5 مارس، 2024 10:50 ص
Search
Close this search box.

ذات القبعة الحمراء (ليلى والذئب)

Facebook
Twitter
LinkedIn

إن حكاية “ذات القبعة الحمراء ” هي بالحقيقية لا يمكن أن ندرجها ضمن حكايات الأطفال القائمة على التسلية والترفيه فحسب ,بل يمكن ان نعتبرها موجهة الى عقول الكبار (رغم أنها في الظاهر تبدو الحكاية تخاطب عقول الأطفال ), ومن هنا تلعب اللغة الرمزية دوراً مهماً في هذه الحكاية فإذا ما فسرناها انطلاقاً من اللغة الرمزية سنجد بأنها مثال مناسب على آراء فرويد أو نموذج لموضوع الصراع الأبوي –الأمومي أو الصراع بين الرجل والمرأة بتعبير أدق والذي لمسناه على سبيل المثال في ثلاثية “أوديب”, و”أسطورة التكوين” البابلية وغيرها كثير .
وتنص الحكاية على ما يلي :
” كان في قديم الزمان فتاة صغيرة حلوة أحبت كل إنسان نظر إليها مجرد نظر , على أن أكثر من أحبتهم كانت جدتها التي لم تعرف أي شيء كان عليها أن تهبه للطفلة . وذات مرة أهدتها قبعة من المخمل الأحمر , ولما أن هذه القبعة ناسبتها تماماً صارت تلبسها دائماً سيمت “بذات القبعة الحمراء ” . وذات يوم قالت لها أمها : ” تعالي يا ذات القبعة الحمراء , هذه قطعة من الكعك وزجاجة نبيذ , خذيهما الى جدتك, فهي مريضة وواهنة القوى , وستنتعش بهما . انطلقي قبل أن يشتد الحر . وإذا خرجتي فامشي بأدب ولاتحيدي عن الطريق وإلا سقطت وكسرت الزجاجة ,ولن تحصل الجدة على شيء . وإذا دخلت غرفتها فلا تنسي أن تحيي تحية الصباح ولا تجوسي بعينيك في أرجاء الغرفة “.
قالت ذات القبعة الحمراء لأمها :” سأقوم بكل شيء على أحسن وجه “.
وصافحتها مؤكدة وعدها . أما الجدة فكانت تسكن في الغابة على مسافة نصف ساعة من القرية . وحين وصلت ذات القبعة الحمراء الى الغابة التقاها الذئب .
لكن ذات القبعة الحمراء لم تعرف أي صنف من أصناف الحيوانات الشريرة كان هذا الحيوان ولم تخف منه . قال الذئب :” صباح الخير يا ذات القبعة الحمراء ” . ” شكراً جزيلاً يا ذئب ” . ” إلى أين في مثل هذه الساعة المبكرة , يا ذات القبعة الحمراء ؟”- ” إلى الجدة”- ” وماذا تحملين تحت المئزر ؟” – ” كعكة ونبيذاً , أمس عملنا كعكة , ولا بأس أن ترفه جدتي المريضة عن نفسها قليلاً وتقوي نفسها بذلك ” . ” وأين تسكن جدتك , يا ذات القبعة الحمراء ؟”.
قالت ذات القبعة الحمراء : ” على بعد ربع ساعة من هنا , في الغابة , تحت شجرات البلوط الثلاث , هناك بيتها , وتحت يوجد سياج الجوز , ولاشك أنك تعرف هذا “.
قال الذئب في ذات نفسه :” هذه الطفلة الصغيرة الناعمة , إنها لقمة سائغة وستكون أكثر مستساغاً من العجوز , وما عليك إلا أن تبدأ في دهاء ومكر لكي تفترسهما كلتيهما ” . ومشى قليلاً الى جانب ذات القبعة الحمراء ثم قال :” يا ذات القبعة الحمراء , انظري الى هذه الزهور الجميلة من حولك , ولماذا لا تجيلين النظر فيما حولك ؟ أظن أنك لا تسمعين أبداً كيف تغني الطيور غناًءً لطيفاً؟ تسيرين وحدك وكأنك سائرة الى المدرسة , وكل شيء في الغابة سار ومفرح ” .
