23 ديسمبر، 2024 2:20 م

ذكرياتي مع أياد الزاملي .. أقدار غامضة قادتنا نحو الكتب

ذكرياتي مع أياد الزاملي .. أقدار غامضة قادتنا نحو الكتب

بمناسبة إقامة معرض الكتاب الحالي ببغداد ، والذي من المؤسف عرضت قاعات المعرض عدد لمجلة أصدرها تنظيم تابع لإيران أجرت مقابلة مع القاتل عادل المهدي ونشرت صورته على غلافها بشكل إستفزازي مثير للإشمئزاز ، وقد حاولت المجلة تلميع صورة عبد المهدي وكأنه ضحية وليس قاتلا ، اما عادل عبد المهدي فقد أكد على أصالة عمالته لإيران وخيانته للعراق بقوله في المقابلة : ان العراق تربطه علاقة جيرة بإيران عمرها 5000 سنة ونسيّ أو تجاهل ان مصالح العراق أهم بكثير من التاريخ ورابطة الجيرة !

بدأت علاقتي مع الكتب منذ الصف الرابع الإبتدائي بشكل تلقائي ، علما عائلتي في البيت كلهم كانوا أميين ، وقد رافقتي هذه القصة الغريبة مع الكتب منذ خمسين عاما عندما كنت في محل والدي ولم أكن بعد قد دخلت المدرسة عثرت على كتاب قديم مهمل قلبت صفحاته وصوره ، ثم خبئته وقلت مع نفسي حينما أتعلم القراءة سأقرأه ، وبالفعل بعد دخول المدرسة وتعلمت القراءة رجعت للكتاب ووجدته عبارة عن مقرر مدرسي لمحو الأمية وأتذكر أحد المؤلفين له هو أحمد عبد الستار الجواري وزير التربية الأسبق ، وبما ان التأثير العائلي والإجتماعي معدوم هنا في زرع رغبة القراءة في نفسي .. مؤكد توجد شيفرات باطنية تتحكم بأقدارنا ومصيرنا بعيدا عن مقولات الأديان من وجود التسديد الإلهي .

بدأت في الصف الرابع الإبتدائي القرأءة وكنت قد دخلت المدرسة في عمر (12) سنة وكانت مدرسة مسائية إختصرت الصف الثاني والثالث في سنة دراسية واحدة مما يعني اني بدأت القراءة في عمر (15) عاما ، بدأت أقرأ جريدة الرياضة ولم يكن عندي المال الكافي لشرائها .. كنت أستأجرها من بائع الصحف بـ ( 10) فلوس وأجلس على الرصيف لقرأءتها ، ثم بعد تأثري بسماع قصة السندباد البحري كنت ألح على الوالد وأخذ منه ( درهم ) وأشتري قصص ألف ليلة وليلة المجزأة الى فصول من مكتبة كان صاحبها مهاجرا بحرينيا تقع قرب ضريح الأمام الحسين ، كنت لاأعرف العنوانين فقط أطلب قصص مثل (( السندباد البحري )) وكان صاحب المكتبة يترك عمله ويبحث لي عن القصص بين أكوام الكتب رغم قلة الربح الذي يحصل عليه من بيعها .. وكان لمنظر الكتب في تلك المكتبة سحر هائل عليّ.

في منتصف عقد الثمانيات إتفقنا ثلاثة أصدقاء أنا واياد الزاملي رئيس تحرير موقع كتابات الحالي وشخص ثالث للأسف باعدت السياسة بيني وبينه .. إنطلقنا من كربلاء الى بغداد وكأننا ذاهبين الى حفل عرس ، كنا في غاية الفرح والأمل للحصول على الكتب ، وبعد الوقوف في طابور طويل وتدافع دخلنا الى المعرض وكانت القاعة الأولى وضعت فيها كتب خطب صدام حسين فارغة ولم نكن نشاهد أحداً يقترب منها ، وكان ذلك الأمر اشعرنا بالشماته وكنا نردد (( كتب علوان مهمله )) كان الإسم الرمزي لصدام حسين بيننا هو ( علوان ) خوفا من الأجهزة الأمنية والحزبية.

