23 ديسمبر، 2024 5:00 م

مضى عقداً من الزمن و لا نزال نردح بكلمات و مفاهيم السياسة دون معرفة المقصود منها , او ما الذي نرجوه من تطبيقها , على الرغم من اننا نمارس هذه المفاهيم في كثير من الاحيان , سواء في حياتنا اليومية الاعتيادية , او في مناسبات اخرى , لها علاقة بمستقبل البلد و طريقة ادارته بصورة صحيحة , التي تجعل من الاماني و الاحلام التي تدور في العقول و الخواطر حقيقة نبصرها , كما حدث في البلدان المجاورة , و التي لا تزال موضع اعجاباً و احترام لما وصلت اليه من التطور و الرقي في وقتاً قياسي لم يكن لاحد ان يتوقعه , و هي لم تكن كذلك الا بعد ممارسة هذه المفاهيم بصورة صحيحة مسبوقة بالفهم السليم لما تعنيه , و من ابرز هذه المفاهيم هي الديمقراطية التي كانت سبباً في حرباً عابرة للقارات لاحتلال العراق او كما سوق لها اعلامياً تحرير العراق , و ارساء مبادئ الحرية و الديمقراطية و غيرها من مفاهيم العصر الحديث.

ببساطةً شديدة تعني الديمقراطية ” حكم الشعب لنفسه” , و لكن السؤال كيف يحكم الشعب نفسه ؟ هل يحكمها بتجمع الاف او الملايين من الشعب للتشاور في امورهم كما يحدث في الكانتونات السويسرية ؟ التي تعتبر الدولة الوحيدة في العالم في ممارستها لهذا النوع من الديمقراطية , و الذي يعرف بالديمقراطية المباشرة , بالطبع لا , فمن المحال ان يجتمع العراقيين في مكاناً عام لبحث شؤون العراق السياسية او غيرها من الشؤون , بل من المحال ان يحدث هكذا امر في اغلب دول العالم , و هو سبباً مباشراً لاستخدام الديمقراطية التمثيلة , والتي عن طريقها يلجأ الشعب لاختيار ممثلين عنه في البرلمان او مجلس النواب على اختلاف التسمية التي تطلق على هذا المجلس , و تكون وظيفة هؤلاء هو تحقيق تطلعات الشعب و السعي لتخليصه من الفقر الذي يعاني منه اغلبية الشعب او البطالة او الارهاب , عن طريق تشريع القوانين الكفيلة بأنهاء معاناة الشعب , و هو ما يحدث في العراق تماماً , و لكن بصورة شكلية بحتة , فمن المفروض ان يختار الشعب ممثليه بكل حرية و نزاهة , و هو امراً لا نراه في العراق , فالناخب يختار , و هو تحت تأثيرات كثيرة , منها ما يتعلق بالانتماء الديني او المذهبي , و منها ما يتعلق بالمال الذي يلجأ اليه الكثير من السياسيين لاغراء الفقراء من الناخبين حتى وصل الامر الى توزيع بعض الاغراض (كالمعجون و البطانيات) التي تدل على مدى الفقر الذي يعاني منه العراقيين , و هم كثر في بلداً غنياً بثرواته و خيراته , او تحت تأثر شيخ العشيرة او العائلة , و بالتالي عدم ممارسة حقه بطريقة صحيحة , و ان افترضنا انه قد مارس الديمقراطية بصورة صحيحة , و اعطى صوته الى الكفوء و المخلص , سنجد ان رغبة الشعب ستتعارض من رغبات و مصالح الدول الاقليمية التي تحيط بالعراق , و هو ما يترتب عليه اثاراً كارثية , ابرزها وصول اشخاص ليسوا على مستوى من الكفاءة الى مناصب عليا في الدولة (بصرف النظر عن سبب وصوله سواء عن طريق الممارسة الخاطئة او الظغط و التدخل الاقليمي) ,فهم في النهاية لا يتوقع منهم ان يقدموا انجازات حقيقية للعراق , او حتى من انتخبهم على اقل تقدير.

بالاضافة الى ان دور الشعب يجب ان لا ينتهي بأنتخاب ممثليه و حسب , بل يستمر دوره في مراقبتهم اثناء عملهم , فهم في النهاية يعملون لصالحه , بصرف النظر عن المحافظة او المنطقة التي انتخبتهم , و لكن في الوقت نفسه نجد في كثير من المناسبات ان الشعب قد خرج فعلاً ليعبر عن غضبه لسوء ادارة الدولة من قبل ممثليه سواء في السلطتين التنفيذية او التشريعية , خصوصاً و ان الخدمات شبة معدومة الى جانب الامن و البطالة و الفقر و غيرها من الكوارث التي مر بها العراقيين خلال عقد من الزمن , و الاغرب من ذلك نجد ان المسؤولين لا يستجيبون الى من اوصلهم الى مناصبهم , بل في بعض الاحيان يعتبرون الخروج في التظاهرات خرقاً للديمقراطية , التي تفسر حسب اهوائهم و مزاجهم و ما يتناسب مع مصالحهم و بقائهم في مناصبهم , و كانهم ينظرون الى المواطن العراقي على انه مجرد صوتاً انتخابي , و ان الديمقراطية هي الوسيلة الفعالة للحصول على هذه الاصوات , و ان هذا الشعب بأكمله لا دور له بمجرد انتهاء الانتخابات , و تبقى مسألة ادارة الدولة من اختصاصات هذا المسؤول او ذاك دون ان يكون للشعب الحق في الاعتراض على هذه الطريقة , و ان كانت تصب في مصلحة المسؤول دون المواطن , و هو ما يضعنا امام نتيجة واحدة لا بديل عنها و هي ان الديمقراطية في العراق هي ديمقراطية المسؤول وحده , او بعبارة اخرى ديمقراطية الكبار حصراً.