بقيت الله خير لكم أن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ – 86- سورة هود –
تتوالى مواسم الزيارة لمقامات ألآئمة ألآطهار عليهم السلام , وتتحرك كتل بشرية مليونية بصورة حشود يسميها علم ألآخلاق بالوفاء , ويسميها علم ألآجتماع بالتواصل , ويسميها علم السياسة بألآحتجاج .
وأذا أخذنا معاني ” الوفاء ” و ” التواصل ” و ” ألآحتجاج ” نرى كل منهما يؤسس لمفهوم أساسي في حياة الناس يعود عليهم بالنفع .
فالوفاء : هو خلاصة لقيم أخلاقية ذات جذور روحية , والجذور الروحية أمتداد لمرجعية السماء لاينافسها غيرها من المرجعيات الوضعية فهذه طارئة وألاولى أي مرجعية السماء أصيلة .
والتواصل : مظهر أجتماعي وحاضنة دائمة للتنمية البشرية وألاستقرار والتوازن المجتمعي من خلال المظاهر ألآقتصادية والنفع العام .
وألآحتجاج : مظهر سياسي وحراك عقائدي أسسته حركة ألآنبياء ” قل يا أيها الكافرون -1- لا أعبد ماتعبدون -2- سورة الكافرون – ” وأذ قال أبراهيم لآبيه وقومه أنني براء مما تعبدون 26- – ألآ الذي فطرني فأنه سيهدين -27- وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون -28- الزخرف –
ومن المناسب أن نلتفت الى معنى ” وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ” وأستظهارا للتسلسل التاريخي , فألآمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام هو من عقب رسول الله محمد بن عبدالله “ص” الذي هو من عقب نبي الله اسماعيل ابن رسول الله ابراهيم عليهما السلام , والجعل يشمل الكلمة وهي دعوة الحق ” قل هذه سبيلي أدعو الى الله …” مثلما يشمل السلالة المصطفاة ” أن الله أصطفى أدم ونوحا وأل أبراهيم وأل عمران على العالمين – 33- ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم -34- ال عمران – والذرية المصطفات هي من تلك السلالة المصطفات , وألامام الشهيد موسى الكاظم من تلك الذرية الصالحة ” قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين – 124- البقرة –
ومن الضروري أن نستحضر مفهوم ” بقيت الله خير لكم أن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ – 86- هود – التي أفتتحنا بها حديثنا هذا , لآننا سنجد ظهور لهذا المفهوم في سورة البقرة , قال تعالى ” وقال لهم نبيهم أن أية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك أل موسى وأل هارون تحمله الملائكة أن في ذلك لآية لكم أن كنتم مؤمنين – 248- البقرة – ونلاحظ هنا ان مفهوم ” بقيت الله ” في سورة هود , ومفهوم ” بقية مما ترك أل موسى وأل هارون في سورة البقرة مرتبط بحضور حالة ألآيمان ” أن كنتم مؤمنين ” وهذا ألآرتباط يقصد منه فتح الطريق للرجوع الى الحق , وهذا الحق مركزه ” الكلمة ” التي أختصرت كينونة الوجود ” كن فيكون ” فالكينونة والصيرورة حالات وجودية مملوكة لواجب الوجود وهو الله .
فالزيارة لمقامات ألآئمة من أهل البيت ألآطهار عليهم السلام يدفعها شوق معرفي مرتبط بمعنى ” لايمسه ألآ المطهرون ” المفسرة بأية ” ويطهركم تطهيرا ” والمس لغويا هو غير اللمس , فالمس هو المقاربة للمعنى وهو التأويل المفسر كذلك بأية ” لايعلم تأويله ألآ الله والراسخون في العلم ” من هذه المقاربة التفسيرية المعرفة للنصوص القرأنية التي يفسر بعضها بعضا كما هو منهج مدرسة أهل البيت عليهم السلام , ومن أعمدة هذه المدرسة هو ألآمام الشهيد موسى الكاظم سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين قال عنهم رسول الله “ص” لاتتقدموا عليهم فتهلكوا , ولا تتخلفوا عنهم فتندموا , وهم معلمون فلا تعلموهم ” وهذا هو معنى العلم اللدني الخاص بالمعصوم , فألآمام موسى الكاظم “ع” هو سجين بغداد لآنه قضى من عمره الشريف “14” عاما في سجن السندي أبن شاهك في زمن هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي يعتبر من أشهر خلفاء بني العباس وعددهم ” 34″ حكم بعضهم سنينا , وحكم بعضهم أشهرا , وبعضهم حكم أياما حتى وصل حكم بعضهم سويعات أو بعضا من نهار , وتقاتلوا بينهم , حتى قام بقتل أحدهم أمه ؟
فألآمام الكاظم “ع” هو من بقيت الله , وأرثه من بقية ماترك أهل البيت من أل الرسول “ص” الذين قال عنهم الشاعر الكميت رحمه الله :-
وطائفة قد أكفروني بحبهم .. وطائفة قالوا مسيئ ومذنب
بأي كتاب أم بأية سنة … ترى حبهم عارا علي وتحسب ؟
والآمام الكاظم “ع” من الراسخين في العلم ” والراسخون في العلم هم أولي ألآمر وهم أصحاب الولاية نصا ” أنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” .
وهو من المشمولين بمودة القربى لآنه منهم , ومن هنا تصبح زيارته مدفوعة بمفهوم المودة التي تستجمع الآقبال النفسي وألآندفاع الروحي والتوجيه العقائدي حيث يكون العقل قائد والعلم رائد , وكل ظاهرة أجتماعية تتوفر فيها هذه المعاني فهي باقية ومستمرة وعلينا تشجيعها لآنها البديل الصالح عن بقية الممارسات والفعاليات التي تظهر في المجتمع نتيجة الفراغ الروحي فتشيع فيهم الذبول وألانكماش كما حدث للآمم السابقة من الآنحراف , و تشيع فيهم الدمار والخراب كما يحدث اليوم على أيد الجماعات التكفيرية ألارهابية .
فالزيارة هي أستجمام روحي وسياحة معرفية رغم كل مايصاحبها من شوائب لايخلو منها ألآجتماع البشري المأزوم , وألآزمة ستظل تنغص حياة الناس مداموا بعيدين عن مرجعية السماء .