23 ديسمبر، 2024 3:58 م

ديني اطبر والطم واقره .. مذهب شيعي جديد!!

ديني اطبر والطم واقره .. مذهب شيعي جديد!!

لقد ذكرت في مقالتي السابقة ( السنة تستنكر ازدواجية الحسين .. ) بانني ساتطرق الى موضوع عدم ارتياح او رضا غالبية الشيعة للكثير مما يمارس في ذكرى عاشوراء الحسين (ع).

كما هو معلوم للكثير وكما ذكرنا سابقاً كذلك بانه لم يكتب اكثر مما كتب في قضيتي مايسمى بالوحدة الاسلامية وقضية الامام الحسين، ولما كتب حول الشعائر الحسينية منها حصة الاسد.

ولم يأت كثرت ما كتب في هذه الشعائر من فراغ انما لكثرت الجدل حولها ولكثرت ما اعتراها من غزو من الافكار المستجدة والقادمة في اكثر مستحدثاتها من خارج المحيط الشيعي الاصيل ولازال هذا الغزو مستمر.

ويمكن للمتتبع هنا ان يبدي تساؤلات كثيرة او قل عناوين لمقالات لاتنتهي على سبيل المثال لا الحصر:

كيف السبيل لترشيد الشعائر الحسينية ؟.

ماهي ضوابط احياء ذكرى واقعة الطف؟.

هل مادأبت عليه الشيعة يتماشى وما كان يصبو اليه الحسين (ع)، ام ان الشيعة تحيي الذكرى على هواها؟.

هل اصبحت القضية الحسينية كغيرها دكاناً للارتزاق ام ان امر المستفيدين من هذا المنحى لايعوه؟.

الايجب على الشيعة مراجعة انفسهم بعد قرون من الاستمرار في نفس النهج والتفكير بكيفية تطويره؟.

هل يتلذذ الشيعة بالعذاب على طريقة شعراء العصر الجاهلي في احيائهم لذكرى عاشوراء؟.

وبالتالي الا يجوز للحسيني الحريص الذي ينطلق بنوايا صادقة مع الله والحسين ان يضع الكثير من الشعائر في قفص الاتهام؟.

وهكذا يمكننا ادراج عناوين لاتنتهي على هذه الشاكلة، رغم ادراكي ان ( التعصب للافكار الدينية هي اخطر انواع التعصب ) كما قال المغربي احمد الخمليشي.

ولا اريد ان اجتر نفس الكلام الذي يطرح دائماً حول هذا الامر، لكنني اروم هنا تحديد امور واضحة وبكل حزم لاقول:

اولاً اننا نعلم ان المستفيدين من استمرار ضحالة بعض الطقوس المثيرة والمتناغمة للعاطفة واكثرهم من خطباء المنبر الحسيني سيتهموننا وكل من يدعو الى ترشيد هذه الشعائر بالزندقة والكفر ومحاربة الحسين واننا نقود مؤامرة ترمي الى انهاء ذكر الحسين (ع) وقد سمعت هذا الاتهام باذني من احدهم.

ان العراقيين القدماء اساؤوا وغدروا الامام الحسين (ع) مهما حاول البعض من علماء وغير علماء تبرير ذلك بل كان بامكانهم تدارك امر الغدر بالحسين بعدما غدروا بابن عمه مسلم بن عقيل وان يعودوا الى رشدهم ويستغفروا ربهم ويصححوا ما اقترفوه لكن خوفهم من سطوة السلطان وطمعهم بالغنائم وركوبهم لحالة النفاق الامر الذي جعلهم ضحايا التزامهم العزة بالاثم، وما جرى من ثورات بعد مقتل الحسين ما هي الا تعبير عن الشعور بالندم لاقترافهم ذلك الاثم.

والان على شيعة العراق عدم الوقوع بنفس حبائل العاطفة الفارغة والانسياق وراء اوهام عاطفية لا اساس ديني رصين لها. ان الفكر الشيعي فكر رصين غير خرافي ولا هلامي وكما يعتز بالعاطفة والعلاقة الانسانية بين البشر فهو لايتجرد عن القيمة العقلية المنطقية التي بها نصر الله دينه على يد رسوله الاكرم (ص) وبها اقحم اهل البيت كل اعدائهم ومنهم يزيد بن معاوية (لع) عندما حاججته العقيلة زينب (ع) وفي عقر داره.

