يرى الشاعر إدريس طه حسن بأن الإنسان طاقة والمهم في ذلك كيف إدارتها ، ونعتقد وضمن هذا المفهوم بأن الشاعر هو الآخر فيض من الطاقات ، وعليه أي الشاعر إستغلالها في التعبير عن هواجسه سواء تلك التي على الأرض أو تلك التي يدركها عقله وتُكوِّن جزءاً من موجوداته الوجودية ،وهذا يعني الإنتماء لقضية وقد أفصح عنها الشاعر في مجموعته الشعرية الجديدة (ديوان بايوس )سواء في قضية المرأة أو في قضيته الأعم ( الحرية ) وقطعا هناك مقود ما لإيجاد صلة معمقة بين الطرفين عبر رؤيا الشاعر لمجموعة من الأوجه المتلازمة بين الأغراض المختارة والتي شكلت مجموعة من المتذوقات الجمالية وفقا لأغراض النداءات التي يراها تشكلُ حاجة روحية ودليلا لعمق موجوداته ، لذلك وضع ترتيبها ضمن أهميتها المؤثرة في تشكيلات نصوصه الشعرية بدءا بـــ :
1 – أناشيد صوفية
في (ها أنا وترنيمة ووصية واحدة ) يقدم نشيدا صوفيا خالصا عبر قلق الإنسان من وجوده الفاني حيث يرى إن الإتجاه للضياء الأعم ولنورانية هذا الضياء هو المدخل الشافي لهذه الحيرة الأرضية ولهذا الإضطراب والإنشغالات غير المجدية ، ويتطلع عبر ذلك الهم والوهم الى تجلياته التي لاتزول بلغة تكتسي طابعها الصوفي بنداءات غيبية ومسمى إلاهي، وهذا التقبل بين الذات الإلهية والإنسان تعني التقابل بين الإحساس بالوجود أو الإغتراب عنه ، ومما يعزز ذلك الإتجاه الإختيار الدقيق لكمٍ من المفردات ذات الشطحات الصوفية التي تتوافق مع صوره الشعرية وتضيف للنص الشعري مساحات من الغلو الوجداني كون ذات الشاعر قد أُستُقطِبت أصلا للخلود في نعيمها الأزلي ،
2- إيقاعات الطفولة والصبا ،
لاشك بأن الحياة عبر مراحلها لاتنفصل بعضها عن البعض
ومادام الإنسان مجموعة من المحركات النفسية والعاطفية أي شبكة من المشاعر فأن لهذه الشبكة حصتها الكبيرة من الإدراك كونها تشكل الخزين المعرفي للعقل الباطن والرابط الذي يقدم للعقل مسندات التذكر لإعادة كل شيء في الماضي الى الحياة من جديد ، ضمن ذلك المفهوم إشتغل إدريس طه حسن في إستعادة مشاهده البصرية السالفة
ولكون مساحة الماضي بمشاهده ووقائعه وأحلامه ذات دلالات حيوية فقد بقيت الأشياء في الذاكرة بتفاصيلها العميمة والقصيرة وبشبقها الذي أضاء الطفولة والصبا ،
وكان لابد للزمن أن يضع معوله على تلك الربوع ويتمكن منها ويحيلها الى مايشاء بحيث لم يعد هناك ماكان ،لم تعد هناك (البساتين – النهر – الغابة – المرقد – المدفن – الجيران – الصديقة …) وكل تلك الإشراقات شكلت له فيما بعد خيبات متوالية يرى من خلالها كل تكويناته المادية الجديدة أشياء مشوهة وغير قابلة لإستكمال عملية التذكر كونها قابلة للإندثار مثلما إندثرت سابقاتها ،ولاشك أن هذه المعادلة ورؤيا العامل الزمني ضمن ذلك القحط المجدب وضمن تلك الإيماءات والرتوش المظلمة بمثابة العهد الضائع والموجودات التي أحبها وأسكنته جنانه المرحلية ، فالعاطفة هنا عاطفة ذكية متجاوبة بقدر مع اللحظة لكنها متجاوبة كليا مع الواقع الواقع الذي يحفل بـــ (الفقر- الهزيمة – الخوف – العمى – الإستغفال – البغي – الفساد – التعصب – الخراب- السفاهة – – -) وأمام ذلك لابد من الإحساس بقوة الإله الجبار من الإهتداء اليه وشكره بحرف وبكلمات تخرج من بين كفين ،
3 – مراثي الخيبات (طعم المرارة )
تأخذ الخيبات في هذه المجموعة الشعرية حصتها من المراثي،(مراثٍ للذات- مراثٍ للكوابيس – مراثٍ لدم الوطن – مراثٍ للحرية والأحرار – مراثٍ للخوف – للإغتراب- مراث للحروف التي تكون الحياة —- ) ،إن مباركة هذه الخيبات عن طريق مراثيّها تعني أن هناك وجود لها من حيث إنتهاك هذه المسميات للحرية في أوسع إتجاهاتها وللمرأة في أجل عناوينها وبالتالي فهناك عزف ما للأشياء المجهولة التي يحسها الشاعر بل يؤمن بحتميتها ضمن علاماتها الموحية (الألوان- الدعاء- الأصوات الشجية –العتاق – الشفاعة- الغسق- ضحكات النجوم- —– )ولعل تلك المختارات من المفردات ذات الدلالات الرمزية قد أشرت ماكان يريده الشاعر من كونه الأرضي ، وما يترجاه من كونه السماوي ، فالنقيض قائم بين الشكلين والإنتماء الى شفاعة الخالق قدمها الشاعر ضمن أناشيد الأمل والرجاء والمحبة وطلب المغفرة ،