20 مايو، 2024 7:35 م
Search
Close this search box.

«ديوان الشعر العراقي».. أوجاع النازفين دماً وشعراً

Facebook
Twitter
LinkedIn

في العام 1993 ، قبل مغادرتي العراق، جاءني اتصال من الصديق الشاعر الشلاه الذي كان قد استقرّ في الأردن، والتحق بالدراسة في جامعة اليرموك، أخبرني، خلاله، أنّه يعكف على وضع مختارات هدفها التعريف بالتجارب الشعريّة العراقيّة التي كانت تعاني من العزلة في ظلّ الحصار، ذلك الظرف الصعب جعل الطباعة داخل العراق نوعا من الترف، وكان ذلك قبل صدور سلسلة “ضد الحصار” التي كانت تطبع بورق الصحف، مراعيا، تنوع التجارب، وكنت من بينهم، فبعثت له ما أراد، وبقيت أنتظر خبر صدور الكتاب، وعندما وصلت عمّان في 2 – 2 – 1994، كان أول شيء فعلته هو السؤال عن الكتاب، فعلمت أنّه جاهز، وعلى وشك الصدور، لكنّ ذلك تأخّر، وبعد فترة قصيرة من انتقالي إلى “صنعاء” علمت بصدوره، ووصلتني نسخة من الكتاب، بعثها أخي الشاعر عدنان الصائغ، وعنوانه” ديوان الشعر العراقي”، وحمل الرقم(1)، بما يشير إلى وجود أجزاء أخرى، والشعراء الذين وقع عليهم الاختيار، هم: جواد الحطاب، وزاهر الجيزاني، وكزار حنتوش، وعدنان الصائغ، وعلي الشلاه، وصلاح حسن، ومحمد تركي النصار، وكاتب السطور.
وقد جاء ترتيب أسماء المشاركين حسب الحروف الأبجدية، وسبق نصوص كلّ شاعر تعريف موجز به لا يتعدى بضعة سطور، وكان معدّل نصيب كلّ شاعر حوالي 15 نصا ، بما يعطي فكرة جيّدة عن نتاجه، وجاء الكتاب الذي بلغ عدد صفحاته 184 صفحة من القطع الكبير، بدون مقدمة، ولكن الناشر قال كل شيء على الغلاف الأخير بكلمة موجزة، ولأهميّتها، سأتوقّف عندها، فقد جاء في الكلمة “ هذا جزء أول من ديوان لا ينبغي أن يعرف أحد نهايته، فهو أكبر من ديوان شعر، لعله أقرب إلى مرايا تنعكس عليها أمواج حياة العراقي في أكثر سنواته نزيفا، وتماسكا، توهجا، وانكسارا، ويهمني- والكلام للناشر- أن ألفت نظر القارئ إلى أمرين في هذا الكتاب حتى يكون أمامه تفسيرا لنشر هذا الشعر الجريح”، ويفصّل الأمرين، فيقول في الأول “ إنّ ثمة محاولة، ربما تكون يائسة، ليصبح مشروع هذا الديوان حاضنة لنتاج شعراء حربي الخليج، وما بعدهما، الشهود عليهما، والضحايا فيهما، بعضهم قاتل، ونزف، وبعضهم توجع، لكن لا أحد كان متفرجا فيهما وعليهما، وإذا كانت كبريات حركات الانبعاث الإبداعي في العالم قد ولدت عند حافّات الحروب، والكوارث، فلنا أن نتخيّل كم سيكون المخاض معقّدا لشهود حربين، وشهدائهما، للنازفين فيهما دما، وشعرا”.
ويعدُ الناشر في النقطة الثانية أن “ يبقى هذا الكتاب مفتوحا لالتقاء ما يمكن جمعه من نتاج شعراء الداخل، والمهجر، الموطن، والشتات، إذ أن لوحة الثقافة العراقية المعاصرة ستتشكل من هذين الرافدين، لا من إحداهما، أيا كان أحدهما هذا، فالمنافي تبتلع الأجساد، والداخل يتوجع بحملها، الا أن الفضاء في الموطن، والمهجر يتّسع لوجدان واحد، وذاكرة ذات جذور متماثلة، ذاكرة طفلة لا تريد أن تشيخ، لأنها على الأقل صفحة ماء ينعكس فيها صورة شعب لا ينبغي أن يشيخ، فقد طُعن من فوق جلده، وتحت جوانحه، حتى نزف دمه، إلا أن قلبه لم يزل يخفق..” وبناء على ذلك، فالإصدار جزء من مشروع، كان من الممكن أن تلحق به أجزاء أخرى، لكنّ هذا لم يحصل، فتوقّف مثلما توقّفت الكثير من المشاريع الجماعيّة، مع بدء انطلاق رحلة الشتات.
وللأسف، فإنّ الكتاب الأنيق، طباعة، وإخراجا، وكان غلافه من تصميم الشاعر زهير أبو شايب، لم يوزّع بشكل جيّد، إلا على نطاق ضيّق، ولم يُقرأ نقديّا، ولم ينشر عنه أيّ خبر عند صدوره في العام1994، ولم يرد ذكره، ربّما كونه صدر في مرحلة لها أولويّاتها في حياة الإنسان العراقي، الذي طحنته همومها، وأوجاعها التي تغني عن أوجاع النازفين دما، وشعرا.
واليوم، وأنا أجيل النظر في مكتبتي، وقع بصري على الكتاب، فنفضتُ عنه الغبار، وكم تمنّيت لو أخذ المشروع نصيبه من الاهتمام، وواصل الصدور، لوجدنا بين أيدينا أكثر من مدوّنة شعريّة من تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الثقافة العراقيّة
*مقالي المنشور في ثقافية جريدة “الصباح” بعددها الصادر الاثنين 13 آذار(مارس) الجاري

نقلا عن صفحته الشخصية ـ فيس بوك

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب