23 ديسمبر، 2024 5:37 ص

ديوان ريكان ابراهيم  بجزئيه – هكذا وجدته

ديوان ريكان ابراهيم  بجزئيه – هكذا وجدته

مهداة للطبيب الشاعر الدكتور ريكان ابراهيم
 في صباح صيفي مضيء تنبئ تباشيره بقدوم ضيف , ترجل ساعي البريد الكندي عن راحلته التي اناخت بمضارب وتخوم دارنا ,  تخيلته للحظة متعثراً بجلباب مقفطن مذهب وينتعل مداساً مترباً من وعث الطريق , سلمني طرداً بريدياً اسمر بأبتسامة خبير مهنة ومضى الطرد قادم من ربة عمون هدية من الدكتور الشاعر ريكان ابراهيم لديوانه الصادر حديثاً بعمان ٢٠١٣ ,  عراقي أباً عن جد , طبيب نفسي متخصص بخبايا النفس البشرية , شاعر وإن كان لايحبُ الشعراء ولا ندري هل أحب هو ريكان ابراهيم ام لا ؟
الغلاف
طُبع الديوان بمطابع الدستور الاردنية بطباعة فخمة, الجزء الاول ( ٤٩٦ ) صفحة من الحجم الكبير والجزء الثاني ( ٤٤٤ ) صفحة , الجزءان بأربعة عشر فصلاً توزعت عليهما ( ٢٩٦ ) قصيدة, مصمم الغلاف هو الاستاذ احمد العيص قد اختار صورة بورتريه للطبيب الشاعر بتجليد اسود لماع وبتنضيد جميل ساهمت هذه جميعها باضفاء صفة الفخامة على الديوان , ناهيك عن محتواه
 الاهداء
بخط يده الكريمة كتب اهداءاً بجميل العبارات من معلوم  الى مجهول فبدوت انا المجهولة  معروفة باهدائه الكريم
الكتاب – الجزء الاول
منذ ثلاثين عاماً او يزيد عندما تركتُ مقاعد الدراسة متوجهة لقاعات الهندسة طويتُ جلباب امرؤ القيس  , وعلقتُ سيف المتنبي على صدأ الذاكرة , وأخفيتُ خلخال عبلة ومكحلة بثينة وطردتُ القبيلة
بعد ان انقضت سنون دراسة الهندسة عاودني الحنين لشارع المتنبي ومكتباته , في كل صولة لي هناك اعود بغنائم ونفائس كتب احدها يقودني للآخر ,حتى كان اخر ماقرأت ايام كان لي وطن , فرانس كافكا رائد الكتابة الكابوسية , وتشارلس ديكنز, وميثولوجية فراس السواح بهذا الثالوث الذي شطر رأسي وشهيتي للقراءة قفلت عهد النعيم الفكري
وهاهو اليوم بهديته يُخرج لي الدكتور ريكان ماخَزنتهُ من سنين ,ويفرش الصحراء ثانية بالرمل ,وينصب خيام شعر ودلال قهوة وسيوف قصيدة تقطعك من الوسط كلما غفلت عن سماعها ,وبمهنته الملازمة له كطبيب نفسي اعاد لي جلستي برفقة الثالوث المتروك اعلاه , ليدخل ازقة ومشاهد يسأل فيها ويجيب واجيب معه لتساؤلات لنبش تعاريف مفاهيم قد تساهلنا معها وقبلناها يوماً ما وهاهو يعيد استجوابها للاعتراف بها او رفضها
يبدأ كتابه بالسيرة الذاتية لشنفرى عِراقي , وهي ليست ككل السير الذاتية المصطفة بقوالب زمنية , يستهل الدكتور ريكان سيرته بالقول ( عندما تقرر ان تكتب عن الذات التي فيك او التي انت فيها تحتاج الى يوم قيامة يقلب عاليها سافلها ) لم اعرف بأنه سيقلب القارئ على أم رأسه بكم لاينتهي من مساجلات بينه وبين نفسه او مع الاخر , حوارات سريعة بتفكيرها وتسلسل منطقها , كيف تراءت له ؟ وكيف احتوى كل مشهد  ؟ وكيف ولدت الاسئلة ؟ وكيف وجد لها حلولاً ؟
يبدأ بعهد الطفولة , لازال الكوخ الغافي على نهر الفرات في داخلهِ , كأنه رمز للاخلاق والطيبة التي تربى عليها ولم تغادره , وبهذا يجعل كوخه منتصراً على قصر المدينة
عن عهد الطفولة  يقول انه عهد رجولة قالباً مفاهيم كنا قد عشنا عليها وكبرنا دون ان نسأل انفسنا اسئلة وكأن مشكلة الانسان تبدأ عندما يفهم
يبحث عن تعريف جديد لمفاهيم نعرفها ولكن غاب عنا تعريفها وبقيت المفردة مجردة هلكت من الاستعمال  وغابت هويتها , يحاور الدكتور ريكان نفسه ليّعرف الشرف والعيب والامانة وتكوين الذات هل هي بلا حواس ؟ والاخلاق  هل هي عادات ؟  متناقضات يجمعها ويدفعها للتحاور مابينها  , السعادة والبساطة , الانسان والقرد , ابليس والشيطان , الاب والابن , الذات الالهية واختلاف الاديان محاورة جميلة ناصعة بين مختلف الديانات لتنتهي بأن الله واحد , خاشعة عبارته التي استخدمها بالبحث عن الله حين يقول
(يالله, لو لم تكن عظيماً, لما أتعبتني بالبحث عنك)
يناقش قضية سكُنى المرأة عقل الرجل , كما للأم ركن وللمرأة الاخرى ركن سواء اكانت زوجة او عشيقة ,  لكنه يفاجئنا حين  يؤسس لركن ثالث هو الاخت , الام والاخت والمرأة ,  ثلاثة اعمدة ينصب الدكتور ريكان عليها خيمة الرجولة ولاتكتمل الا بهن, وينتقل للزمن وتقسيماته عندما يقول (لذة الماضي لايرقى اليها فرح المستقبل) الان عرفت ُلماذا الشرقيين ملتصقين بالماضي مرتابين من المستقبل
تحدث عن الاسطورة الاغريقية ( عقب أخيل ) في تعميده بنهر الفضيلة والنقاء لاهثا للتخلص من الدنس فيه , وينهي السيرة بقوله
 (ان الحياة التي نعيشها موائد للأعقاب ومن أخطأ فيه عقبهُ وصحَ عقلهُ مطرود منها)

