مشاكل العراق كدولة ومجتمع معروفة تماما،لا تجهد في تشخيصها ، نوع منها مشاكل خَلْقية منذ الولادة واخرى جراء الحوادث التي شهدتها البلاد بين مكونات المجتمع ، ونوع اخر لمشاكل خارجية مع دول وتحالفات وبقايا حروب يشكل العراق محورا جوهريا في تحركاتها ومآربها . لكن مايزعج في الموضوع ان عدم الجدية في حل المشاكل الداخلية خاصة المجتمعية وتراكمها واستغلالها ونمو اطراف الخلاف فيها الى مؤسسات وجماعات يجعل العراق للمرة الاولى مهددا في وجوده كدولة . كل نظام سياسي مدني عسكري ملكي جمهوري حَكَمَ فيه، ساهم بدرجة او باخرى في اخراج العراق من معادلة التاثير الدولي حتى جُّرد عمليا من هوية الدولة ، واصبح بحكم الارتهان للخارج وقيود القرارات الدولية وتبعيات شرائحة الداخلية الى دول وجهات متناقضة المواقف والاهداف كيانا إنْ حضر لايُعد وإن غاب لايفتقد . فالدولة كما تعلمنا تؤسس على عقد اجتماعي لتحقيق الأمن والسلام داخل المجتمع . مهما كانت تفصيلاتها واختلاف وجهات النظر بشان اشكال نظمها السياسية والاقتصادية من الفلاسفة اليونايين الاوائل الى مفكري القرن السادس عشر وما بعدهم، من عقد المِلكية المطلقة لتوماس هوبز الى سيادة الامّة والبرلمان حسب جون لوك او جان جاك روسو ثم ماركس وماوتسي تونغ وصولا الى معمر القذافي والامير سلمان والشيخ طحنون وخير الله طلفاح و كاطع الركابي ومحمود المشهداني وياسين مجيد وابراهيم الجعفري وخلف العليّان وعباس البياتي وعبد اللطيف هميم. جميع هؤلاء المنظرين لركائز نشوء الدولة وقوتها وطبيعة علاقتها مع رعاياها ستنهار نظرياتهم حين تتعفن المشاكل وتنتج اوراما اضافية في البلاد . وانهيار الدولة – باختصار- هو ارجاعها من العقد الاجتماعي بين مواطنيها والكيان الذي يحكمها الى مايسمى مرحلة الطبيعة الاولى او الحالة الاصلية التي هي فوضى وافتراس واكل الانسان لحم اخيه في ظل غياب القانون حسب توصيف “هوبز” ، العقد الاجتماعي ينظمها ويحتوي مخاطرها اذ يقوم على تنازل كل فرد عن بربريته وصلاحياته المطلقة وشراهته وانفلاته الاخلاقي والعنفي لكي يلتزم أمام الآخرين بالخضوع الى قانون الجماعة – الدولة ، ضمانا لامن الجميع من بعضهم ، ضمانا يوفر لهم البقاء ويساعدهم على البناء. يعني ، ان الجميع يعيش بامان حين تكون الدولة اقوى من الجميع .اما حين يكون الاشخاص اقوى من الدولة وتملك جماعات فيها اسلحة ولها علاقات دولية خاصة بها ، او ان يصبح كيان او جزء من الدولة اقوى منها ، فذلك ينذر بالخطر الخطر العظيم على شعبها وعلى وجودها ، بدون مركزية اقوى من الجميع تضيع الدولة ، والمركزية أشكال واصناف ، الدكتاتورية مركزية والعشيرة مركزية والدين مركزية لكن اكثر المركزيات تقدما وامنا وضبطا هي القانون والقوة التي تقيمه وتفرضه دون تمييز. وكل المركزيات السالفة غير القانون تحولها بفضل النزاع والاحتراب بين ابنائها الى ذكرى دولة .