تحذيرات نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، إسرائيل من استعمال أجواء بلاده، وتلويحه بالرد على “أيّ انتهاك للمجال الجوي العراقي في حال نفّذت تهديداتها بضرب إيران وسورية”، مجرد فقاعة تشبه عهوده بعودة الكهرباء الوطنية الى بيوت العراقيين بعد غياب دام لأكثر من عقد كامل.
الشهرستاني الذي يشير بكل قوته الى ان “إسرائيل إذا أقدمت على خطوة ضرب إيران وسوريا فإنها ستتحّمل العواقب من دولة العراق”، مازال مؤمنا بمبدأ “الصراخ للقضية موقفا”، بالرغم من ان ناتج ذلك يحوله الى “ظاهرة صوتية” تمسخه في الواقع الى كائن مهزوم يخشى ان يرافقه ظله الاقرب اليه دائما، فيتحدث الرجل وهو بصفة “عالم ذرة”، عن موقف لا تدرسه دول منتجة للسلاح كروسيا وغير مستوردة له مثل العراق، ويواصل الادعاء بضجيج عن أمجاد وانتصار خطابي حتى يذهب الى ان يحسب ما قاله قد فعله على الأرض، و أنه لم يبق شيئا عظيما لم يفعله كي يفعله في ظل دولة ينقصها الكيان ويجمعها المذهب، حتى يجبرنا على التندر من تصريحاته التي مرت من قبل بسلسلة مواعيد ذهبية أطلقها بعظمة لسانه لأجل “تحسين جودة الكهرباء وعدم انقطاعها وتصديرها للبلدان المجاورة”، إلا أنها غير متوفرة بسبب نمو الفساد وحصانة الفاسدين .
الشهرستاني الذي قال عنه موقع “وكيبيديا”، انه حاصل على شهادة البكالوريوس في “الهندسة الكيميائية” عام “1965م”، والماجستير في هندسة المفاعلات عام “1967م”، ومن ثم الدكتوراه في الهندسة الكيميائية، كيف يكلف بالمسؤوليات الكبرى ومقداره لا يتعدى تصريح غير محسوب و”فطير” للغاية، بعد مسيرة حافلة بادلاءاته حول الطاقة الكهربائية التي لا يمتلك عنها اي تصور حقيقي عن الاشواط المتبقية في انتاجها وتوزيعها، او البت في علاقة العراق مع عملاق نفطي مثل اكسون موبيل التي احتلت المركز الأول في الارباح الصافية لشركات النفط في 2008 بقيمة بلغت حوالي 37 مليار دولار .
مواقف العراق لم يعد لها قيمة في المنطقة بسبب تذبذبها مع أصالتها العربية، حين خسر قادته المعارضون في السابق، الحاكمون في الحاضر، فرصة اندماج بلادهم بالعالم العربي الذي كان ينتظر منهم ضمانات من سلطتهم التي يؤخذ عنها انها تتبنى المواقف ضدهم وفق أيدولوجيات مذهبية، إلا أن المعارضة الحاكمة وحدت رؤيتها في الحكم والسيطرة على سلطة فقدتها لأكثر من 35 عاما، ووضعت معيار المؤيد لنفوذ “شيعيتها” الأقرب لها في السياسة الخارجية، فانتدبت إيران صديقة ودودة بالرغم من وهنها اتجاه قضيتها النووية التي خلفت عداء اوروبيا وعربيا لسلطتها، اذ ان طهران التي تفقد حلول الأزمة مع أعدائها استطاعت ان تقنع السلطة العراقية على إمكانية دعمها الى مديات غير منتهية، بالرغم من انها غير قادرة على تخفيف حزمة العقوبات التي تواجهها اقتصاديا من امريكا واوروبا..!
تحذير الحكومة العراقية لإسرائيل غير جاد ولا يؤدي الى نتائج تذكر على ارض الواقع، لأنه يهدد مصالحها مع اصدقاء تل أبيب، واي موقف بخصوص ذلك سيعتبر تهورا من دولة مراهقة، تشتهي عزلة توازي عزلة طهران ودمشق، فستبقى تتحدث عن أجواء عراقية محرمة لضرب ايران، وتكشف باستمرار عن عدم تهاونها مع من يهدد السلم الايراني السوري، وتذهب أحيانا الى التغاضي عن تزايد نفوذ المسلحين “الشيعة”، الذين يقاتلون الى جانب نظام الأسد ضد معارضيه، كل ذلك يحدث في ظل مصالح أمريكية لا تزال موجودة في بغداد ولها صفقات في مجال إعادة الكهرباء والتسليح لم تكتمل ملامحها الى الان وهو ما ينبغي ان تفكر به سلطة المالكي قبل التسرع بنكران جميل الولايات المتحدة.
موقف الحكومة العراقية يندرج ضمن مساندة غير مؤثرة لطهران ولا تضيف لأمنها القومي شيئا يذكر، ولان فاقد الشيء لا يعطيه، فالنية الإسرائيلية بضرب إيران اذا ما حصلت فان إسقاط طلعاتها الجوية بـ “كلاشنكوف” سيصبح من المعجزات البوذية، بينما سيتلاشى الاصرار على مواجهة البارجة “ساعر 5” في ظل وجود جندي “فضائي” يخصص نصف رابته الشهري لإقناع قيادته العسكرية بالجلوس مع اهله بعيدا عن اداء واجبه الامني، ومن ثم كيف تفكر بغداد بصياغة موقف عسكري ضد ضرب مصالح ايران وسوريا، وهي الى الان لم تحسم نهاية هزائمها امام مسلحي القاعدة والميليشيات الذين يصولون في الشوارع امام مرأى الشرطة والجيش ويقتلون مواطنيها على الهوية بسيطرات وهمية مدعومة بأسلحة كاتمة للصوت.
اسرائيل لن تتعثر بموقف عراقي او بلد عربي، اذا أرادت تلغي ايران، وستتعامل مع موقف الشهرستاني على انه موقف مهمل لا يستدعي أي إجابة منها، لان ذلك يؤدي الى احراق عامل الوقت امام أولوية الدفاع عن امنها الجغرافي الممتد عبر المنطقة .
يبقى امام الحكومة شيء اساسي يجب ان تفكر به في المرحلة الراهنة، وهو الاعتراف بانها غير جاهزة لمعارك خارجية، وان النأي بالنفس من حماقة الدول المجاورة يخدمها في توفير جهود تخلصها من محنتها الداخلية، ويوفر لها عوامل مساعدة للتخلص من عبء حديث “الممانعة” بجيش لا يمتلك عقيدة وطنية اكثر مما يمتلكه من انصياع للطائفة، ولان محنة المنطقة لا تستوعب حلولا من دول مستقرة ومتكاملة لا يوازيها وضع العراق بآلاف المرات، فالجهاد الاكبر للسلطة العراقية هو بأمن مواطنيها قبل امن الجيران .