الاجزاء الاربعة عشر في جزئي الديوان
كيف تقدم للاخرين قراءاتكَ للشعر ؟هل تعيد القصائد نفسها على المسامع كالابله ؟ام تقرأها قصيدة قصيدة  , وماان تقوم من مقامك هذا حتى تسقط من يديك وذاكرتك أول واخر قصيدة , ام هل تتصومع دهراَ وتتقمص دور شاعر , وماان تنتهي سيعاود الشاعر لملمة اوراقه ليمضي بها وتقعد أنتَ بلا قصائد , فأن حملتُ  قصائده ستكسر ظهري , وان جزأتها ستثلم اصابعي , لكني سأتوصل لحل يرضيني وهو أن اُقدم للقارئ مايلتصق في ذاكرتي لعلني بهذه الحيلة ابرأ من ذنب الشاعر والقصيدة معاً
دعونا نستعرض عناوين فصول احتوت قصائد عديدة , ربما ستدلنا عناوينها   لفحواها وبعدها ستخرج علينا من كل فصل قصيدة تستأسد على بقية القصائد
 والعناوين هي كما يلي

الفصل الثاني – قصائد مُتهمة بالبراءة – مجموعة من ( ٩ ) قصائد
الفصل الثالث – ذئاب الحمأ المسنون   – مجموعة من ( ٢١ ) قصيدة
الفصل الرابع  – زلات لسان           – مجموعة من ( ٤١ ) قصيدة
الفصل الخامس – بالملقط               – مجموعة من ( ٢٤ ) قصيدة
الفصل السادس – قصائد بكامل قواها العقلية  – مجموعة من ( ٢٢ ) قصيدة
الفصل السابع – مشاهد من مدينة البغاء    – مجموعة من ( ٥ ) قصائد
الجزء الثاني من الديوان
الفصل الثامن – الطريق الى الله        – مجموعة من ( ١٧ ) قصيدة
الفصل التاسع – مكابدات زليخة        – مجموعة من ( ٢٠ ) قصيدة
الفصل العاشر- قصائد مشاكسة         – مجموعة من ( ٢٥ ) قصيدة
الفصل الحادي عشر- النشيد الوطني لجمهورية متى- مجموعة من ( ١٧ ) قصيدة
الفصل الثاني عشر- معلقات تبحث عن كعبة   – مجموعة من (١٩) قصيدة
الفصل الثالث عشر- اسفار الخروج من الجمجة   – مجموعة من (٥٥) قصيدة
الفصل الرابع عشر- ملصقات على جدار الصمت   – مجموعة من (٢١) قصيدة
من خلال العناوين والقصائد يبدو ان الديوان ببساطة شديدة سيرة رجل يعيش شعراً , يمشي شعراً , ينام شعراً , يفكر شعراً , يحلمُ شعراً محوّلاً حياته الى شعر من بلده العراق بلد الشعر, يتكئ على فحول الشعر ومعلقاتهم , يفترش ليل الصحراء بشجاعة فارس , يدخل صومعة التساؤلات بالوقوف امام الله , و الوقوف على ابواب الانبياء , لتنتهي اقانيمه الثلاث لبانوراما الموت , محاورات فلسفية على صيغ شعر , استخدامه والتصاقه بالقرآن الكريم ومفرداته واضحة , جلية تكاد تكون العمود الفقري لشعره ,

له أجمل قصيدة في التوحيد وبيان عظمة الله وقدرته والتي فازت ايضاً بالمرتبة الاولى بمسابقة قصائد التوحيد حيث يقول

الرحلة إلى التوحيد
تَصورّتُه لم يكنْ
وجَنّدتُ كفَّ غروري لصَفْعِ خدودِ
يقيني
وأنكْرتُهُ عامدًا فتمشّى على رئتي وابلٌ
من قلَقْ
وأزَّ من القلبِ صوتٌ يقولُ: أعوذُ
بربِّ الفلَقْ
تَصورتُني دونما خالقٍ
فأصبحتُ في لجّةِ الارتيابْ
أدورُ وأنفُضُ عنّي اختناقي
كما ينفُضُ عنه اللديغُ الثيابْ

ينتقل ليحاكي العراق يتغزل بدجلته وفراته النابعين من نهدين تركيين  , او ليكتب مذكراته وكأنه جندي امريكي في العراق , يبكي على العراق ويبكي منه , ( أم ريكان)  لها قصائد واغنية
  ياأم ريكان قد خلّفتِ ريكانا للهم                    ليتَ الذي خلّفتِ ماكانا

يذكرُ والده في تغريبة بني عراق ويقول
بلى …ماتَ عنا أبي وظلّت حكاياه في الذاكرة
ودارتْ بنا الدائرة
وجاءت مدافعُ أعدائنا الغادرة
تفتشٌ فينا عن الصامدين
وعن أبي الشِعْرِ المُعتق الجواهري كتبَ اروع الكلمات التي تسمّرك بمقعدك وكأنها خرير دجلة ينساب متحدثاً عن عظمة هذا الشاعر  , حيث يقول فيه
ودجلةُ…..
كنتَ شاعَرها الُمجلّي
تُساقيها فتسقيكَ الأرّقا
تُغازِلُ من ضفادعِها الصبايا
فتثَمل….
حينما يُعلينَ نَقّا
*********
سلامًا …
يومَ مُتَّ غرِيبَ دارٍ
وأوصتْ فيكَ
بغدادٌ دمشْقَا
في جمهوريّة الشاعر ، التي هي جمهوريّة الواقع العربي المحبط بكثير من الجوع والخوف والنفي والظلم والفساد ، مواطنيها  بلاهويّة ، والحلم فيها ضربُ من الخيال ، كما يوحي اسمها من الاستفهام غير الحقيقي الذي تتضمنه “متى” حيث عزف لنا الدكتور ريكان النشيد الوطني لجمهورية ( متى ) ب ( ١٧ ) وتراً وهذا واحد من اوتارها
 لها حدود
 لكنها متُقبة
يدخل منها الدود
 على حصان كالحٍ يسير
 خلف العربة
دود له اسنان
 سبحانه الرحمن
 
نقل للقارئ مااثقل روحه هماً وحزناً هو احتضار اخيه ولقطات من المقبرة لم تنسه ان يسجل سيرة اخيه الذاتية , فكانت ثلاثية للاحزان تصيبُ بالعدوى قارءها
تنّوع في مواضيع قصائده , وكيف لا , وهو العراقي الذي شهد حياة بانورامية تشترك فيها دول العالم في ظلم بلده
 سأل اوباما
معنا أم علينا؟
سؤالُ كبيرُ , لانَّا ارتويْنا
من السابقين بكأسٍ دهاقْ
خسرنا العراق
وضاع الذي في يديْنا
أسمر اللون فيه ملامُح  من عَنترة
ومشيته بخَتَرة
هنا ينبغي ان نتريّث حتى نرى
فقد غشنّا غيرهُ بالكلام اللطيفِ
وحين تسنّم ظهر البعير
جرى ما جرى

 يخاطب اسرائيل بعنفوان وكرم العربي ليقول
وقرروا ان تنعمي باليُمن والسلام
وتعرفين ان أمتي لاتعشق الخصام
 حتى الذي يُهينها تلقاه باحترام
 تعطي له بيوتها وتسكنُ الخيام

مسك الختام
الكتاب يفتقر لاهداء تعودته بروتوكولات التأليف , وعند قراءتي للديوان التقطتُ منه هذه الوقفة الانسانية لأقوم انا القارئة باهداء هذا المنجز لروح اخ الدكتور ريكان ابراهيم الذي رحل باكراً
اليكَ , يا من كنتَ تحب الحياة
وذقت منها الأمرين
فنفضتَ عنها الراحتين
وغادرت متعجلا ً تاركاً خلفك الامنيات
تُرى , هل هزكَ الشوق للوالدين ؟
إن أخفقت قرائي الكرام بإيصال ما قرأته عن فحل الشعر الدكتور ريكان ابراهيم , واذا وزنتُم  كلماتي ووجدتموها  لا تملأ كف ميزان القافية , عله بأطراف الحديث معه يكمل لكم تصورهُ عندما يتحدثُ الدكتور الشاعر عن نفسهِ بنفسه ِ وبهذا اكون انا خارج المسؤولية
أطراف الحديث مع الدكتور ريكان ابراهيم
http://www.youtube.com/watch?v=ZObjQtOgXsA