زينب لم تواجه الامر بالعويل والنحيب والصراخ وشق الجيوب ولطم الوجوه وهي تمثل الماكينة الاعلامية لتلك الفاجعة الكبرى ولو لم تكن كذلك لفشلت في مهمتها وكذلك الامام السجاد (ع). والشيعة انفسهم يقرون بذلك ويأتون على ذكر ما اوصاها الحسين به ( لاتشقي علي جيباً ولاتلطمي علي صدراً …ألخ ) وهذا كما هو واضح

الخط الحسيني الذي اراده (ع) لمن يشايعه ويحترم ثورته ويريد احيائها كما اراد لها الحسين نفسه.

هذا هو فعل المعصوم ان اردنا التمسك به وتذكر الروايات فقط بكاء الحسين عند كل من استشهد قبله وبكاء الامام زين العابدين عند قبر ابيه بعد عودته ولاباس بركضة طويريج التي سنها امام مجتهد محترم باعتبارها تمثل ظاهرة ماساوية يتجسد فيها رثاء العقل الجمعي للحالة وهكذا يمكن سحبها على احياء ذكرى اربعينية الحسين بهذه المجاميع المليونية القاصدة نحوه على ان تجسد ارقى المعاني الايمانية الحسينية التي ضحى من اجلها والتي تفتقدها هذه المسيرات مع الاسف الشديد.

فالحسين (ع) لايرضى ان تسير المرأة لوحدها في طريق طويل وفي جموع دون زوجها او مرافقة محرم (بكسر الميم الاولى ) لها كما بين ذلك بعض رجالات الدين. وهو لايرضى بما يدور من مزاحمات وقطع للشوارع العامة بما يعطل الكثير من السير وعليه وجب مداراة هذا الامر. وهو لايرضى برمي النفايات في الشوارع بشكل فوضوي يمثل حالة من التخلف الحضاري الذي لايصب في صالح سمعة زواره. وقس على غيرها من الامور السلبية المشابهة التي لو تم معالجتها لكان امر هذه المسيرات المليونية غاية في الروعة والتعبير عن احياء الاهداف الحسينية التي ضحى من اجلها الامام.

بل نذهب الى ابعد من ذلك حين نقول ان ترك البعض لاعمالهم قبل ايام من موعد الاربعينية رغم حاجة الاخرين لخدماتهم او تعوّد بعض الموظفين لترك دوائرهم بحجة زيارة الاربعين امر فيه الكثير مما يقال ويجب معالجته بنوايا صادقة وبما يحترم قيمة البلد وردف حالته الاقتصادية الامر الذي يصب في النهاية في رفد الاهداف الحسينية نفسها.

ومن نافلة القول وجوب التحذير من تحويل التواجد الكثيف لاحياء ذكرى اربعينية الامام الحسين الى مهرجان شعبي يزخر بتوزيع الاكل والمشرب ليمثل نوع من النزهة الترفيهية لاسمح الله وتفريغه من وضوح معالم الوقار والحزن وتأثير ماساة كربلاء في هذا المشهد.

وربما نتخطى الخطوط الحمر لنكون هدفاً لسهام كل المنتقدين عندما نقارن بين مايدور في السعودية وما يدور في العراق. ففي موسم الحج يحدد السعوديون عدد الحجاج وهو لايتعدى الاربعة ملايين بكل الاحوال لكي لايجهد دوائر الدولة من جهة ويسهل السيطره على الوضع بما ينفع الناس من جهة اخرى، وحج بيت الله اولى من زيارة الاربعين طبعاً، فهل بالامكان التفكير بتقنين الزائرين ووعظ الناس بالتصرف عملياً في محافظاتهم بما يخدم بلدهم ويجسد احياء ذكرى اربعينية الحسين دون الاشتراك بهذه المسيرة.

وكم كانت الاستفادة رائعة من ابي زينب ذلك الخضار الذي كان الوحيد فاتحاً دكانه يوم الاربعينية حيث كان ازدحام الناس عليه غير طبيعي وقد عبر الجميع عن شكرهم له وخمّنوا ان ثوابه لعظيم وربما يزيد عن غيره في

هذا اليوم، وكذلك شاهدت دكاناً أخر وقد فتح ابوابه للزبائن بينما كان الجميع قد اغلقها وكان يعطي الماء سبيلاً في سبيل الحسين (ع)، وهكذا تتجلى في هذه المناسبة العظيمة مثل هذه المواقف العملية الرائعة.

هذه بعض الموارد التي من الممكن النظر بها لترشيد هذه المراسم.

ولكن ما اثارني بكل صراحة هو ما وصلت اليه الامور في الشارع الشيعي البسيط من خلال الانفلات العاطفي في احياء هذه الذكرى من جهة واستغلال بعض الجهات المغرضة او المعادية للاهداف الحسينية من جهة اخرى.

فقد سمعت احدى القصائد الشعبية او ما يسمى (الردات) الحسينية في احد المواكب الحسينية وكان على شكل خيمة طولها بحدود عشرة متر في منطقة من المحافظات الجنوبية وفيها شباب وقد توشحوا بقماش ابيض على انه كفن يحملون في اياديهم قامات وقد سالت من بعضهم الدماء على رؤوسهم وكان الكلام الصادر من السماعات المنصوبة يقول :

( ديني اطبر والطم واقره) طبعاً معلوم انهم يقصدون اقرأ ولكن باللهجة العامية يلفضونها اقره، والقصد بالقراءة هي اقامة الماتم لاحياء شهادة الحسين (ع).

لقد صعقت عندما سمعت ذلك ولا ادري ان كان هذا يمثل مذهب شيعي جديد!، فهذا يعني اننا ننحى منحى خطير وننزلق منزلق عاطفي بعيد كل البعد عن الغاية الحسينية التي استشهد من اجلها الحسين واننا نلاحظ ان هذا التيار اخذ يعاند ويكابر ويستمر في غلواءه في اتباع ما لايخدم القضية الحسينية ويعتبر سبة على المذهب الشيعي البناء. فلا يمكن لاحد ان يدعي بان هنالك فائدة تذكر للتطبير او ضرب الظهور بالزناجيل بل حتى صرف الجهود واستهلاك الوقت والاموال بتشكيل ما يسمى هيئات التشابيه وهم لايحسنون الا تصوير تشابيه بائسة ربما تدعوا الى السخرية احياناً. وقد لاحظت مؤخراً وجود بعض الشيعة الهنود ممن يضرب الزنجيل وقد جاء بطريقة جديدة فالزنجيل المستعمل يحتوي على سكاكين صغيرة بحيث تؤدي الى جروح بليغة في المكان المسلطة عليه.

اننا نقولها وبكل صراحة لكل من يقف بوجه ترشيد هذه الشعائر والطقوس ان القضية الحسينية هي قضية شيعية تمثل العمق الاسلامي السليم الذي يعتز به اهل البيت باعتبارهم الاقرب لهذا الفكر العالمي والحاملين للواءه فعليه لايمكن لكل من هب ودب من الذين يعتاشون على القضية الحسينية سواء كانوا من خطباء المنبر الحسيني او غيرهم ان يتخذوا من الحسين دكاناً للارتزاق من خلال استغلال عاطفة البسطاء من الشيعة وتشجيع هذه الممارسات لترك القضية الحسينية تتراوح في مكانها الساذج ليستمر استغلالهم لها، الامر الذي يؤدي الى استمرار تحجيمها على مستواها الشيعي.

وعلى ما شاهدناه، لانثق بالكثير من خطباء المنابر بامكانية تبنيهم لتطوير هذه الشعائر رغم وجود بعض الجيدين منهم فانا شخصياَ اسجل احترامي للشيخين المرحوم احمد الوائلي وجعفر الابراهيمي الذي يتمتع بعمق فكري يثري القضية الحسينية. ولكن على سبيل المثال شاهدت من على شاشات الفضائيات اثنين من الخطباء في محافظة واحدة وهم ممن يتقلد العمامة السوداء وقد سخر احدهم من الاخر حيث دعى الاول الى استعمال الشموع وهي كما يبدو ظاهرة جديدة مستنداً الى روايات اكدت استحباب حمل كل فرد شمعة بيده ولكن الخطيب الثاني سخر منه بقوله (ياشموع) وقد صرف هذا الخطيب مايقارب ربع ساعة وهو يردد مقولة واحدة ( مكسور مكسور ظلعك فاطمة مكسور ) وهكذا يعيد ويكرر بها ويحث الشباب بشدة على اللطم بقوله دائماً (يله شباب هذا يومكم). ولا ادري ماذا ينتجه الشباب بيومهم هذا وما هي الجدوى من كل هذا الحماس واضاعت الوقت والجهد وتعميق

الجهل لدى هؤلاء الشباب المساكين باستغلال عواطفهم النبيلة وهل ستستفيد الزهراء (ع) من هذا التصرف، الم يكن هذا التخلف الواضح هو ما ادى الى ظهور مذهب التطبير آنف الذكر؟.

اننا نحاججهم بان اساليبهم هي التي يجب ان تنتهي وليس ما ندعوا اليه من ترشيد وتطوير لها بما يخدم ويكبر سمعة ثورة واهداف الحسين (ع) لتكون، ثورة شيعية بامكانياتها ولكنها اسلامية بمعتقداتها عالمية بمنطلقاتها واهدافها السامية في الثورة على الطغاة ومحاربة الظلم ونصرة المظلوم وتحقيق المعاني السامية لحقوق الانسان عموماً.

