يوما بعد اخر يكشف اشرار عملية المحتل السياسية عن حقيقة انفسهم وما تنطوي عليها من خسة ونذالة. فهم لم يكتفوا بما ارتكبوا من جرائم وسرقات وعمالة للاجنبي، وانما نفذوا بكل همة ونشاط مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا. وحين انتفض العراقيون ضد هؤلاء الاشرار مطالبين بحقوقهم المشروعة، سواء كانت خدمية كتوفير الماء والكهرباء والدواء، او سياسية مثل تشكيل حكومة وطنية مستقلة وبناء دولة مدنية، رفضوا تلبية اي منها وحاولوا الالتفاف عليها بتعديلات واصلاحات ترقيعية، لينتهوا الى قيام مليشياتهم المسلحة باستخدام القوة العسكرية، التي راح ضحيتها استشهاد المئات وجرح الالوف من المنتفضين. وكان اخر فعل مشين قام به هؤلاء الاشرار تكالبهم على شباب الثورة يوم الاحد الماضي وهم يحتفلون بالذكرى السنوية الاولى لانطلاق ثورتهم السلمية، مستخدمين القنابل الحارقة والسكاكين والهراوات والعصي الكهربائية وغيرها من الالات الجارحة، على الرغم من ان الثوار حافظوا على سلمية ثورتهم، وشكلوا لجان تنظيمية تعمل تحت قيادة لجنة عليا، اصدرت توجهيات منها على سبيل المثال لا الحصر : “أيها الثوار الأحرار أهالي بغداد ومحافظاتنا الكرام أن وحدة صفنا وكلمتنا دليل على قوتنا وعزمنا على تحقيق المطالب وفاء لدماء شهدائنا، وعليه نهيب بكم الانضباط العالي والتعامل الحسن مع كل المتغيرات، وإتباع ما يلي :”الالتزام والتعاون مع اللجان المنظمة، والتعاون مع القوات الأمنية في الحفاظ على الأجواء العامة و إبعاد المندسين، وعدم السماح لأحد ممن يريدون تشويهها بالتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، ويمنع حمل الآلات الجارحة أو اللثام.” واختارت اللجنة منطقة العلاوي بجانب الكرخ خشية الاصطدام بالمندسين والمسلحين الذين تواجدوا في ساحة التحرير في العاصمة العراقية بغداد. وقد التزم الجميع بهذه التوجيهات رغم اعتداء المليشيات المسلحة على المتظاهرين وعرقلة وصول المحتجين إلى بغداد.
صحيح ان هؤلاء الاشرار نجحوا بتوجيه ضربات موجعة للثوار، وخاصة في منطقة الكرخ، وكذلك اجبار ثوار ساحة التحرير في بغداد على الانسحاب منها بعد حرق خيمهم. لكن الصحيح ايضا بان هذه الثورة لم تنته، كما تخيل البعض، وانما ما زالت مستمرة وتسير قدما لتحقيق اهدافها كاملة غير منقوصة. فثورة تشرين لم تكن حدثا عابرا، او تظاهرة عادية، وانما جاءت تعبيرا عن تطلعات الشعب العراقي وطموحاته، في العيش الكريم والحياة الحرة والاستقرار والتقدم. خاصة وان الثورة قد نضجت واكتسبت خبرات هائلة، الى جانب امتلاكها برنامجا سياسيا وقيادة متمكنة افرزتها الثورة والكفاح المتواصل، لتصبح قادرة على متابعة تطور الصراع مع اعدائها ووضع اليات مناسبة لكل مرحلة. في حين اهتزت مرتكزات الحكومة العميلة، واختل توازنها مما زادها غطرسة وعنجهية، الى درجة دفعت عموم العراقيين الى التخلي عن اية مراهنة على قيام هؤلاء الاشرار باي اصلاح مهما كان متواضعا.
وفق هذا السياق، يمكن التاكيد على ان ثوار تشرين لن يتراجعوا عن مواصلة ثورتهم قبل تحقيق اهدافها، مهما طال الزمن وغلت التضحيات. وفي مقدمة هذه الاهداف اسقاط العملية السياسية واستعادة استقلال العراق وسيادته الوطنية، وطرد القوات الأجنبية، وتقديم هؤلاء الاشرار الى المحاكم لنيل جزائهم العادل، جراء الجرائم التي ارتكبوها والاموال التي سرقوها والسيادة التي فرطوا بها. ناهيك عن تسلح الثوار بالارادة والعزيمة والشجاعة بما يكفيهم للوقوف بوجه قوة الاشرار العسكرية. مثلما اصبحوا محصنين ضد وسائل الخداع والتضليل والوعود الكاذبة والاصلاحات الترقيعية. اما الذين يعتقدون بان طريق تحقيق الانتصار اصبح بعيد المنال جراء العقبات، والمؤامرات المحلية والاقليمية المدعومة من قوى الاحتلال التي تعترض طريق الثورة، فان هؤلاء يرون الاشياء ليس كما تجري حقا، وانما يرونها كما تبدو من خلال حساب موازين القوى، بين ىسلطة لديها قوة عسكرية ضاربة مدعومة بمليشيات مسلحة وتحظى بدعم دولة عظمى مثل امريكا، وقوة اقليمية مثل ايران، وبين ثوار سلميين لا يحملون سوى العلم العراقي وشعار نريد وطن. بعبارة اخرى فان هؤلاء ينظرون الى الثورة ويحكمون عليها كما تبدو، او كما يتمنون احيانا ان تبدو، وليس كما تجري حقا. في حين ان ثورتنا العملاقة قد امتلكت عناصر قوتها ونالت تاييد فئات الشعب كافة. ومما يعزز فرص نجاح الثورة، السقوط السياسي والاخلاقي لهؤلاء الاشرار، واصرارهم على مواصلة العبث بشؤون البلاد والعباد، وعدم الكف عن ارتكاب الجرائم والسرقات. اضافة الى رفضهم القيام باي إصلاح مهما كان متواضعا.
لكن ليس هذا كل شيء، فالثورة قد نجحت ايضا في احباط كل المحاولات الدنيئة لاحداث انقسام في صفوف الثورة. فانسحاب التيار الصدري وذيله بقايا الحزب الشيوعي من ساحات التظاهر اعطى قوة للثورة. لان هذا التيار وذيله شكلا عبئا ثقيلا على الثورة العراقية، جراء خداعهم للعراقيين وتصوير انتمائهم للعملية السياسية، على انه مقاومة سياسية للاحتلال، الامر الذي ولد ارباكا في الوسط العراقي، بحيث اصبح من الصعب التصدي لهذه القوى وفضح مواقفها وكشف الاسباب الحقيقة التي تقف وراءها. بل وضع هذا الانسحاب حدا للخداع والتضليل، وجعل الصراع الدائر على ارض العراق صراعا واضحا ومحددا بين قوتين، هما قوى الحق الممثلة بالثورة العراقية، وقوى الباطل الممثلة بالمحتل وعملائه في المنطقة الخضراء. وهذا امر مهم في مسيرة الصراع، سواء بين اطرافه او ما يخص اهدافه، بل هو احد الشروط اللازمة للانتصار. اما الخشية من تاثير هذه المحاولات البائسة على عموم الناس وانعكاساته الضارة على الثورة، فقد اثبتت الوقائع والاحداث بطلانه. حيث انتشرت نيران الثورة لتشمل مساحات اكبر وجماهير اوسع. بل ان انتقال التيار الصدري الى مواقع الثورة المضادة، زاد من نقمة الجماهير عليه. ولا اجازف اذا قلت بان القسم الاعظم من الناس المخدوعة بمقتدى الصدر سينفضون عنه عاجلا ام اجلا.
اما ما اشيع حول اتفاق بين الكاظمي ووفد من الثوار تضمن خمسة نقاط تصب في صالح حكومته، فهذا محض افتراء. فلقد سبق لهؤلاء الاشرار القيام بمثل هذه المحاولات الفاشلة. ومنها ما قام به رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وبرهم صالح رئيس الجمهورية. ولا نزال نذكر كيف استضاف الحلبوسي مائة من الثوار وناقش طلباتهم على الهواء مباشرة، وكيف افتضح امر هؤلاء المائة في اليوم نفسه، مثلما نذكر المحاولة الاخرى الباهتة لبرهم صالح والتي كانت مفضوحة اكثر من مسرحية الحلبوسي. وكان اخر هذه الفضائح دعوة الكاظمي لتشكيل مجلس شبابي من الثوار يقف الى جانبه. ولقد فضح الثوار هذه المحاولات واصدروا بيانات واضحة نشرت في ساحات التحرير وعلى موقع الثورة الالكتروني، كذبت كل من ادعى بانه ممثل عن الثورة، او فاوض باسمها. وقالوا ان دماء الشهداء غير قابلة للتفاوض. ولا يغير من هذه الحقيقة سقوط ناشطين لا يتعدون اصابع اليد الواحدة في حضن الكاظمي او القبول بمكتسبات فردية. حيث قدمت لنا ثورات الشعوب نماذج من هؤلاء الوصوليين والانتهازيين. وبالتالي يمكن القول وبالدليل القاطع، بان هذه المحاولات البائسة لم تضر بالثورة كما تخيلوا، وانما العكس صحيح تماما. حيث قدمت خدمة جليلة للثورة. فقد انهت سياسة الدجل والانتهازية. اذ لم يعد بامكان احد وضع قدما مع الحكومة، واخرى مع الثورة.
لقد اصبح الثوار على استعداد لدخول معركتهم الفاصلة في الوقت المناسب، التي لا يقبلون فيها بغير الانتصار. مثلما اصبحوا قادرين على مواجهة قوة هؤلاء الاشرار العسكرية ومليشياتهم المسلحة، تحت شعار “اما وطن او كفن”. بمعنى اخر، فان الثوار قد شطبوا من ذاكرتهم التفكير بالاستسلام او التنازل او انتهاج سياسة فن الممكن، او مقولات التصرف بالعقل وليس العواطف، او الخضوع للابتزاز بعدم تجاهل القوة الضاربة للمحتل وللحكومة العميلة. حيث اصبحت كل هذه المفاهيم والمقولات في خبر كان، لانها اصبحت تتعاكس مع ثوابت الثورة الوطنية من جهة، وقدرة الشعوب على انتزاع حقوقها مهما بلغ اعداؤها من قوة وباس من جهة اخرى. وبالتالي فان عدم فهم هذه الحقيقة سيؤدي بهؤلاء الاشرار الى حفر قبورهم بايديهم. لانهم اذا كانوا قادرين على قتل الثوار فانهم غير قادرون على قتل الثورة. ولا اذيع سرا بان الثورة لم توظف بعد كل ما لديها من مواطن القوة ومن رباط خيلها. واذا حدث وجاء اليوم الموعود فستضيق بهؤلاء الاشرار ارض العراق وسيولون الادبار هاربين كالجرذان المذعورة طلبا للنجاة بجلودهم، وان غدا لناظره قريب.