22 ديسمبر، 2024 6:46 م

ذاكرة بصراوي/ شناشيل النهر

ذاكرة بصراوي/ شناشيل النهر

نهر الخندق، جزء منه يفصل بين منطقتين في العشار. بين منطقة التميمية من جهة. ومن جهة اخرى بقية المناطق، وعليه جسر، هو جسر “الخندك” ..
حديثنا، من جهة التميمية، في الستينات..
حيث البيوت القديمة، وخاصة تلك التي تقع قريبا من النهر. منها بيت الحاجة “ام عبود” …
“الحجية” ترك لها والدها بيت كبير، اكثر الف متر، طابقين، مبني من الطابوق والجص والخشب فقط (عكادة)..وتطل شبابيكه على النهر. بطريقة الشناشيل المعمارية..
تسكن في الطابق الاسفل، واجرت الطابق الثاني، فيه اربع غرف كبيرة، لا تقل مساحة الغرفة عن 70 متر، مع رفوف “رازونات”..
جوار البيت، تقف باصات خشب، جوار الجسر. تشتغل على خط “العشار/الحيانية”.. الحجم الكبير من الباصات يسموه “باص عمارة”….
صباحا، خرجت “ام عبود” تشتري خبز.. لكنها تاخرت اكثر من المعتاد، غالبا يذهب عبود لشراء الخبز، ويعود سريعا..
لكن العمة تطوعت اليوم لشراء الخبز، لان ابنها دخل الحمام.. هي جهزت بيض وطماطة (قلي)..
قالت: عبود يتاخر.. ازرك اجيب صمون واجي… لا يبرد الاكل..
بعد تاخير وقلق، رجعت العمة وهي تحمل كيس ورقي (كاغد) وفيه صمون..
سالتها العائلة: ها..حجية
.. تاخرتي..
شعجب..
قالت ام عبود بتردد:
شفت المخبز فارغ، عنده خبز، بس محد يشتري منه..
وشفت الناس لازمه سره على ابو الصمون..
استحيت اشتري خبز..
وكفت عل صمون.. مثل الوادم …!!!
🔘 الطيبة والانسانية مائز فريد في مجتمعنا، ولا غبار في ذلك.. حتى المجاملة والحياء في تعاملات ذلك الجيل، هي محل احترام وفخر للعراقيين.. وخاصة في جنوبنا المفعم بالنقاء والشفافية.. ويفترض ان نحافظ على جذور المجتمع ومنظمة القيم، دون ان نسحق شخصية الفرد او نلغي خصوصية المواطن.
🔘 ان المجاملة او الرياء ،كان غالبا، موجود، حتى في العقيدةاو السلوك..
اعتقد ان هذه السلبية، علتها تربوية..وهذا يخل بالعدالة او بالموضوعية..وبمستقبل المجتمع..لانه يقمع الابداع..
🔘 ام عبود لم تشتري الخبز، لان المخبز يكون في الصباح فارغا من الزبائن، بينما يزدحم الناس على فرن الصمون…
يبدو انها شعرت بالحياء لانها تخالف الاتجاه العام، دون ان تعرف حقها في شراء الخبز، فالحق معها، اذا اشترت الخبز، بل سيكون موقفا طيبا تجاه صاحب المخبز.
🔘 اعتقد ان السلوك (المشاعي) ، يصح في موارد حفظ النظام العام والسلم الاهلي.. وله ايجابيات.. ولا يفترض ان نسمح بكسره، بما قد يخل بقيم المجتمع والمصالح العليا. لكن لا يصح ان نفرضه، بدون مبرر، وبدون مصلحة عليا تقتضيه.. على انفسنا او الاخرين..
🔘 فرض الذوق العام او المشهور في قضايا التعليم والفن والهندسة والدين، ليس صحيحا..لانه يسبب جمود وصنمية، ويمنع الابداع…
🔘 مثلا في التعليم، لماذا لا نترك خيارا للطالب، دون ان نعطيه مجالا للاهتمام بما يحب من دروس، ونخفف عليه في دروس اخرى، لا تناسب اهتماماته وقابلياته..
هل من المنطقي ان نفرض عليه قائمة مملة من الدروس، وبعد ذلك يلتحق بكلية التربية الرياضية..
او بالعكس، نفرض عليه درس الرياضة او التاريخ ..ثم يلتحق بكلية الهندسة…
🔘 انا اعرف شخصيا طلبة خسروا مستقبلهم في الثانوية، بسبب درس واحد..وكان درسا لا مبرر له، اصلا، هل هذا منطقي..
،🔘 لذلك يفترض ان نراعي حق الفرد، ونحسن به الظن، ما دام لم ياتي بما يضر المجتمع… اما ان نضغط على العائلة او المجتمع، او الطالب، لنعمل نسخ متكررة، من الشائع والمشهوروالمعتاد.. فهذا يخالف واقع البشرية، التي يموت اجيالها، السابقة، ليولد اجيال جديدة، تكمل مسيرة التكامل والتطور..