19 ديسمبر، 2024 1:04 ص

ذاكرة طويريج .. إمتداد أم ؟

ذاكرة طويريج .. إمتداد أم ؟

تنقسم طوريج الى صوبين والفاصل هو نهر الفرات ( الهندية ) أحدهما يدعى بالصوب الصغير والاخر يدعى بالكبير، الكبير يضم مقرات الحكومات المتعاقبة  والصغير يضم سكناهم ، ومع مرو الايام بات الصوب الكبير صغيرا والصغير بات كبيراً فأمتد العمران ليشمل الصوب الصغير دون غيره ، وإعتاد الناس في مدينة طويريج (قضاء الهندية) على تسمية سكان الصوب الكبير ( بأهل الولاية) والاخرين بالبراوية أو ( …..!) وأنا منهم ، لكن سكني في الصوب الصغير وأصولي  من براوية الصوب الكبير وهذه بحد ذاتها تُعد مرتبة من المراتب المعتبرة في المدينة ، عمر هذه المدينة ليس بالكبير إذ إن عمرها  لايتجاوز المئتي سنة ، ففي زمن سليمان القانوني بنيت هذه المدينة وهناك روايات كثيرة حول كيفية نشأتها وأصول سكانها، وقبل أن اذهب الى مشكلات طويريج دعوني اتحدث لكم شيئاً عن تاريخها ، فقد تميزت هذه المدينة بأنها كانت في الصدارة على مختلف الاصعدة ، ومَن سكن أو عرف هذه المدينة لاينكر ذلك بل أن المنصفين من سكانها يقولون إن لهذه المدينة دوراً فاعلاً على مختلف الانشطة السياسية والاجتماعية فعلى حد علمي أن تاريخ طويريج لايخلو يوم من ايامها من حدث كعنوان تتلاقفه وسائل الاعلام المختلفة.
  وفي هذه المدينة بزغ نجم الفنان سعدي الحلي بغنائه الذي سلب أفئدة الكثير من الناس ولعله المطرب الوحيد الذي غادر المثل القائل ( مغني الحي لايُطرب) فقد أطرب العشرات من ابناء طوريج ،وهناك الفنان محمد جواد أموري وعدنان هادي ويقال أيضا أن الفنان بدري حسون فريد من تلك النخبة  التي أنجبتها المدينة الصغيرة وقبل سنوات بزغ اسم الفنان السيد البحراني الذي صمم كأس الخليج الاخيرة وقبلهم الفنان والطبيب علاء بشير الذي كان طبيباً لطاغية العصر وغيرهم من الشخصيات الكبيرة ومن أجمل الاشياء كان الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد مدرساً في اعداديتها الوحيدة ناهيك عن العشرات من الشخصيات الاجتماعية التي ولدت وترعرعت في هذه المدينة الرائعة التي يشطرها نهر الفرات الى صوبين.
وفي الجانب الديني كانت هناك شخصيات كبيرة سكنت هذه المدينة منها والد سماحة المرجع محمد اليعقوبي ووالد جلال الدين الصغير وعائلة الخضري وسماحة الشيخ فاضل المالكي قريب رئيس الوزراء وايضا العائلة الدينية الادبية المعروفة سلالة  كاشف الغطاء وعائلة القزويني وغيرها من العوائل التي لاتسعفني الذاكرة لكي أسطر اسمائها في هذه المقال .
أما في الجانب السياسي فكانت هذه المدينة تعج بالعشرات من المتصدين فعلى سبيل المثال كان جد رئيس الوزراء الحالي وزيرا للمعارف  وكان غانم الشمران نائبا وحين حكم البعث كان سعدون حمادي من هذه المدينة ايضا وهو أحد الاشخاص الذين جاؤوا بالبعث الى العراق  وكانت لاتخلو حكومة من حكومات البعث مالم يكن فيها ثلاثة الى اربعة من أشخاصها من هنا سواء على مستوى الوزارات أو القيادات البعثية الكبيرة ومن يريد أن يتحقق فعليه أن يراجع التاريخ القريب .
 مشكلة طوريج الاولى والبارزة والتي تنعكس دائما على مدير البلدية  ومدير الشرطة دوما ، فلم اتذكر ان مديرا في هذه المدينة خلد في مقامه اكثر من ثلاثة اشهر وكان ذلك يعود الى الخلافات السائدة بين مسؤولي الصوب الكبير والصغير فإذا ماعرف أن مدير البلدية يجامل مسؤولي الصوب الكبير فإنه وباليوم الثاني يكون متهما بإحدى التهم الجاهزة وإذا جامل مدير الشرطة مسؤولي الصوب الصغير فإن ابواب جهنم تفتح عليه وقد شذ عن هذه القاعدة البعض ولمدة قصيرة وبعدها يتم عزله أو سجنه أو يفلت بريشه.
