23 ديسمبر، 2024 8:30 ص

ديمقراطيتنا وموقفها من الثقافة

ديمقراطيتنا وموقفها من الثقافة

الثقافة أهم أسس بناء الإنسان والمجتمع، هذه بديهة لا جدال فيها، فهي أساس بناء المجتمعات المتحضرة التي تكفل تحقيق آدميتها وتطورها ورفاهيتها وأخيراً، انتماءها الحقيقي للبشرية، ووعي الفرد، دعامة لحضارته يحافظ عليها بوعيه وينميها ويمدها بالديمومة الازدهار.
أما نحن فالديمقراطية التي يدعيها ساستنا بالظاهر وينكرونها بالخفاء، مثيرة للشفقة، فهي وسط شد وجذب بين فكرهم الضبابي الذي شوه ما تبقى لنا من وجه الثقافة، من جهة، وما تمليه الديمقراطية التي ننشدها من مبادئ وقيم تستند أولاً على وعي الإنسان وحريته وحرية فكره من جهة أخرى، وبين هذا وذاك باتت الديمقراطية تطل علينا خجولة مرتابة.
 وكثيرة هي الظواهر التي تؤكد ما نقوله، وأبسط مثال على ذلك، ثقافتنا وما تعانيه من إهمال وتهميش، فالمثقف العراقي يمتلك مشاريع النهوض بثقافتنا الأصيلة النابعة من واقعنا وتاريخنا، ولكنه يصطدم بالدولة وتشريعاتها والحكومة وتوجهاتها التي ليس في حساباتها الثقافة فهي تمتنع عن مد يد العون المادي والمعنوي لهذه المشاريع انطلاقاً من فكرها السياسي كما قلنا، الذي يعتبر بعضاً من الثقافة والفنون من المحرمات، والبعض الآخر مفسدة للمرء والمجتمع، ويعد الإنفاق عليها هدراً للمال، حتى بتنا نرى المثقف بمحاولاته كما لو يحرث في البحر.
بلدنا زاخر بكوادر تمتلك قدرات هائلة على العمل الجاد والمثمر في إحياء ثقافتنا، أدباء مبدعون في الرواية والقصة والمسرح وكتاب مجتهدون في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع وفنانون تشكيليون وموسيقيون وسينمائيون ومسرحيون وفنانو دراما وفطاحل في البحث العلمي وباحثون ودارسون في كافة مجالات الحياة، قدرات تستطيع بسهولة ويسر، إضافة إلى ثروات بلدنا الزاخرة، أن تعيد ترتيب حياتنا بما يضمن لنا الحرية والتقدم والعيش الرغيد ولكن جميع هؤلاء جهودهم معطلة بسبب الدولة، والنظام الحكومي الذي يدير ظهره للثقافة فلم يوفر إلا الإمكانات الضئيلة والاهتمام الشحيح مما جعل من هذا النظام جداراً صلداً يقف أمام محاولة انطلاق ماكنة الفكر والتغيير هذه، علما أننا بعد سقوط النظام السابق عام 2003 تفاءلنا خيراً وحسبنا ما سيأتي من الأعوام مرحلة بناء كبيرة وتحرر أكبر وتوجه عظيم للعلم والمعرفة والفنون، وحملة للتحولات الجبارة للمجتمع نحو بناء الوعي الذي يعد أساساً لكل بناء ولكن وبالرغم من مرور ما يقارب العشر سنوات على هذا السقوط لم نشهد سوى التقهقر في كافة المجالات وفي مقدمتها الثقافة.