى(( بنبة)) وهؤلاء كانوا من مدينة تكريت ويقومون بجولة نهرية من مدينة الموصل الى تكريت وبين منطقة واخرى يلقون هذه الصواعق في النهر ويأخذون معهم ما يظهر من الاسماك ويتركون الباقي كونه لم يطفوا على السطح في حينها…
قفزت الى النهر وانا اجمع السمك والفرحة في داخلي وسرعتي قبل ان يأتي أحد غيري يشاركني فيها واذا بسمكة كبيرة جدا وتسمى ((بز )) وما ان سحبتها الى الشاطئ والقيتها على ضفاف النهر بدأت بجمع الباقي من الاسماك وكان وفيرا جدا.. حملت معي السمكة الكبيرة وكان الشارع العام الذي يذهب الى العاصمة بغداد مرورا بنواحي واقضية جنوب الموصل يمر من قرب النهر..
كان قراري هو بيع السمكة الكبيرة رغم انني ما زلت لا اعرف التعامل بالنقود لأننا ابناء طبقات فقيرة جدا ولانملك من المال شيء.. وما ان وصلت الشارع حتى وقفت سيارتان كبيرتان من نوع شاحنات طويلة  كنا نسميهما النقل البري
فنزل السواق لشراء هذه السمكة وسألوني عن الثمن فأجبتهم بكلمة ((بكيفكم )) والحقيقة لأنني لم تمر هكذا حالة في حياتي فقاموا بإعطائي ورقة اتذكرها جيدا كما اتذكر اسمي مكتوب عليها خمسة دنانير فشكرتهم وعدت فورا الى الشاطئ لأجلب بقية الاسماك لان الامور اصبحت طيبة جدا…
قمت بنقل كل الاسماك الى حافة الشارع وكلما جاءت سيارة وقفت قربي وانا ابيعهم وبأثمان مختلفة حتى استطعت من جمع مبلغ تسعة دنانير تقريبا وهنا بدأت معاناتي بكيفية الحفاظ على هذا المبلغ الكبير في وقتها فقررت ان ادفنه في احد الاماكن الواقعة بين النهر والقرية وكلما احتاج لشيء اذهب واسحب قسم منه وخاصة عند ذهابنا للشراء من دكان القرية الوحيد والذي يعتبر اول من جلب المشروبات الغازية للقرية.. وبعدها قام احد ابناء القرى في جنوب الموصل بفتح مقهى او ما يسمى چايخانه على الشارع الجديد في المنطقة وكان افضل استراحة لنا ونحن نشرب الكي كولا وما نسميها الكوكا…
بالنسبة لمبلغ المال بقي معي مدة طويلة وانا اجمع أصدقائي ونذهب للشراء من الدكان مع العلم انني صرفت قسم منه على شراء حاجيات للبيت في مرة من المرات عندما ذهبت مع احد اقاربي الى ناحية حمام العليل التي تعتبر اكبر مركز تجاري في جنوب الموصل في حينها..
ولحد هذه اللحظة ورغم تعاملنا في التجارة والكثير من مفاصل الحياة العامة الا انه كانت اكبر ثروة واجمل لحظات هي تلك التسعة دنانير…

أحدث المقالات

أحدث المقالات