اللعبة أو المسرحية المهزلة ، أو غياب الوعي ، أو التآمر والمسيرة بأجندة مرتبة سلفاً ، جميع الاحتمالات واردة ، والأذكياء والمتبحرين بخفايا المؤامرات ، والمتتبعين لمسيرة السياسات الدولية الحديثة منذ نشأتها الجديدة واللذين قرئوا التأريخ جيداً ، هم وحدهم من يرصدون عين الحقيقية .
أما في مجتمعنا الناس منقسمة بين قلة مثقفة وواعية لما يجري ، ولكنها لا تمتلك سلطة بالسياسة أو المال لأنها مُغيبة بقصد معروف ، وكثرة بسيطة ولا أريد أن أسميها ( جاهلة ) حتى لا نزعج البعض من المستفيدين من غياب عقولهم ، وأخرى تقف وتمسك العصى من الوسط ، لأنها صاحبة اللعبة ، ومنتجة للمشاهد المتوالية ، وتدفع باتجاهات واضحة يقف ورائها أجندات لتقسيم العراق بأي ثمن ، ومنافع مادية كبيرة يلهثون للتحكم بقراراتها ، وهذه الثلة المنحرفة هي التي تتحمل وزر النتائج ولكنها ليست هي الضحية بنهاية المطاف بل الشعب والوطن ، فتحاول فبركة التأريخ بقصد وأحياناً عن جهل ونقص بالمعلومات ، أضحكني ما سرده أحد الكتاب وهو يدافع عن ما يسمى ( إقليم البصرة ) حينما يوجه نصيحته لمشجعيه ، بعدم المطالبة للتشبه بما يسمى ( إقليم الأكراد !! ) لأنه يدعي جاهلاً أو عارفاً متقصداً بفبركة الحقيقة وتزوير التأريخ حينما يقول ( إن الأكراد قد ظلمتهم اتفاقية سيكس بيكو ) حينما قسموا ( بلاد الأكراد وتم توزيعها بين العراق وتركيا وسوريا وإيران ) يبدو أن هذا الشخص لا يفهم بالتأريخ شيء أو أنه يفهم ويعلم ولكنه يبرر لقوله وفعله كي يغش الناس .
يا سيدي إن الأكراد لا يمتلكون شبراً واحداً بمنطقة تواجدهم الحالية ، لأنهم ليسوا أصحاب الأرض أصلاً ولم يكونوا متواجدين فيها إلا بعد احتلال هولاكو لبغداد حينما جاء بهم ، وكان يستخدم رجالهم كحمالين وعتالين جلبهم معه من القوقاز ، نتيجة لما يمتلكونه من بنية جسدية قوية ، وجاء معه بنسائهم للرقص والأنس ، وهذه حقيقة يعرفها جميع المؤرخين ، وحينما كُسر هولاكو وقرر الانسحاب ، وجد الأكراد عبئاً على جيشه ويتطلب منه إطعامهم ورعايتهم حتى العودة للديار ، فوجد من الأفضل أن يتخلى عنهم ، وتركهم بالمناطق الجبلية في المنطقة الممتدة من ديار بكر العربية وسط ما يسمى بتركيا الجديدة حالياً وحتى أطراف أرض قبيلة تغلب العربية التي تتوزع من شمال تكريت وحتى حدود بلاد فارس ، وبعد سيطرة الدولة العثمانية على منطقة الشرق الأوسط وجزيرة العرب وشمال أفريقيا وانكسارها فيما بعد على يد الاحتلال البريطاني للمنطقة تم التوافق على احتفاظ الدولة العثمانية
لديار بكر وميناء الأسكندرونة السوري ، ولا وجود لدولة خاصة بالأكراد ولكنهم كانوا يحلمون بإقامة دويلة لهم فأسسوا سنة 1936 دويلة سميت بدولة ( مها باد ) لم تستمر إلا لفترة يومين فقط ، وهذا ما دفع الأكراد عبر التأريخ ومن أجل تحقيق هذا الحلم أن يتعاهدوا ليشكلون حلفاً إستراتيجياً قوياً سريا مع الكيان الصهيوني منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن لأجل تحقيق الحلم خاصة وأنهم يشتركون بمبادئ متشابهه وواحدة وهي سرقة أراضي الغير وبناء كيان مغتصب على حساب الآخرين .
