18 ديسمبر، 2024 11:04 ص

ديون مصر ..قضية شائكة

ديون مصر ..قضية شائكة

بين المصريين وقضايا الديون تاريخ طويل من الأزمات والمحن .. ولا توجد فى تاريخ مصر الحديث فترات لم تكن الديون فيها عامل ضغط على كل جوانب الحياة فيها .. وفى الأيام الأخيرة بدأ الحديث عن المخاطر التى وصل اليها الدين العام, ولعل هذا ما جعل الرئيس عبد الفتاح السيسى يحذر الحكومة وكل مؤسسات الدولة من التوسع فى سياسة الاقتراض سواء ما يتعلق بالدين الخارجى او الدين المحلى .. والرئيس من هذا المنطلق يدرك حجم المخاطر التى يمكن ان يتعرض لها الاقتصاد المصرى امام ضخامة حجم الديون ومستقبل الأجيال القادمة.

> قلت ان لنا تاريخا طويلا مع قضية الديون فلقد بددها البعض وشيد بها البعض الآخر منجزات باقية, ومازلنا نذكر للخديوى إسماعيل انجازات ضخمة رغم أن ديون مصر فى عهده لم تتجاوز 30 مليون جنيه وصلت مع فوائدها الى 97 مليون جنيه وقد أقام بها مشروعات كبيرة مازالت من شواهد عصره .. نحن الآن أمام أرقام مزعجة سواء ما يتعلق بالدين المحلى وما نقرأ عنه من ارقام متضاربة هناك من يقول انها وصلت إلى 3٫4 تريليون جنيه بينما هناك رقم آخر انها 3٫8 تريليون جنيه, أما الدين الخارجى فقد وصل إلى 67٫3 مليار دولار وهذه الأرقام تعنى ان على كل مواطن مصرى 40 ألف جنيه دينا محليا و692 دولارا دينا خارجيا.. ان الرقم الأخطر ان خدمة الدين أى فوائده وصلت إلى 300 مليار جنيه سنويا بمعنى آخر ان الفوائد اليومية على هذه الديون تقترب من 900 مليون جنيه كل يوم .

لابد أن نعترف بأن الأرقام كبيرة والأعباء ضخمة خاصة حين يعلن د.محمد معيط نائب وزير المالية ان مصر اقترضت 2 تريليون جنيه فى 8 سنوات..

ان الرئيس يحذر ولكن سياسة الاقتراض مازالت حتى الآن تسيطر على القرار الحكومى نحن أمام ودائع لعدد من الحكومات من اهمها السعودية والإمارات والكويت .. وهناك 20 مليار دولار قروضا من المؤسسات الدولية بالإضافة إلى 12 مليار دولار هى اتفاقية مصر مع صندوق النقد الدولى وتصرف لنا على دفعات وهناك ايضا اذون الخزانة.

ان الخطورة فى قضية الديون انها تحمل مخاطر كثيرة إذا لم تتحول إلى مصادر للإنتاج فى الصناعة والزراعة والسياحة بحيث تغطى فوائدها واقساطها وتضيف موارد لميزانية الدولة .. ان القروض لا تفيد كثيرا إذا لم تشجع على انتاج صناعى متطور وانتاج زراعى يغطى احتياجاتنا ويصدر الى الخارج وتتحول الى عبء كبير إذا دخلت سراديب ميزانية تضيع كل مواردها فى المرتبات والأجور والمعاشات والدعم والإنفاق الحكومى الرهيب من هنا فإن قضية الديون تحتاج الى وقفة عاقلة قبل ان تحملنا الى مخاطر اكبر.

> لا اعتقد ان ما وصل اليه حجم الدين يمكن ان يتسع اكثر من ذلك والقضية تتطلب حسما من الحكومة بالتوقف تماما عن اى اقتراض جديد فى الفترة القادمة, خاصة ان هذا الحجم من الديون لم يحقق النتائج المطلوبة فى زيادة الإنتاج, ان الحكومة تدرك ذلك خاصة انها مازالت حتى الآن تفرض أعباء جديدة على المواطنين فى زيادة الأسعار رغم كل ما حصلت عليه من القروض .

> يوجد فى البنوك المصرية اكثر من 3 تريليونات جنيه فى صورة ودائع بنكية ولم تتحول هذه الأموال حتى الآن الى انتاج وعماله وسلع ودخل ومشروعات انها فقط مجرد ودائع مالية او صكوك او مال مجمد ولا اتصور ان يكون حجم الإنتاج فى مصر فى كل المجالات بهذه الصورة السيئة سواء فى توفير السلع او فرص التصدير او فى خفض حجم الواردات, ان دولة لديها سيولة تتمثل فى أكثر من 6 تريليونات جنيه عاجزة عن توفير احتياجاتها من السلع الغذائية من الطعام او توفير فرص عمل لأكثر من 13 مليون شاب يجولون الشوارع أو حتى التخلص من القمامة فى الشوارع .. ماذا تفعل البنوك بكل هذه الأرصدة والأموال المجمدة فى خزائنها وماذا فعلت الحكومة بهذه الديون وقبل هذا كله مازال الإنفاق الحكومى فى أسوأ حالاته وكأننا دولة غنية امام مواكب السيارات والحفلات والسفريات فى كواليس الوزارات.