هل ان شعار ديني اطبر آنف الذكر يتفق والاهداف الحسينية، وهل يرضي الامام الحسين ما وصلنا اليه من مستوى ” راقي “، وهل هذا النكوص يقنع من يدعوا للتطبير وغيره ويحارب ترشيد الشعائر الحسينية ان كان حسينياً فعلاً؟.

انني اكاد اكد ان هذه الممارسات المتخلفة سوف تنتهي عبر الزمن بعد بضعة سنين عندما تشتد ويطغى ظهور منظرها المشمئز وعندها سيتبين مدى انعكاسها السلبي لتبدء الناس بالتخلي عنها لتنحسر وتنتهي انشاء الله وهذا ديدن ظهور الممارسات الخاطئة. انما سبب ازديادها الان لانها تواجه عدم رغبة من الاخرين ونحن نعلم ان كل ممنوع مرغوب. كما ان ايجاد بدائل ناجعة لها وترشيد سلوكيات خطباء المنبر الحسيني هي الكفيلة بالقضاء على هذه الممارسات الدخيلة.

لنا ان نتصور كيف ستكون عليه القضية الحسينية لو انها اتبعت اسلوباً رشيداً خلال هذه القرون المنصرمة لابراز اهداف الثورة الحسينية العظيمة وليس السرد الارشيفي لاحداثها التاريخية كما يعرض في الافلام التلفزيونية وبدلاً من هذا السياق الراديكالي الروتيني المكرر.

فيمكن ان نوجد مصرف دم حسيني يتم التبرع فيه خلال شهري محرم وصفر يسمى مصرف ابا الفضل(ع).

ويمكن ايجاد هيئة تتولى تزويج الشباب تسمى هيئة القاسم (ع).

ويمكن ايجاد هيئة لانصاف النساء المظلومة وخصوصاً الارامل والمطلقات باسم هيئة السيدة زينب (ع).

ويمكن استحداث هيئة باسم حبيب ابن مظاهر (رض) لاسناد العجزة وكبار السن مثلاً.

وتشجيع تواجد مسرحيات عالمية تحيي هذه الذكرى بشكل حديث، وخلق معارض فنية عالمية لفنانين قديرين لعرض لوحات فنية تجسد معانات ومأسات كربلاء بشكل لوحات فنية راقية تجلب انتبهاء شعوب العالم..وهكذا.

على ان الامر الاهم والاكبر هو ايجاد هيئة عليا باسم هيئة المجلس الحسيني تتبنى في كل عام بيان عالمي لكل العالم توضح فيه ما هي اهداف الثورة الحسينية وما هو الموقف الحسيني من الاحداث العالمية التي تكتنف العالم وقتها، اي كل سنة بما يعتريها فمثلاً في هذه السنة حول المسألة الداعشية وما وصلت اليه الامور بين السنة والشيعة.

هذا ما نريده ممن يتولى مسؤولية احياء الذكرى الحسينية وهي بالتاكيد مسؤولية مجتهدي الشيعة بالدرجة الاولى ويجب عليهم ويعذروني بتشديدي على الوجوب انما ابتغي ثواب ذلك من الله وهو اعلم بالنوايا، اقول يجب التشديد على ترشيد هذا الامر وعدم ترك الامور على علاتها للكثير من رواد المنبر الحسيني البسطاء ليصل الامر بنا الى ما اوردناه من انتكاسة كبيرة لنسمع ( ديني اطبر والطم .. ).

هذا يحدث رغم ان الكثير من المجتهدين قد اعلنوا حرمة هذا الامر، كما ان امر الضرب بالزنجيل امر متخلف هو الاخر ولنعلم ان الدول الاجنبية لغاية معلومة في نفسها تشجع هذه الامور وانا بنفسي قرأت على احدى ما يسمى بالزناجيل انه صنع في امريكا.

ومن آيات الله الذين حرموا التطبير اضافة الى المشهورين منهم وهم الامام الخميني والسيد علي خامنئي،

محسن الحكيم، محمد باقر الصدر، ابو الحسن الاصفهاني، ناصر مكارم الشيرازي، كاظم الحائري، محمد حسين فضل الله، محمد مهدي الاصفي، محسن الامين، محمد جواد مغنية، مرتضى مطهري، محسن الاراكي، محمود الهاشمي، وغيرهم.

ومن اراد التاكد فاليراجع الرابط:

www.alnoor.SE/article.as?id=65699