كانت صغيرة جدا قد لا تبلغ الحلم وانأ احزم أمتعتي في سيارتي الخاصة التي عادة ما أتنقل بها بين جبهات القتال كصحفي حر عاهد الله إن يقتفي اثر المقاتلين من إبطال الحشد والقوات الأمنية إن ما حلوا وحققوا نصرا مبينا..
قالت عمو أذاهب أنت اليوم لجبهات القتال ؟؟ قلت نعم يا صغيرتي وقد مر على ذاكرتي مع التفاتتي لها شريط حياة أبيها الجار الطيب الذي نال الشهادة قبل أشهر..!
كان لهم بيت صغير في أخر الحي الذي اسكنه, سقفه” سقفه من الصفيح الساخن (جينكو) وجدرانه من البلوك له عدة أبواب متفرقة تغطى ( بالبطاطين) البالية.. كل شيء في ذلك البيت يدعوك للوقوف وكأن اثر البؤس مرسوم على كل أوجه ذلك المكان, ثلاثة أطفال كما يصفهم قوله ( ولذكر مثل حظ الانثيين) ورابعهم أمهم التي كانت مع كل صرخة الم تطلقها على فقد زوجها تفقد شيء من ملامحها حتى باتت كأنها صورة لشبح يتنقل بين ذلك البيت البائس ومقبرة وادي السلام..
كان طريق ذهابي وعودتي من العمل قريب منهم, في كل مرة كنت اسمع صوت يديها وهي تقرع خاصرتيها بيديها من شدة اللطم حتى كنت أقول مع نفسي ستفقد هذه المرأة جزء منها إن بقيت على هذا الحال, وفعلا تحققت نبؤتي فقد فقدت عدة فقرات من عمودها الفقري وصارت تعاني من السكر المزمن والضغط المرتفع ليل نهار..
قلت لها نعم يا صغيرتي إنا ذاهب إلى هناك!! فرفعت يدها الصغيرة الترفه وقالت يا عمو هذه المبلغ أرسلته أمي وتقول ل كان تعطيه للمقاتلين هناك أو تشتري به شيء لهم, قلت لك يا حبيبتي لكنكم وفيتم بدم أبيكم ارجعي المبلغ لها وانأ سأدفع نيابة عنكم جزأكم الله خير الجزاء, قالت لا وقد تساقط الدمع من عينيها , أنها وصية أبي فقد أوصانا إذا استشهد ونال شرفها فعندما نستلم أول راتب تقاعدي نرسل جزء منه لمقاتلي أحبته من إبطال الحشد المقدس كل شهر,, بكيت كثيرا وقلت لها يا حبيبتي دماء أبيك فخر لنا وثباتكم عقيدة بكم انتصرنا ..
كانت تحمل يدها الأخرى ( بطانية) قلت لها بشرط يا حبيبتي..
قالت ما هو؟؟ قلت
إن ترجعي معك هذه ( البطانية)
أرجوك اسمع مني.. في ليلة من ليالي الشتاء الباردة. ونحن نلوذ بأحضانه من شدة البرد.. اخبرنا الشهيد والدي إن له إخوة هناك يلتحفون السماء ويفترشون الأرض..
انكسر قلبي من تلك الليلة على إخوة أبي وبكيت حتى الصباح.. ومرت الأيام والليالي وأصبحنا يتامى.. واليوم قررت بعد إن اتفقت مع أختي الأصغر مني سناً إن نتشارك إنا وهي ( بلحاف واحد ) ونعطي هذه ( البطانية) لاؤلئك الأبطال الذين يدافعون عنا بأرواحهم الطاهرة.. فأرجوك لا تحرمني فرصة المشاركة في الجهاد لا تحرمني منها..
حبيبتي لكن الجهاد كفائي وقد اسقط عن الأطفال ولم يكن عليكم به تكليف شرعي او وطني..
تحسرت. تنهدت. ومسحت بعض دموعها وقالت.. كيف سقط عنا التكليف يا عّم وها إنا امسح دموعي بكلنا يدي.. لو كان أبي موجود إلا يمد يديه ويمسحها عني؟؟ يا عّم هذه الحرب حرب وجود ما اسقط التكليف عن احد منا..
ما يصبرنا على آلامنا ودموعنا وحرماننا من أبانا وانحناء ظهر أمنا.. مشاركتنا معكم في الجهاد..
يا عّم لو تسمع أنين إخوتي اليتامى حين يمر ذكر والدي الشهيد على مسامعهم.. لو ترى الحزن الذي خيم على كل مفاصل أيامنا. لو ترانا ؟؟ بلا أب..!! لأدركت إننا أكثر منكم مشاركة في الجهاد وأعظم اجر.. يا عّم لا أريد إطالة وقوفك على الباب. ولكن إن ذهبت إلى هناك لي طلب أخير.. قولي يا حبيبتي..
هناك إبطال كانوا إخوة لأبي.. أنهم عمومتي قبلهم من جباههم وأخبرهم إننا أمانة في أعناقهم وأننا بقايا من دم ذلك الشهيد الذي سبقهم إلى الخلد والشهادة..!