> ان الغريب فى الأمر رغم هذه الأرقام الضخمة فى الديون وودائع البنوك إلا ان الحكومة مازالت تركز كل نشاطها على جمع المزيد من الأموال فى تجارة الأراضى وقد توسعت فيها كثيرا كل الوزارات ولم يعد بيع وتجارة الأراضى مقصورا على وزارة الإسكان لأن الزراعة تبيع والأوقاف تبيع والمحافظات والمحليات تبيع والاستثمار ايضا تبيع فأين كل هذه الأموال التى لا يقابلها عمل او انتاج هل يعقل أن تكتفى الحكومة بالاقتراض وبيع الأراضى حتى انها فكرت اخيرا فى بيع الجنسية المصرية ببضع دولارات .. أن الأموال إذا لم تتحول الى مشروعات وسلع وانتاج وعمالة تبقى صكوكا على ورق.. ورغم كل هذه الإجراءات بيعا وشراء فمازال قانون الاستثمار قابعا فى مجلس الشعب وقد تعثر كثيرا وهو الباب الرئيسى لحركة العمل والمال والإنتاج وبدلا من ان يسرع المجلس الموقر فى إصدار القانون لكى تدور العجلات المتوقفة فى الحكومة فإنه يبحث عن مشروعات قوانين تثير الصخب والضجيج بين المواطنين ما بين الأزهر والقضاة وسكان العقارات القديمة من فقراء هذا الشعب .. نحن امام حكومة اكتفت بجمع الأموال قروضا وبيعا للأراضى وامام برلمان يعيش فى عالم بعيد تماما عن هموم هذا الشعب اما العمل والإنتاج والتطور والإبداع فهى اشياء بعيدة تماما عن فكر المسئولين والرئيس السيسى يدق كل يوم انذار الخطر والمخاطر فى مجتمع لا يعمل.

> لا اتصور بعد ذلك كله وبعد هذه الأرقام الضخمة فى الديون والودائع ان يكون حجم الاستثمارات 2 مليار دولار وهذا الرقم لا يمثل قيمة فندق ضخم او مشروع كبير فى دبى او سنغافورة .. هذه الأرقام جميعها تقف امام 2 مليار دولار استثمارات ومشروع قانون حائر فى مجلس الشعب واتفاقيات كثيرة مع دول العالم لجمع القروض والمعونات التى لا يستخدمها احد ولا تدخل عجلة الإنتاج .. ما قيمة هذه الأموال امام مجتمع لا ينتج ومشروعات متوقفة..

لم تستطع الحكومة حتى الآن ان تحسم قضية المصانع المغلقة ومازالت البنوك ترفض إخراج هذه المشروعات من محنتها ومازلنا ننتظر الفرج من مجلس الشعب ان يوافق على قانون الاستثمار .. إذا كانت الحكومة لا تقدم الدعم للمصانع المغلقة وإذا كانت البنوك ترفض إخراجها من محنتها لماذا لا تسمح وزارة الاستثمار لأصحاب هذه المشروعات بالدخول فى شراكة مع مستثمرين اجانب او عرب لإعادة تشغيل هذه الصناعات المتوقفة.

> مازلت اعتقد ان قضية مصر الأولى هى العمل والإنتاج وان جمع الأموال قروضا او ودائع لا يبنى وطنا, ان المال المجمد فى البنوك يمثل عبئا كبيرا على اقتصاد الدولة خاصة ان هذه الأموال خسرت اكثر من نصفها امام عاصفة قرار تعويم الجنيه وارتفاع الدولار .. ان توقف الإنتاج فى مصر خلق من المصريين مجموعة من تجار الأراضى والعقارات وتجار العملة وانتهى تماما زمن الصناعات الحقيقية التى كانت تنافس فى الأسواق الخارجية بجدارة وانتهى زمن المحاصيل الزراعية التى كانت نموذجا للإنتاج المميز فى القطن والأرز والبصل والموالح والثوم والبطاطس وكانت جميعها تباع بالعملة الصعبة فى كل اسواق العالم .. نحن فى حاجة الى عصر الرموز الإقتصادية الحقيقية وليس هذه الطبقات الطفيلية التى لا تضيف شيئا للاقتصاد المصرى.