في المعرض حصل تدافع على كتب دار الآداب اللبنانية وتحطمت الطاولات التي تعرض الكتب ، وبعد حوالي أكثر من (16 ) عاما في معرض الكتاب في دمشق – سوريا ، عندما عرفت الموظفة في دار الآداب أنا من العراق .. ذكرت بإعتزاز حادث التدافع ذاك وتحطم طاولات العرض كمؤشر على حب العراقيين للكتب ، وماحققته الدار من مبيعات وأرباح !

إنفصلت عن اياد والشخص الثالث في المعرض و تسمرت أمام إحدى البائعات للكتب وكانت عراقية مذهلة فيها مزيج من الجمال والجاذبية والأنوثة ، والشخصية الشعبية الحميمة التي تدخل القلب والروح ، بقيت مدة طويلة وأنا أقف مع الزحمة أتطلع اليها منتشياً بما تفيض به وتوحيه وترمز اليه ، ثم غادرت جناحها بحثا عن أياد الزاملي والشخص الثالث ، رأيتهما من بعيد والعرق يصتبب منهما وهما يحملان مجموعة من الكتب ، بينما كنت أحمل كتابا واحدا فقط كان عنوانه (( خُلق المرأة )) أياد ما أن شاهدني فارغ اليدين من الكتب حتى صرخ محتجاً (( ها .. معتمد علينا متشتري كتب )) وكان كلامه صحيحا ، فقد كان أياد بعد سنة (1983) الممول الوحيد لي بالكتب ، بالإضافة الى ترددي على المكتبة المركزية ببغداد مقابل وزارة الدفاع ، كنت حينها جنديا في الجيش وكان الوالد يجبرني على أخذ نصف راتبي ، والنصف الآخر الذي كان ( 50 ) دينار عراقي أغطي به مصروفات الطعام وأجور السفر من بغداد الى كربلاء وبالعكس وباقي الصرفيات الآخرى ، وكنت في حالة إفلاس دائم ولا أستطيع شراء الكتب إلا نادرا .

إصطحبت اياد والشخص الثالث الى جناح المرأة التي أعجبت بها لأخذ رأيهما فيها .. الشخص الثالث علق (( مثل دمك )) بمعنى أنها ترتبط معي بمشتركات مثل لون البشرة والهالة والروح وغيرها من الملامح ، كررت زيارة المعرض بمفردي لرؤية تلك المرأة ، وكانت من أجمل اللحظات الرومانسية التي عشتها.

حاليا مع توفر الكتب المجانية على النت ، وتراكم الخبرة ، وضعت شروطا صارمة للقراءة حفاظا على الوقت من الهدر .. لا أقرأ الكتب التي هي عبارة عن ( شرح وتلخيص ) لأفكار الآخرين ولاتحمل جديدا ، ولاأقرأ لكاتب أو أديب عمره يقل عن ( 50 ) سنة فالشباب من حيث الخبرة والثقافة لايضيفون جديدا ، وايضا لاأقرأ للببغاوات الأيديولوجية مثل : الإسلاميين و الشيوعيين والقوميين ، وفي مجال الكتابة الفكرية والسياسية لاأقرأ للكتاب العرب والشرقيين أو من سكان الدول الشيوعية سابقا لأنهم ليس لديهم مايستحق القراءة .

مؤسف جدا .. رغم مايتصف به الشعب العراقي من حب القراءة والثقافة عموما .. لكنه ظل مجتمعا عاجزا عن بلورة حياة مدنية ، وإشاعة الروح الوطنية ، وإنتاج نخب سياسية شريفة .. شعب سار عكس التطور التاريخي المفترض وتراجع الى أحضان رجل الدين والعشيرة ، وأصبحت سرقة المال العام والعمالة لدول الجوار وفي مقدمتها إيران عنوانا للحياة السياسية في العراق!