23 ديسمبر، 2024 9:40 ص

ذبابة هَزت مبادئي..!

ذبابة هَزت مبادئي..!

لم تكن المبادئ معروفة لديَ، حينَ كنت طفلاً صغيراً، لكنهُ سبحانه ألهمني حُبَ خلقِهِ، إحترامهم تقديرَهم، ومساعدَتهم أقصى ما أستطيع، عندما كبرت، أصبحت تلكَ الفضائل دستورٌ يسيرني، أينما خَطتْ بي قدماي.
أحدِ تلكَ الثوابتْ التي لازمتني، إحترامُ المُحتاجين والمُعوزين ومساعدتهم، بحيث أُفضلُ ركوبَ سيارات “التكسي” القديمة، التي يقودُها بسطاء الناس مساعدةً لهُم، على غَيرها من السياراتِ الحديثة، وذاتَ يومٍ؛ كنتُ على موعدٍ مهم، ولبستُ أَجودَ ما لديَ من ملابس رسمية.
صعدتُ في أحدى تلكَ السَيارات المُتهالكة، فأَخذتْ تنعر؛ وتسير ببطء، والترابُ يتسربُ من ثقوبها السفلية باتجاه عينيَ وأنفي، ليَعلوَ هامتي، ويتداخلُ في سترتي الأنيقة، وطارت الذبابات الموزعة على الفراش ِالعفن، الذي يغطي مقاعدَ السيارة، فأخذ َ الذبابُ يُداهمني من كل ِ حدبٍ وصوب.
بينما كنتُ مشغولاً بِورطتي، دخلت إِحداها فمي، أَثناءَ إحدى شهقاتِ الاستغاثة الغير مسموعة مني، حينَها تَعالى صوتَ سُعالي وكُحتي، وأخذتُ أَرشفُ أنفاسي والفظها، وأراقب بقيةَ أفرادِ المستعمرة، حتى لا تهاجمني أخرى، فتحتُ شباكَ السيارة، الذي مانَع في بداية الأمر، لكني أخذتهُ عُنوةً، حتى سمعتُ طقطقةَ زجاج الباب الأمامي.
لَفظتُها خارجا، وتفلتُ بقاياها عدة مرات، داخل منديلي الذي أخرجتهُ من جيبي، التفتُ لصاحبي الذي توقعتُ أنْ يتعاطفَ معي في شدتي، إلا إنني دُهشتُ؛ حينما رأيته متجاهلاً كلَ ما حصلَ لي، لائذاً بنفسهِ، واضعاً نصفَ سبابتهُ داخلَ أنفه الكبير، ويدُورها كملعقةٍ بيد جائع، يَضعُها داخلَ قارورة، ليخرجَ منها ما يسدُ رَمقه.
 شعرتُ بألمٍ شديد؛ يعتصرني، وغضبتُ بداخلي كثيراً على الرجل، تارةً أفركُ يدي، وأخرى أسقطها على فخذي، فأخذت ألومُ نفسي وأُعنفها، على ركوبي هذهِ السيارة المتهرئة، وصاحِبُها الجحود، ثم حاولتُ تهدئتها، وتمالكَ مشاعرَ غضبي، حتى لا تتسربُ خارجَ حدودي.
تذكرتُ قصةَ الملك الذي قتلتهُ البَقة، وقولُ الإمام علي علية السلام واصفاً البشر، فهو أي “البشر” تَقتلهُ شَرقة وتُنتنهُ عرقة، ، وأخيراً لما وصلت مُرادي، ابتسمت بوجهِ السائق رُغماً عني، وأعطيتهُ أجرتهُ، وشَكرتُه، فحمدت الله وأثنيت عليه، وعدتُ على ما تَبقى لديَ من ثوابت.