> فى مصر تجارب اقتصادية ناجحة تقوم على الإنتاج وتضيف موارد كثيرة للاقتصاد المصرى ومنها الصناعات البترولية ومصانع الإنتاج الحربى وصناعة الحديد والأسمنت بجانب صناعات كثيرة فى قواتنا المسلحة, والغريب انه لا أحد يستفيد من هذه النماذج بل ان الصناعات القديمة فى مصر مازالت تنتظر من يعيدها الى سابق عهدها ومنها مصانع الحديد والصلب والسيارات .. إن الأموال المكدسة فى البنوك والقروض التى تتدفق علينا كل يوم كان من الممكن ان تكون وسيلة لإنقاذ هذه المشروعات وليس من المنطقى ان يكون النشاط العقارى هو الإنجاز الوحيد فى مسيرة الإقتصاد المصرى او ان تكتفى الحكومة ببيع الأراضى لتوفير الموارد اللازمة لتمويل الميزانية.

فى الذاكرة المصرية تاريخ طويل عن قصة الديون ورغم انها ضرورة فى بعض الأزمات إلا ان مخاطرها تهدد اجيالا جديدة ليس من العدل ان نترك لها كل هذا الميراث البغيض .. ليس امامنا غير ان نفتح فرصا للعمل والإنتاج والإبداع لأن الحلول الجاهزة لا تكفى ولأن ملايين الشباب فى الشوارع يمكن ان يكونوا مصدر ثراء لهذا الوطن.
..ويبقى الشعر

فى كـُلّ عام ٍ ..

تشْرقينَ على ضِفافِ العُمر ..

تـَنبتُ فى ظلام الكون ِ شَمسٌ

يَحتوينى ألفُ وجْهٍ للقمرْ

فِى كـُلّ عام ٍ ..

تـُشْرقينَ علـَى خَريفِ القلبِ

يَصْدَحُ فِى عُيُونِى صَوْتُ عصفور ٍ..

وَيسْرى فِى دِمائى نـَبضُ أغنيةٍ

وَيغزلُ شَوقـُنا المْجنونُ أوراقَ الشـَّجَرْ

فى كـُلّ عام ٍ ..

تـُشرقينَ فراشة ً بَيْضَاءَ

فوقَ بَرَاعِم الأيَّام

تـَلـْهُو فوْقَ أجنحةِ الزَّهرْ

فِى كلّ عَام ٍ ..

أنتِ فِى قلبى حَنينٌ صَاخبٌ ..

وَدُموعُ قـَلبٍ ذابَ شوْقـًا .. وانـْكـَسرْ

***

فِى كـُلّ عام ٍ..

أنتِ يَا قدرَى طريقٌ شائكٌ

أمْضى إليْكِ عَلى جَنـَاح الرّيح ِ

يُسْكرُنِى عَبيُركِ ..

ثمَّ يترُكنى وَحِيدًا فى مَتـَاهاتِ السَّفرْ

فِى كـُلّ عام ٍ..

أنتِ فى عُمرى شِتاءُ زوَابع ٍ

وَربيعُ وَصْـل ٍ..

وارتعاشاتٌ .. يدنـْدنـُهَا وَترْ

فِى كـُلّ عام ٍ..

أنتِ يَا قدرى مَواسِمُ فـَرْحةٍ

تـَهْفـُو الطـُّيورُ إلى الجَدَاول ..

تنتشى بالضوءِ أجْفانُ النـَّخيل ٍ

وترتوى بالشَّوقِ أطـْلالُ العُمُرْ

***

فِى كـُلّ عام ٍ ..

كـَنتُ أنـَتظِر المواسمَ

قد تجىءُ .. وقـَدْ تـُسَافِر بَعدَمَا

تـُلـْقِى فـُؤَادِى للحنِين ..

وللظـُّنِون .. وللضَّجَرْ

فِى كـُلّ عام ٍ..

كـَانَ يَحْمِلنى الحَنِينُ إليْكِ

أغفـُو فِى عُيونِك سَاعة ً

وَتـُطلُّ أشبَاح الوداع

نـَقـُومُ فى فـَزَع ٍ..

وَفِى صَمْتِ التوحُّدِ نـَنـْشَطِرْ

***

أنـَتِ الفـُصولُ جَميعُهَا

وَأنـَا الغَريبُ على رُبُوعِكِ ..

أحملُ الأشواقَ بينَ حَقائـِبـِى ..

وَأمامَ بَابكِ أنتظِرْ

أنتِ الزمَانُ جَميعُه

وَأنا المسَافرُ فى فصُول العَام ِ..

تحْملـُنى دُروبُ العِشق ِ..

يَجْذبنى الحنـَين ُ..

فأشـْتـَهى وجَهَ القمرْ

وَأظلُّ أنتظرُ الرَّحيل مَعَ السَّحابِ..

وَأسْألُ الأيامَ فى شوْق ٍ:

مَتـَى .. يَأتى المطـْر ؟

قدرٌ بأنْ نـَمْضى مع الأيَّام ِ أغْرابًا

نـُطاردُ حُلمَنـَا

وَيضيعُ منـَّا العمْرُ .. يا عُمْرى ..

ونحْنُ .. علىَ سَفرْ

قصيدة “ألف وجه للقمر” سنة 1996
نقلا عن الاهرام