ومن حسنات هذه المدينة انك لايمكن ان تصنف هذه المدينة  الى انتماء معين، فقد لاينسى أهل المدينة كيف أن الخيم  تنصب والخراف تذبح بمناسبة ميلاد الضرورة حتى أن الخيم تمتد من طول المدينة الى عرضها وفي الجانب الاخر اتذكر وفاة الشيخ محمد الطرفي رحمه الله كيف أن ابناء الهندية خرجوا عن بكرة ابيهم  لتشييعه ما حدى بالسلطات أن تأخذ النعش من مشيعيه لتقوم هي  بدفنه وتعتقل مجموعة من الشباب على الرغم من أن سماحته قلما يسلم من ألسنة بعضهم (أقصد أهل طويريج) كانت تربطني به علاقة طيبة وكنت أشعر بالسعادة إذا طلب مني توصيله  في سيارتي لأداء بعض  مشاويره ومازلت اتواصل مع خليفته  أبو شيماء .
ولم ينتهِ الامر الى هذا الحد فقد تميزت هذه المدينة بخدمة زوار ابي عبدالله فليس لك أن تستثني منها اي عائلة من خدمة الزوار إلا ماندر،وإذا أردت أن تعد الذين اعدمهم النظام لاسباب سياسية فيمكن أن تسجل خمسمائة شهيد واذا اردت أن تحصي عدد المنتمين الى الحزب الشيوعي فإن حاسبتك  قد يصيبها الاعياء قبل أن تحصي أعدادهم .واتذكر ذات يوم وبعد سقوط النظام كنا في إدارة أحد الاجتماعات في المدينة وكان من بين الحضور رجل سبق وأن بعث برسالة موقعة بالدم الى صدام وكانت أمامي وثيقة تؤشر ذلك والملفت للنظر انه كان من أشد المتحمسين للنظام الجديد والتغير الديمقراطي فطلبت منه أن يقترب من المنصة لأسأله عن هوية الشخص الذي في الصورة فقال إن الله يحب الساترين  وإكراماً  لما قال فقد سلمته هذه الوثيقة التي كنت احتفظ بها.
أما المشكلة الثالثة التي تنتظرنا نحن الطبقة الوسطى الذين يمكن أن ينطبق عليهم المثل الشعبي ( لاحضت برجيلها ولا خذت سيد علي) فقد يأتي اليوم الذي ينعتوننا فيه بأعوان النظام أو حاشية الملك وعلى سبيل المثال  قبل اسابيع كنت في لقاء جمعني مع عدد من الاصدقاء في إحدى الاماسي البغدادية  وكان هناك تجمع بينهم كاتب المقال مرتدياً بدلة جديدة  فبدأ الهمس والايماء يطوف على أني من العائلة الحاكمة.
فأنبرت الحناجر تمتدح تارة بالحاح أبا اسراء وتارة بدولة رئيس الوزراء وتارة بأهل طويريج الطيبين المخلصين المبشرين بالجنة والموعودين بقصور في الدينا والاخرة اوغيرها من الالقاب وفي الواقع حسدت نفسي على رأي الناس في أهل مدينتي ، لكن المفاجأة كانت حينما ذهبت للمغاسل وكنت في داخل إحدى غرفها سمعت اشخاصاً يسبوننا ويشتموننا بما لذت وطابت اللهجات الدارجة بمفرداتها الثرة فمثلا يقولون إن طويريج اصبحت تضاهي دبي في البناء وأنهم اصبحوا تجار العراق وأن شوارع المدينة من أجمل الشوارع في العراق وأنهم طواغيت  وان ايامهم قليلة فلم يبق لهم  إلا سنوات معدودة ووو…  .
  خرجتُ من حيث أنا لاغادر اصدقائي خلسة صوب بيتي لكني نسيت أن اقول شيئين الاول أن سيارتي تستحق الغسل وتبديل إطاراتها كلما ذهبت الى طويريج والثاني يقال إن السيد وزير الدفاع الاسرائيلي من طويريج، إلا انه كان من سكان الصوب الكبير ،أما نحن اصحاب الطبقة الوسطى فينطبق علينا المثل الشعبي (لاحضت برجيلها ولاخذت سيد علي).  كتبت هذا المقال ردا على مقال ( إبن طوريج) للكاتب عبد الجبار الياسري .