23 ديسمبر، 2024 10:07 ص

ديمقراطية دولة الفرهود ومرجعيات الطوائف

ديمقراطية دولة الفرهود ومرجعيات الطوائف

يعلم كل أولوا الالباب وكل من له حس وطني بحده الادنى أن الباطل لا يمكن له ان ينتج إلا باطلا وأن ما بني على الخطأ لا يتمخض عنه إلا الخطايا ومن يشيد بنيانه على شفا جرف هار فلن يهوي به إلا في نار جهنم.

وهكذا شاء أعداء العراق بعد ان تبين لهم أن هذا البلد قد تجاوز كل الخطوط الحمراء التي وضعوها لمنع تقدمه وتبين لهم انه مشروع لدولة ناهضة بجهود ابنائه الأصلاء وان هذا البلد سيكون له شأن في المنطقة وسيلتحق باضطراد بمجموعة الدول النامية بفضل ما حباه الله من ثروات مادية وبشرية وتاريخ حضاري يؤهله للنهوض عند توفر الظروف الموضوعية والقيادة الوطنية، فشاء أعداءه وكل قوى الشر أن يحجّموا هذا البلد فلفّقوا الاكاذيب وجندوا العملاء والمرتزقة وكل حثالات الخيانة والإجرام ليساهموا معهم في وأد هذا الوطن الناهض وإحتلاله بصورة مباشرة ليسهل عليهم تدميره عن كثب وسرقة البلد من ابناءه الحقيقيين وتسليمه الى زمر وأحزاب وعصابات معروفة بتبعيتها المذلة لجارة السوء ولمرتزقة لا يتوانون عن تنفيذ كل مخططات الشر والحقد على هذا البلد ليقوموا بتدميره وقتل ابناءه وتقسيمه وشرذمته وإضعافه لدرجة لا يمكن بعدها ان تقوم له قائمة (بحسب ظنهم) فيطمئن هؤلاء الاعداء ويتفرغوا لسرقة ثرواته وحرمانه من كل مصادر القوة والمنعة. وبعد أن تبين لكل العالم أن مبررات هذا الاحتلال كانت أكاذيب مجردة وتلفيقات زائفة، لم يجد المحتل من مبرر له على جريمته سوى الادعاء بأنه انما احتل العراق ودمر بناه التحتية وقتل شعبه وحل دولته وجيشه لغاية واحدة هي القضاء على الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي يكون نموذجا للديمقراطية المستوردة المسلفنة (يحتذى) به في المنطقة والعالم.

وفعلا شهد العالم بأجمعه نموذج ديمقراطية الطوائف والمكونات التي أسسها المحتل وأذنابه منذ أكثر من عقد من الزمن فالشعب العراقي الواحد غدا مجرد مكونات وقوميات وطوائف، والدولة العراقية استبدلت بسلطة أحزاب لا تمت للعراق باية صلة فلا فكر سياسي لها ولا مناهج ولا برامج تنموية ولا أهداف لها سوى تخريب البلاد ونهبها وقتل ابنائها واستباحة ثرواتها تنفيذا لمشاريع اسيادها الاقليميين والدوليين، وتم حل الجيش العراقي الأصيل واستبداله بمليشيات طائفية وعنصرية بمسميات مختلفة لا علاقة لها بتشكيلات الجيش العراقي الأصلي الذي تم استبعاده وحله تمهيدا لاستباحة العراق أرضا وشعبا وثروات.

وهكذا كشفت قوى الاحتلال عن مقاصدها الدنيئة وتبين للعالم أجمع فضلا عن الواعين من العراقيين أن هذه اللعبة السياسية والديمقراطية المزعومة ما هي إلا خدعة ليسحروا بها أعين الناس فظاهرها ليس كحقيقتها فقوى الاحتلال أرادت أن تصور للعراقيين والعالم أن مجرد اجراء الانتخابات واستخدام صناديق الاقتراع المستوردة وتشكيل مفوضية (مستقلة) لإدارة هذه اللعبة سيقنع العالم بان ما شيده المحتلون في العراق هو الديمقراطية النموذج المراد نشرها في المنطقة… وفي الواقع فإن الغاية من الاحتلال وأهدافه قد تحققت بالفعل وما زال المخطط المرسوم للعراق يسير قدما كما تم تصميمه فمنذ التوجه الأول الى صناديق الاقتراع بحجة الاستفتاء على الدستور ثم فرض هذا المسخ المهلهل المطبوخ على عجل بالرغم من أن أكثر من ثلاث محافظات رفضته إلا أن الاحتلال وأعوانه تلاعبوا بالنتائج وتقرر اعتماده بعد وضع فقرة امكانية التعديل في المستقبل لإقناع الشعب بالقبول به (على علاته) على أمل أن يقوم (الخيرون) من السياسيين بتعديله عاجلا وليس آجلا… وكانت هذه أول تجربة خاضها العراقيون وخدعوا بها … فلم يتم تعديل اي فقرة من هذا الدستور لحد الان أي بعد عقد من الزمن و ثلاث دورات انتخابية… فكان الاساس الذي قامت عليه لعبة السياسة في العراق المحتل أساسا فاسدا ملغما تقسيميا مشرذِما وما تأسس على الباطل لا ينتج عنه إلا باطلا. وتحقق ذلك من الحكومات الثلاثة التي تمخضت عنها ثلاثة انتخابات كانت في حقيقتها حكومات ثلاث لحزب واحد معروف بتبعيته وعمالته وحقده على هذا البلد وشعبه، فحكومة (الدعوة) الأولى التي ترأسها (الجعفري) والتي دعت المرجعية الدينية الى انتخابها والتي كرست الطائفية وحدثت فيها فتنة تفجير مرقدي سامراء التي كادت تودي بالبلاد الى حرب أهلية تحرق الاخضر واليابس، ثم حكومة (الدعوة) الثانية التي بقيت برئاسة نفس الحزب ولكن بتغيير وجه حالك بآخر أحلك، وأيضا بدعم (مزعوم) من المرجعيات فكانت حكومة فاسدة فاشلة نشرت اللصوصية والقتل كما في (مجزرة الزركة وصولة الجرذان) وكرست التفرقة والطائفية ومزيدا من التبعية للإحتلالين، ثم أجريت الانتخابات الثالثة التي فازت بها “القائمة العراقية” ولكن مستوى التبعية الذي أوصلت اليه حكومة (الدعوة) الثانية تجاوز كل المقاييس فتعرضت (اللعبة السياسية) لضغوط خارجية من الاحتلال الامريكي وإيران ليتم مصادرة الخيار الديمقراطي وفرض سلطة (الحزب الواحد) بنفس الوجه الحالك البؤس لينتج عنها تفردا بالسلطة والقرار ومحاولة التسلط على كل المرافق الحكومية كالاجهزة الامنية والهيئات التي يفترض أن تكون أما مستقلة أو تابعة لمجلس النواب… اضافة الى ازدياد الفساد المالي والإداري والتسلط على القضاء وإفساده ثم تشكيل مليشيات (حكومية) في دولة من المفروض انها (ديمقراطية). وختمت حكومة الفشل والفساد سنواتها العجاف الاربع الماضية بشن حملة عسكرية فاشية طائفية بامتياز لإخضاع المحافظات المعتصمة المطالبة بحقوقها وحقوق كل ابناء شعب العراق بعد ان تجاوز الظلم مداه وبلغ حد اعتقال النساء وانتهاك حرماتهن إمعانا في إذلال الشعب وإخضاعه لسلطة العمالة والخيانة والتبعية المهينة وما زالت هذه الحرب الشعواء على المدنيين العزل والمهجرين جارية بابشع صورها من قصف جوي ومدفعي وبراميل متفجرة على الاحياء السكنية فكان لزاما وحتما على الغيارى من أبناء العراق أن يواجهوا هذا الاستبداد والظلم المبين والطائفية المقيتة بكل الوسائل العسكرية بعد ان فشل الخيار السلمي لأكثر من عام. فأظهرت هذه الحكومة الفاشلة المستبدة حقدا غير مسبوق على شعب العراق اضافة الى تمسكها بولاية ثالثة باستخدام كل الوسائل الغير مشروعة وأصرت على اجراء الانتخابات في مثل هذه الاجواء التي اصطنعتها لغرض استبعاد جزء كبير من ابناء الشعب المحارَب والمهجّر عن التصويت لأن أصواتهم لا تصب في مصلحة الحكام المتطلعين الى الدكتاتورية من خلال نظام ديمقراطي مزعوم وكاذب … وقد أثبتت كل أحداث هذه الانتخابات بتجاوز السلطة الفاسدة على كل الاعراف والقوانين فاستخدمت الجيش والمليشيات في اقتحام مراكز الانتخاب وسرقة صناديق الاقتراع… والتلاعب بالبطاقات الالكترونية (الزائفة) وحجز الصناديق في القواعد الجوية والمقرات العسكرية كما حصل في الأنبار حيث حجزت صناديق الاقتراع في قاعدة عين الاسد ثم نقلت الى بغداد كما نقلت صناديق (طوز خورماتو) في محافظة صلاح الدين الى محافظة اخرى … واقتحام قوات سوات لمراكز انتخابية في مدينة الصدر ونقل الصناديق الى جهة مجهولة ادعت مفوضية الانتخابات انها لم تستلمها.. اضافة الى تعطيل اجهزة البطاقة الالكترونية في كثير من المراكز الانتخابية ومنع الناخبين من التصويت بهذه الحجة … الخ ( وما خفي كان أعظم)… أفبعد كل هذه الانتهاكات والخروقات الفاضحة ما يزال البعض يأمل في انتخابات نزيهة وديمقراطية حقيقية وعملية سياسية وطنية؟!! ففاقد الشيء لا يعطيه .

ومع كل هذه العيوب وعمليات الخداع والتزييف والتضليل تؤكد المرجعية الرشيدة على أن الذين أتوا الى السلطة بإسمها وبدعواتها قد فشلوا فشلا ذريعا في ادارة البلاد ورعاية مصالح العباد وتؤكد أنها تقف على مسافة واحدة من كل القوائم الانتخابية مع ان هذا لا يعني انها تؤيد الفاشلين المفسدين وأنها (أي المرجعية الرشيدة) لا تؤيد قائمة بذاتها وتترك الخيار للشعب العراقي !! لتظهر في اليوم السابق للانتخابات (29/نيسان/2014) لتبلغ العراقيين أنها تؤيد انتخاب أحد القوائم الطائفية وتحدد القائمة باسم رئيسها … فأي خيار ترك للشعب؟ … أليس الاسلام يدعو الى الشورى ويحدد القرآن أن (أمرهم شورى بينهم) أي بين الناس فإختيار ممثلي الشعب يكون من قبل الناس انفسهم بدون اي تأثير خارجي أو اي سلطة دينية او كهنوتية…

فأية ديمقراطية هذه التي تُخرق فيها الأعراف والقوانين وتنتهك فيها المراكز الانتخابية وتستباح صناديق الاقتراع وتسقط فيها المفوضية (المستقلة) تحت تأثير السلطة التنفيذية فتستبعد من لا يروق للحاكم وتتجاوز عن كثير من الاعوان… أفبعد كل هذه الفوضى (الانتخابية) نخرج الى الشعب لنهنئه بهذه التجربة الفاسدة الفاشلة منذ بدايتها لحد الآن؟ ألا يكفي أن يكون أساس هذه العملية السياسية ودستورها فاشلا بإقرار الجميع ومع ذلك لم يتم اجراء اي تعديل عليه … ألا يكفي أن الانتخابات قد أجريت والشعب يتعرض لحرب وحشية وقصف متواصل وفياضانات الفرات تمتد لمدنه وقراه وحرائق متعمدة لزيت متسرب في دجلة، وتهجير لمئات الآلاف من ابناء العراق ومليشيات طائفية تستبيح كل الحرمات وإرهاب وتفجيرات مصطنعة وفوضى عارمة تسود البلاد، ألا يكفي كل ذلك ليشير الى زيف هذه الديمقراطية وهشاشة هذه العملية السياسية وتفاهة القائمين عليها … فعلى ما نهنئ هذا الشعب المغدور المستغفل المستباح؟

لقد أثبتت كل أحداث ما بعد الاحتلال أن الباطل قد إنكشف على حقيقته وان الخبث قد ساد وتسلط،  وناتج كل ذلك هو الفشل المريع والتخبط الواضح والفساد المستشري والدمار المتعمد … ولا سبيل لإصلاح ما ثبت فساده وخبثه إلا بتمييز الخبيث من الطيب والقضاء التام على الفاسدين بثورة شعبية يدافع فيها الطيبون عن أرضهم المستباحة ووطنهم المنتهك وسيادتهم المفقودة وكرامتهم المستهدفة ومحاسبة كل حثالات الاحتلال القادمة خلف بساطيله وأحذيته القذرة من مجرمين وفاسدين وفاشلين وعملاء ومطايا ايران جارة السوء والحقد الدفين…. فكفاكم استغفالا ابناء العراق وكفاكم تشرذما وتبعية لكل فاشل خاسر أثيم.

(لِيَمِيزَ اللّهُ الۡخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ الۡخَبِيثَ بَعۡضَهُ عَلَىَ بَعۡضٍ فَيَرۡكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجۡعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ أُوۡلَٰٓئِكَ هُمُ الۡخَاسِرُونَ…. الانفال 37)