جبالُ الدّخول وحومل في مِنطَقة عالية نجد بشِبهِ جَزيرَة العَرَب، جبل الصّاقب ارتبط بمُعَلَّقة الشّاعِر الجّاهليّ الضِّلّيل امرؤ القيس على جدار الكعبة، يبكي الأطلال مُخاطِبَاً صاحبيه:
قِفا نَبكِ مِنْ ذِكرى حَبيبٍ ومَنزلِ * بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْمَلِ.
في ريف دِمَشق الشّام بين ضَريح السَّيِّدَة زينب والجَّبل السُّوري المّعتَدِل صَيفَاً بارداً شِتاءً، بلدتا (قارة والنّبك)، ذكرهما الشّاعِر:
وَلَمّا سَقتني في الهَجير رضابها * تذكّرتُ أنّي بين قارة والنّبك!.
جِئتُ صَيفاً ولَون الثَّلج يغمرُني!.
رَأَتْ شَغَفِي عِنْدَ ارْتِشَافِ رِضَابِهَا * وتقبيلها الشّافي لِما في الأضالِعِ
فَقَالَتْ تُرَى ماذا الَّذي كُنْتَ قانِعاً * بِهِ مِنْ هَوَانَا قُلْتُ مَقلوبَ قانعِ؟= (عِناق)!.
عِناقُ حنايا الأضالِعِ عِندَ مُتحَف الآثار المَعبَدِ الدَّير؛
ناقوسُ القلبِ يدقُّ لَهُ * وحَنايا الأضلُعِ مَعبَدُهُ!.
مُساءَلَة ذاكِرَة الأثر:
أأنتَ مِنْ وَصْل لـيلى حبل مَردودِ * أمْ مِنْ ورود رضابٍ فاح مَورودِ؟
أمْ مِن نسيمٍ سرَتْ باللَّيل نفحتُهُ * أمْ مِن ترنُّمِ ورقـاءٍ عـلى عـودِ؟
أمْ مِنْ شميمك فوحًا ليل زاهيةٍ * أمْ مِنْ أغاريدِها بنغمة العُودِ؟
، أستحضر الأمير الأسير الشّاعِر الشّيعيّ الحَلَبيّ أبا فِراس الحَمَدانيّ، أقولُ وقد ناحَتْ فباحَت فاستراحَت بقُربي.. واستغفرُ اللهَ ليْ ولَكُم!.
ينعتون سعدي يوسُفَ ضِمْنَاً أو ظُلْمَاً، بالطّائِفي، وهوَ الشّاعِر الَّذي ينعَت نفسه بالشُّيوعي الأخير!.. وضَعَتهُ اُمُّهُ المَرحومَة الحاجَّة حَفصَة أُمّ يعقوب، صَديقَة جَدَّتي الَّتي تختلِف عنها في المَذهب، وضَعَتهُ اُمُّهُ جَنوبي البصرَة ثغر العِراق الباسِم بسِعَة الخليج المنفتِح على العالَم المُختلِف، وضَعَتهُ في عام مولِد حزبه الشُّيوعي العِراقي 1934م، ولاسم حَفصَة دَلالَة مَذهبيَّة لَدى الموروث العِراقي، دَلالَة مُختلِفة عن اسم ابن سعدي يوسُفَ، وحيدَه فقيدَه حيدَر دفين ضريح السَّيِّدَة زينب!.
سعدي يوسُفَ يقول (زيارةُ ريتشارد Richard’s Visit): أمس، نهاراً، زارني في منزلي بالضاحية اللندنية، صديقٌ بريطانيٌّ، إنجليزيٌّ أباً عن جَـدٍّ؛ لا هنديّ، ولا عـربيّ مثلي، ولا جامايكيّ.. إلخ. والأمرُ عجَبٌ حقاً. إذ ليس من عادة الناس، هنا، التزاور في البيوت، أساساً. أمّا أن يزور إنجليزيٌّ شابّاً، في حوالي الثلاثين لم أكن التقيتُه من قبلُ كان اتّصلَ هاتفياً، قبل أسبوع، يطلب الزيارة، جاء في العاشرة والنصف صباحاً! بسيارته الفورد، ذات الدفع الرباعيّ، من أسِكْس Essex، يزور شخصاً عربياً غريباً، وفي بيته بالضاحية، فهو العجبُ العُجاب!، Essex، غير القريبة ، إلى مقامي الخرافيّ، بيتِ الشاعر، في قرية هَيرفِيلد Harefield حيث المستشـفى الشـهير للـسَير (الآن) مـجدي يعقوب، عبقريّ طبّ القلب، القادمِ من مصر العظيمة. قال لي: أتدري لِـمَ جئتُكَ؟ لقد قرأتُ كتاباً عنك باللغة الإنجليزية، لا بدّ أن الكتاب لديك. سعدي يوسف بين الوطن والمنفى، لمؤلفه يائير حوري. The Poetry of Saadi Yusuf between homeland and exile, by Yair Huri. قال لي: ما رأيُكَ بهذه العبارات التي وردت على غلاف الكتاب؟، أجبتُه: هذا رأيٌ وهناك آراءُ تختلف عنه. هناك مَن يرى أنني لم أكنْ شاعراً يوماً ما. قال: إذاً، ماذا كنتَ في رأيهم؟. أجبتُ: ثورياً، يريد أن يغيِّـر العالَمَ، تحت الراية الحمراء!. قال: لكنّ الصلة قائمةٌ جداً بين الشعر وتغيير العالم.. في شعرنا الإنجليزي، تُعتبَر فترة الثلاثينيات، العصرَ الذهبي، لأن جيل أودِن العظيم ارتبط بفكرة التغيير، ارتبط بحلم اليسار النقيّ. شعراء ذلك الجيل ذهبوا إلى إسبانيا يقاتلون مع الجمهوريين. قلتُ: كلامُك صحيحٌ تماماً، يا ريتشارد، وبخاصة عن جيل أودِن، وراية اليسار التي لم يرفضها إلاّ كاثوليكيٌّ واحدٌ اسمُهُ ت.س. إليوت. كان يحبّ فرانكو لأن الجنرال كاثوليكيٌّ مثله!. كأن الجنوب اللبناني ليس على الخارطة. وكأن مَدارجَ الطائرات الأميركية التي ظلّت تقتل أبناء العراق لم تكن تعرف الخليج منطلَقاً. والحَقُّ أن شعر أصحابنا الآن هو أضعفُ الشعر، لكنك لا تملك منبراً تعلِن منه ذلك..