وفتحت ذات القبعة الحمراء عينيها . ولما رأت أشعة الشمس وهي تتراقص بين الأشجار وكل شيء يحفل بالزهور الجميلة خطر ببالها :” ماذا لو أحضرت لجدتي باقة زهور نضرة , فستفرح بها . والوقت مبكر جداً والنهار لا يزال في أوله وسأصل في الوقت المناسب “.
وتركت الطريق وجرت إلى الغابة بحثاً عن الزهور . وكلما قطفت زهرة ظنت أن هنالك زهوراً أجمل وجرت وراءها وتوغلت في الغابة . أما الذئب فقد سار على فوره إلى بيت الجدة ودق الباب .
” من في الخارج ؟” – ” ذات القبعة الحمراء التي أحضرت لك الكعكة والنبيذ , افتحي ” . صاحت الجدة : ” ما عليك إلا أن تضغطي على الاكرة فقط فقواي واهية ولا استطيع النهوض ” . وضغط الذئب على الاكرة وانفتح الباب , ومن دون أن ينطق بكلمة مشى مباشرة إلى سرير الجدة وابتلعها . ثم لبس ثيابها ووضع قلنسوتها على رأسه وتمدد في سريرها وأنزل الستائر . أما ذات القبعة الحمراء فقد راحت تبحث عن الزهور . ولما جمعت الكثير منها بحيث لم تستطع أن تحمل المزيد خطرت الجدة ببالها مرة أخرى . ومضت إليها . واستغربت جداً وفكرت : ” يا إلهي , كم ساورني الخوف في هذا اليوم , وكم يطيب لي أن أكون عند الجدة ! ”
وصاحت :” صباح الخير ” لكنها لم تتلق جواباً . وهنا توجهت إلى السرير وأرجعت الستائر : واذا الجدة استلقت وأغرقت وجهها بالقلنسوة وبدت غريبة . ” يا سلام يا جدتي , كم عيناك كبيرتان !” –” لكي أراك بهما على نحو أفضل “- يا سلام يا جدتي , كم يداك كبيرتان “- ” لكي أستطيع أن أمسك بك على نحو أفضل “.
” ولكن يا جدتي , كم فمك كبير !” – ” ولكي أستطيع أن ألتهمك على نحو أفضل “.
وما تفوه الذئب بهذا حتى قفز من السرير والتهم المسكينة ذات القبعة الحمراء .
ولما كان الذئب أشبع رغباته عاود الاستلقاء في الفراش ونام ,وأخذ يشخر شخيراً عالياً . وفي تلك اللحظة مر الصياد بالبيت . وقال في نفسه :” يا لشخير المرأة العجوز , عليك أن ترى ما إذا كان بها سوء “. وعندئذ دخل الغرفة . ولما تقدم من السرير رأى أن الذئب كان فيه . قال :” أهنا أجدك أيها الآثم , لقد بحثت عنك طويلاً”.
وهنا أراد أن يصوب بندقيته , فخطر بباله أن الذئب قد يكون افترس الجدة وقد يسعه انقاذها . فلم يطلق النار , بل تناول مقصاً وراح يشق بطن الذئب النائم . وما إن فتح البطن قليلاً حتى رأى ذات القبعة الحمراء تتألق ثم تابع الشق , عندها قفزت الفتاة وصاحت :” يا للخوف الذي خفته , كم كان المكان مظلماً في بطن الذئب ! ” كما أن العجوز خرجت حية وأوشكت أن تختنق . على أن ذات القبعة الحمراء أسرعت وأحضرت حجارة كبيرة لتملأ بها بطن الذئب . ولما استيقظ الذئب أراد أن يقفز عالياً , على أن الحجارة كانت ثقيلة جداً بحيث أنه تهالك إلى الأرض وسقط ميتاً.
