من الواضح أن آليات السلوك التي كشفت عنها الكراسي المتداعية والتي ذهبت تكاد تكون متشابهة بل ومتطابقة في التعبير عن تفاعلها مع اليقظة العربية الشبابية الثائرة. ويمكن الإشارة إلى ديناميكية ما جرى وسيجري في واقع السلوك الذي أظهرته الكراسي الطاغية.
أولا: النكران
عندما تبدأ التظاهرات ينكرها النظام , أو يتجاهلها ولا يصدقها , ويحسب بأنه سيمحق القائمين عليها وسيعاقبهم عقابا شديدا ويفتك بهم ويستريح من شرهم , فتراه قد أرسل قوات أمنه ومخبريه لكي تترصد وتستهدف وتخطف وتفعل ما تفعل كالعادة.
ثانيا: الخداع
النظام يعيش حالة من خداع النفس وتضليلها , على أن هذه التظاهرات يمكن سحقها كما حصل في السابق , حيث سحق النظام العديد من التظاهرات بعنفوان وعدم مساءلة , وبهدوء وبمساندة الذين يحقق مصالحهم وأهدافهم , وما دام الشعور الفاعل فيه بأنه مسنود من الآخرين , فأنه لا يهتم بالشعب ويمكنه أن يقضي على أي عدد من أبنائه.
ثالثا: الخوف والقلق
بعض أركان النظام ينتابها الخوف والقلق , لكنها تبقى في حيرتها وجمودها , وهذا يدفع إلى عدم القدرة على التفكير والإستجابة السليمة , مما يؤدي إلى زيادة التأزيم وتفاقم الأحداث ومعطياتها , وبتواصل هذه التفاعلات يزداد الموقف صعوبة ويجد النظام أنه في مأزق , لكنه لا زال غير مصدق ومستوعب.
رابعا: الغضب
هنا ينطلق الغضب من معاقله ويكون قويا وشرسا , مما يؤدي إلى سفك الدماء والمواجهات القاسية ما بين النظام وأبناء الشعب الثائر أو المتظاهر , ويدخل النظام في دائرة مفرغة دامية , تنقلب وبالا عليه وتتواصل في تراكم سلبياته وأخطائه وتسويغ التحرك الأكبر ضده , فيزداد التظاهر قوة والنظام ضعفا وحيرة.
خامسا: الإنقطاع
وأمام الموقف المتسارع التطورات , لا يمكن للنظام فهم الأحداث , فيتحقق الميل إلى الإنقطاع عن الواقع والركون إلى التصورات والتهيؤات, والحديث بلغة لا تمت بصلة لما يجري في الشارع. وقد لا حظنا ذلك واضحا من خلال خطابات الذين سقطوا والذين سيسقطون.
سادسا: التبرير والإسقاط
تبأا عمليات تبرير ما يقوم به النظام وتسويغه وتعزيزه وإسقاطه على الآخر , فيتم الإتيان بما لا يخطر على بال من التصريحات والحكايات والإختلاقات والأكاذيب كالمؤامرة وغيرها والتي تزيد في ورطة النظام وتقصير عمره وتنامي خطاياه , حتى ينتهي إلى حالة من التخبط والإضطراب السلوكي المنفلت.
سابعا: النمطية
الطغيان يتصف بنمطية سلوكية متكررة , جوهرها الإستخدام المفرط للقوة , وهذه النمطية تدفع إلى تداعيات وتراكمات سلبية ضده , وفي مواجهة المتظاهرين , يستحضر النظام هذه النمطية لأنه يحسبها العلاج الناجع لكل معارض ومناوئ للنظام , وحال الركون إلى نمطيته المعهودة , يكون قد بدأ بكتابة شهادة وفاته الأكيدة.
ثامنا: الدفاع
بعد هذه المتواليات السلبية في الإستجابة والفهم لما يجري , يجد النظام نفسه في حالة الدفاع عن النفس , وبأنه قد فقد قدرات الضبط والتحكم بالمجتمع , وأن نظامه صار في حالة لا بد له فيها أن يدافع عن بقائه وإستمراره في الحكم. وفي حالة الدفاع يتنامى التخبط وتتعاظم الأضرار.
تاسعا: الإتهام بالإرهاب
من المعروف أن هذه الإدعاءات المتكررة هي سلاح الطغاة للفتك بالشعب وتبرير قتل الناس ومحق وجودهم , وتعزيز التواصل في فرض حالات الطوارئ والحكم المطلق. وفي مأزق المعالجات اليائسة للحالة الجماهيرية المتفجرة , يلجأ النظام إليها فيزج الآلاف من المواطين في السجون , ويحسب أنه سيتمكن من إعادة هيبته وقوته , كأنه لا يريد أن يصدق بأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.
عاشرا: التجريم والتخوين
يقوم النظام بالتحريض على الجرائم كالحرائق والنهب والسلب , لكي يرهب الناس ويجعلهم يصدقون بأن ما يجري هو من فعل المخربين والمجرمين والخونة الذين عليهم أن يحاسبوا وينالوا العقاب الشديد , ويحاول أن يردد هذه التوصيفات في وسائله الإعلامية لكي يمنع التظاهرات.
حادي عشر: إستحضار القوى السلبية
كالبلطجية والمرتزقة والمأجورين , ودسهم بين الناس لكي تتحقق حالة البلبلة والتشويش والإضطراب , من أجل تفريق الناس وإشاعة الذعر وفقدان الأمن والأمان. وشاهدنا ذلك في الثورة المصرية والقليل منه في الثورة التونسية والكثير منه في ليبيا واليمن وغيرها.
ثاني عشر: المواجهة والبطش
وفي أوج نشاطاته الدفاعية , يلجأ إلى سلاحه الأخير وهو المواجه المسلحة والبطش , وإبتكار الحيل والخطط التي يتصور بأنها ستتمكن من السيطرة على الناس ومنعهم من التواصل والسعي إلى ما يريدونه من الأهداف والتطلعات.
ثالث عشر: اليقظة والفهم
عندما يستيقظ النظام يكون ذلك متأخرا جدا , وتتباين درجات التأخر عندهم , ومعظمهم يصابون بكآبة وتأنيب ضمير وشعور باليأس والإحباط والحزن الشديد والندم الفظيع , ولايجدون أنفسهم إلا أمام مستقبل مظلم فيستسلمون ويتساقطون إلى منحدرات الهوان.
رابع عشر: الإندحار
وبعد أن ينهارالطاغية نفسيا ويتهاوى معنويا , يبدأ الإندحار وتأخذ رموز النظام بالتساقط السريع , ونلاحظ الطاغية يبدأ بإجراءات اللحظة الأخيرة اليائسة , فيقيل هذا وذاك , ويأتي بهذا وذاك , ولكن جميع الإجراءات لا يمكنها أن توقف حركة التداعي والإنهيار , فيعلن النظام إندحاره وخسرانه.
خامس عشر: الهزيمة
يجد الطاغية نفسه أمام طريق مسدود ويتربص المنافذ لكي يهرب وإن لم يجدها يذعن مقهورا لإرادة القوى الناهضة بوجهه , فيتنازل عن السلطة , أو يدخل في قتال النهاية الحتمية التي تحرق جميع الأطراف في جحيم واحد.
هذا ملخص لبعص آليات سلوك الإستبداد المتكررة في الحالات التي شهدناها ولازلنا في مجتمعاتنا الثائرة من أجل الحرية والكرامة والحقوق الإنسانية العادلة.
*هذا المقال منشور قبل أكثر من عام في الصحف العربية