إن فكرة دس ما يسمى ( الفيدرالية ) بنص الدستور الجديد هو لا يرقى إلا لأجل أن يكون حجر الأساس لتحقيق الحلم الكردي الذي سرعان ما توسع واليوم نشاهد ونعيش كيف تجرأ الأكراد لسرقة كركوك وأراضي بسهل نينوى وشمال صلاح الدين وأراضي في محافظة ديالى من أجل السيطرة على منابع ومكامن النفط ، وكل ذلك يجري بتنسيق وإشراف الموساد الإسرائيلي .
وإن اللذين يدعون إلى تأسيس الأقاليم أنما يرتكبون حماقة عظيمة ، لأنهم يؤسسون لتقسيم العراق وتشتيت هويته ، وقد بدأ المشروع بتقسيم الشعب العراقي إلى طوائف وأحزاب طائفية أنتجت لنا حكومات طائفية متتالية ، لا يجرؤ أحدهم على إيقاف هذا المد ، وما يجري بالعراق لا يفرح إلا أعدائه والكارهين له ، من هم دعاة إقليم البصرة من السياسيين ؟؟ فتشوا بتأريخهم جيداً ، ستجدونهم من السراُق أو المرتبطين بأجندات خارجية ، ومثال على ذلك ، أن تجد القاضي وائل عبد اللطيف وهو كان محكوماً بقضية رشوة قبضها من مهربين للمخدرات في محكمة تحقيق السماوة في عقد التسعينات وأهالي السماوة شاهدين على جريمته ، يتحول بعد الاحتلال إلى مناضل يطالب بإقليم للبصرة مدعوماً من جهات كويتية حاقدة على العراق ووحدته ، وآخرين مثله لو قلبنا بصفحاتهم لوجدناها سوداء كالحة ، يطالبون بتأسيس هذا الإقليم وأنفسهم من حكم محافظة البصرة خلال السنوات الماضية بعنوان أعضاء ومسئولين بمجلس المحافظة ، ولم يفعلوا غير الرزايا والسرقات ، فكيف يأتمن الشعب العراقي بالبصرة على إعطائهم صلاحيات أعظم مما كانت لديهم ؟ فهل يُلدغ المؤمن من جحر مرتين ؟
إن خريطة بايدن لتقسيم وتفتيت الشرق الأوسط هي برنامج العمل الذي يسير عليه هؤلاء الدعاة ، ولكنهم أنفسهم لا يحاولون أن يكلفون أنفسهم لينظروا لتجارب الدول المتقدمة حاليا ، والتي تسعى للتوحد الجغرافي والاقتصادي والأمني من أجل مواجهة التحديات ، وتجربة الاتحاد الأوربي هي الأبرز والأفضل على المستوى العالمي من حيث تقدم الأجرائات ، والولايات المتحدة هي عنصر مشجع ومناصر
وطرف رئيسي بحلف شمال الأطلسي ، وتجربة دول البريكس التي تقودها روسيا ، وتجربة دول آسيان الأسوية التي تحاول تجميع صفوفها لمواجهة الخطر الامبريالي الأمريكي الذي يتمتع بتجربة الفدرالية الأمريكية لأكثر من خمسون ولاية ، تخضع لعلم واحد ، وشعار جمهوري واحد ، ورئيس واحد ووزارات واحدة ، ولكن هذه التجربة التي تخطف الأنظار لا يقوم الأمريكان بنسخها بالعراق ، بل يقدمون بدستورنا تجربة خرافية لا أساس أو مبادئ لها ، تجربة مبعثرة ، تؤدي بشعبنا ووطننا إلى التناحر والاختلاف والتقسيم .
لو كان دعاة الأقاليم مخلصين حقاً من أجل المواطنين وتوفير الرفاهية والاطمئنان عليهم أن يقدمون دعوة لمؤتمر عام يتم مناقشة تأسيس فيدرالية حقيقية تؤدي لوحدة الأرض وجمع الصفوف ، وأن تتوفر صلاحيات لا مركزية للمحافظات ، وتظل مقومات قوة العراق بما يتعلق بوزارة الدفاع والداخلية والثروات بيد المركز حتى تصان هيبة البلاد وثرواته ، ولا تتحول لأداة يستخدمها صبيان السياسة واللصوص الجدد.
دعوة مخلصة لأهلنا وشعبنا العراقي الجريح بالتوقف والتصدي لمحاولات تأسيس الأقاليم المشبوهة لأنها طريقنا للتهلكة والضياع وما فعله وتفعله عصابات البرزاني هي خير دليل واقعي وقريب .