وهنا ابتهج الثلاثة . وسلخ الصياد جلد الذئب , وعاد به إلى البيت , وأكلت الجدة الكعكة و شربت النبيذ الذي كانت ذات القبعة الحمراء أحضرته وتماثلت للشفاء . أما ذات القبعة الحمراء فقد قالت في ذات نفسها :” لن تغادري الطريق وحدك طوال حياتك وتخرجي إلى الغابة إذا ما منعتك أمك عن ذلك”
وهنا انتهت القصة وتفسير رمزيتها يكمن في إن ” القبعة الحمراء ” رمز للحيض .وإن الفتاة الصغيرة التي نسمع عن مغامراتها أصبحت امرأة ناضجة وترى نفسها الآن وهي تواجه حياتها الجنسية .
فالتحذير الأول ” ألا تتحول عن الطريق أو تحيد عنه ” و ” ألا تسكر الزجاجة ” إنذار واضح بمخاطر الجنس وفقدان البكارة .
ويثير منظر الفتاة شهوة الذئب الجنسية ويحاول أن يغريها بأن يقول لها :” أنظري إلى هذه الزهور الجميلة التي تحيط بك , لماذا لا تنظرين فيما حولك ؟ أظن أنك لا تسمعين أبداً كيف تغني الطيور الغناء اللطيف ؟ ” “وتفتح عينيها ” ذات القبعة الحمراء , فهي تمتثل لنصيحة الذئب “و تتوغل في أعماق الغابة” . وهنا تصطنع وسيلة عملية نفعية مميزة : فلكي تقتنع هي بأنها لا تجافي الصواب تقول لنفسها إن الجدة ستفرح بالزهور التي قد تجلبها لها .
على أن هذا الخروج من درب الفضيلة المستقيم يعاقب عليه العقاب الشديد . فالذئب يتزيا بزي الجدة ويلتهم ذات القبعة الحمراء البريئة . وحين يشبع نهمه ينام .
وإلى ذلك الحد يبدو أن الحكاية لا تتناول إلا الموضوع الواحد الذي يعبر عن مسألة أخلاقية وهو خطر الحياة الجنسية . على أنه موضوع بالغ التعقيد . فأي دور للرجل في ذلك ؟ وكيف يتم تصوير الحياة الجنسية ؟.
فالرجل يظهر في صورة حيوان ماكر غير مكترث , ويتم تصوير الفعل الجنسي بأنه عمل حيواني وحشي يلتهم فيه الرجل المرأة . فالنساء اللواتي يحببن الرجال وينبسطن بالنشاط الجنسي لا يشاطرن هذا الرأي . فهو تعبير عن عداء دفين للرجال والنشاط الجنسي . على أن الحقد على الرجال والتحيز ضدهم يبرزان في نهاية الحكايات على نحو واضح . فهنا أيضاً , كما في أسطورة التكوين البابلية , يجب أن نتذكر أن تفوق المرأة ينحصر في أنها تستطيع أن تنجب أطفالاً . وكيف يتعرض الذئب للهزء والسخرية ؟ بأن يوصف وهو يحاول أن يقوم بدور امرأة حامل في بطنها أحياء . وتضع ذات القبعة الحمراء في بطنه حجارة هي في الحقيقة رمز للعقم . ويخر الذئب وينفق . وتبعاً لقانون القصاص القديم يطبق على فعلته ما يطبق على الجريمة : فالحجارة هي رمز العقم تميته . وبهذا يتعرض تطاوله لأن يقوم بدور المرأة الحامل للهزء والسخرية .
وهذه الحكاية التي شخصياتها نساء ينتمين إلى أجيال ثلاثة (والصياد هو في النهاية شخصية الأب التقليدية التي ليس لها وزن حقيقي ) تتناول الصراع بين الرجل والمرأة . أنها قصة انتصار نساء يكرهن رجالاً وتنتهي بانتصارهن . ونستطيع أن نصفها بأنها النقيض التام لإسطورة أوديب التي يبرز فيها الرجل ظافراً.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب