22 نوفمبر، 2024 11:08 ص
Search
Close this search box.

ديمقراطية النخب ام رأس المال – دولة بلا رئيس

ديمقراطية النخب ام رأس المال – دولة بلا رئيس

الثقافة الالكترونية لم تعد ثقافة تقليدية جامدة او متوقفة عند اسوار التراث، انما هي ثورة شاملة للتغيير،ما كان حلما في الماضي يصبح حقيقة،كل شيء يتحرك ويعمل بالريموت كونترول اوسرعة الليزر،الشعوب والامم والحضارات والسياسة والاقتصاد والحرب تدار بسرعة الالكترون،لهذا فشل العالم في موائمة تكنولوجيا المعلومات والتقنيات والثقافة الحديثة مع المجتمعات وانظمتها السياسية التقليدية القديمة،اي فشلت ديمقراطية رأس المال في استعياب حجم المتغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في النظام العالمي الجديد اوالقرية الكونية،بل نجد ان الاحداث الدولية بعد٢٠٠٣تتصاعد بوتيرة متناقضة عدوانية وعشوائية،فالتطور والتقدم العلمي التقني المتسارع وتفاعل الشعوب والمجتمعات معها، نراه في المقابل يتراجع في اداء انظمتها السياسية(للدول الرأسمالية اوربا وامريكا واستراليا الخ.)،ازمات مالية،غلاء في المعيشة،تضاءل اوتناقص وتراجع الطبقة المتوسطة،زيادة في الضراىب على الفقراء(علما ان الفقير في القرن الواحد والعشرين لابد ان لايعرف على انه المشرد بل من يعيش على الضمان الاجتماعي وبعض الاعمال اليومية البسيطة ويمتلك بيت وسيارة واجهزة الكترونية قديمة،فقد كان للفقراء دابة وكوخ) واصحاب الدخل المتوسط،زيادة غير مسبوقة في تكاليف الخدمات الحكومية (التي بيع اغلبها للقطاع الخاص) كالبلدية والصحة والكهرباء والماء، وتسجيل السيارات،وفرض الغرامات،وتكاليف الدراسة الجامعية والحكومية)، الخ.
ديمقراطية رأس المال العلنية(اي لاتستحي على سبيل المثال الاحزاب الامريكية المتنافسة في الانتخابات الرئاسية من اعلان تجمعات وانشطة جمع اموال الحملات الانتخابية) لم تعد تناسب روح العصر ومقومات الحضارة الالكترونية،وهذه احدى نقاط ضعف النظام الديمقراطي الغربي، الذي تحول بعد القرن التاسع عشر من سلطة طبقة النبلاء والارستقراطيين (والاقطاعيين) الى النموذج الحالي(ديمقراطية الاثرياء)،لم يكن صعود بوش الابن ومن ثم ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة الامريكية محض صدفة او ضربة حظ،انما تلعب الاموال المهيمنة على الاعلام وعقول البسطاء ومؤسسات السلطة السرية لعبتها في تحقيق النصر للفوز بكرسي البيت الابيض لرئاسة الجمهورية،وكذلك نرى تخبط المجتمعات الاوربية بين اختيار الاحزاب اليمينية المتطرفة، والشخصيات السياسية الشابة،كل ذلك يعد دليل على ان نسبة وحجم الوعي السياسي لدى الشعوب الاوربية(وكذلك امريكا)في تراجع مستمر،ولعل سكوتهم الطويل وسباتهم العميق عما يجري في سوريا واليمن والعراق منذ سنوات دليل اخر على انهم غائبون عن الوعي الحضاري والثقافي والانساني الطبيعي (الذي كانوا يتغنون ويتكبرون به على بقية الامم والحضارات طويلا)، اذ لم يعد هناك وجود حقيقي للوعي الثقافي الغربي الا في أروقة الجامعات العريقة والمكتبات العامة،فالنخب الفكرية والثقافية عندهم ايضا باتت مغيبة عن محيطها المؤثرتماما كما يحصل في الشرق الاوسط،الفرق ان الحجر والحصار الثقافي الرسمي في الغرب يكون شفافا وغير مؤذي للاشخاص ،بينما في الشرق ترى النخب الفكرية التنويرية تواجه بقسوة عبر جبهتين خطرتين هي الدولة والمجتمع المتخلف،
لهذا نجد ان اعلام شبكات التواصل الاجتماعي والصحف والمدونات الالكترونية الثقافية اصبحت اكثر تأثيرا من الاعلام الرسمي او الحر التقليدي المقيد جدا ، اي عندما تقرر بعض دول اوربا ان تحجب قناة المنار ،وقناة برس نيوز الايرانية التي تبث باللغة الانكليزية وغيرها،وتلاحق صاحب كالة ويكيليكس،فهذا معناه ان الحرية الشخصية المتاحة في كل المجالات تغلق احيانا امام البوابات المعرفية والثقافية للطرف الاخر، اي المثقف المستقل او المخالف(ولايصبح عندها العالم قرية بل دول وحدود وامن قومي) ، كما نعتقد ان سلسلة القيود والمحددات والموانع ستكثر في المستقبل ،وفي مختلف دول العالم(ومن هنا نقول احيانا هل لهذا التراجع الحضاري للانظمة السياسية الديمقراطية الغربية علاقة بأحتمالية معرفتهم بقرب اندلاع حرب عالمية ثالثة،ولعل صعود تنافس الاحزاب اليمينية المتطرفة هي احدى ادواتها)…..
اذن مانود طرحه كبديل ضروري يواكب حركة التطور البشري تكنولوجيا وحضاريا ،هي نظرية ديمقراطية النخب الفكرية والعلمية والثقافية والسياسية والاكاديمية،ديمقراطية دولة بلا رئيس، انما بالتشاور والتحاور السياسي البناء،الدولة التي لاتكون فيها القرارات فردية او اعتباطية او توافقية كمايحصل في ديمقراطية العراق،انما ديمقراطية الاذكياء، واصحاب العقول الابداعية والثقافية والاكاديمية،ليس على غرار التدرج الطبقي التمييزي المقيت،وانما وفق رؤيا حماية ورعاية المصالح الوطنية العليا للدولة والمجتمع،ولهذا نقول لايجوز ان يعطي قرار الامة لعموم الشعب(حتى مع الاعتبار ان نسبة التعليم فيه تفوق نسبة٧٠%شبابه،فكيف سيكون حال البلد ان كانت اقل من النصف)،”تحت قاعدة منطقية مشهورة تقول رأي الاغلبية لايعني الصواب”،
اذا عندما تكون لاصحاب الشهادات العليا اصوات اكثر من صوت خريج الدراسة الابتدائية(ويمكن ضبط تلك الاليات في الانتخابات عبر اعطاء اوراق انتخابية ملونة، وفقا لبطاقة الناخب الذي يسجل فيها عدد الصوت المحسوب له،اي على سبيل المثال يحسب لصاحب شهادة الدكتوراة او الماجستير ثلاث اصوات للشخص المرشح، الخ)،وكذلك يمكن منع تصويت المجرمين واصحاب السوابق والاميين (ومن وجهة نظرنا من يتجاوز سن الشيخوخة او مافوق السبعين عام ايضا يمنع من التصويت ،كما يمنع حاليا في دول الغرب من قيادة السيارة دون الاختبار،حيث يمكن اختزال الخبرات بمجلس سياسي وطني اعلى يستثنى العمر منه،كمجالس الشيوخ اوالعموم وغيرها، الاسباب ليس لان اصبح الاشخاص كبار ولافاىدة منهم، انما داىما يجب ان تترك امورالدولة للطاقات الشابة، وكذلك كي تبعد الوان واشكال وصور الدكتاتورية المقنعة بلباس ديمقراطي فاضح ،كديمقراطية الكرسي المتحرك لبوتفليقة في الجزائر ،وقبلها كانت لعكازة ابو رقيبة ،الخ.)،
مع ان هذه الافكار قد لاتساعد كثيرا في مسألة بناء دولة النخب الحقيقية،الا انها حتما ستشكل انعطافة مهمة في مسار اعطاء اولوية بناء الدولة والنظام السياسية المؤسساتي للنخب المفكرة والمثقفة والاكاديمية، التي عادة ماتكون نزيهة وبعيدة عن ظاهرة الفساد وحب المال والسلطة، لرقي ثقافتها او لاعتزازها بشهاداتها العلمية وكفاءتها المفترضة نسبيا،اذ لايعد الامر منطقيا ان تخضع السلطات الدستورية الثلاث لارادة جميع طبقات وافرادالشعب،(تماما كمسألة المهندس وعامل البناء للاثنين اهمية وحاجة ضرورية، لكن تختلف واجبات كل منهما،فالمهندس يكون صاحب الفكرة والتخطيط والتأسيس، والعامل ليس سوى صاحب التنفيذ لكن تحت عين ومراقبة المهندس، هذا الفرق والاختلاف لايعد نوع من التمييز الطبقي، انما الوظيفي فقط،ولهذا قد تجد في الغرب الكثير من عمال البناء هم اصحاب شركات في المستقبل، ومنهم من يصبح من اثرياء البلد،المسألة تتعلق فقط في الوظائف والادوار ولاعلاقة لها كما يحصل في المجتمعات العربية والشرقية من انها جزء من شخصية الفرد ومكانته الاجتماعية،في الغرب الممرضين يحصلون على شهادة بكلوريوس تقترب من شهادة الطبيب،ويقوموا بعمل قد يفوق عمل واداء الكثير من اطباء الدول العربية المتكبرين)،
هذه النظرية السياسية المقترحة قد تكون فيها مساوئ معينة، لكنها حتما ستكون مزاياها اكثر،منها ماقد تسببه من اذى نفسي لبعض الاشخاص الاميين،الذين قد يشعروا ان الدولة لاتعير اية اهمية لهم،لكن من جهة اخرى يجب ان لايبقى في القرن الواحد والعشرين (وفي عصر الالكترون) اي فرد من افراد المجتمع امي اي لايقرا ولايكتب(انما لابد ان تعد جريمة فساد حكومي) ،لكن لابد ان يعرف جميع افراد المجتمع ان درجات الذكاء والطاقات والامكانات البشرية العقلية والبدنية والابداعية متفاوتة فيما بينهم،وحتى يصبح البلد ومؤسساته وثرواته والادارة والتخطيط، والإستراتيجيات التنموية ،وامنه واستقرار في اياد امينة،لابد ان يسلم زمام الامور للنخب الوطنية الكفوءة والنزيهة،عندها سيرى ان حياته وحياة اسرته ومجتمعه ،ومستقبل بلده ستصبح افضل بكثير من حياته السابقة تحت سلطة ديمقراطية راس المال….

أحدث المقالات