يفتخرُ الأميركيُّ على شعوبِ الأرضِ بأنّه يعيش في البلد الأول ديمقراطيّاً، ولا يراوده أدنى شكّ بحريته في اختيار السلطة التي تحكمه. وهو يشعر دوماً بثقة كبيرة بصفته ناخباً له القدرة على الإطاحة بالسلطة التي لا تمثلّ طموحه وآماله. في أميركا، تنال كلّ السلطات – كما يقول الدستور- شرعيتها بالاقتراع فقط. الديمقراطية، هناك، راسخة متجذرّة لها تقاليدها ولا تنالها الشبهات، وهي، إلى ذلك، مثال وقدوة ومطمح شعوب ترزح تحت نير التسلّط والفقر، لأنها توفر ما تفتقده بشدّة، الحرية والرفاه.
في أميركا جامعات رصينة يتخرّج فيها سنويّاً آلاف العلماء والمفكرين، ولديها إعلام حرّ متباهٍ بمهنيته وحرفيته ومصداقيته واستقلاله، ودستور يساوي بين جميع الأديان والمذاهب والأعراق ويعاقب مَن يخرقه بصرف النظر إن كان رئيساً أم مرؤوساً. ومع كلّ هذا وغيره، لا يحسّ الأميركي بأيّ حرج أو مهانة حين لا يرجّح صوتُه فوز مرشّح في السباق الرئاسي ما لم يمرّ عبر بوابة تل أبيب. في أميركا، يستطيع الإعلام أن يلعن ويشتم ويسخر ويحذّر من أي شيء إلاّ قتلة المسيح (ع)، ومنْ يفعل، فإنّ العداء للساميّة سيجعله منبوذاً ملاحقاً يدركه الليل مهما ظنّ أنّ المنتأى عنه واسع!!
قبل أيام زار ميت رومني المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية مدينة القدس، وقال في خطاب له هناك أنّ من الأفضل للولايات المتحدة أن تقف بجانب (إسرائيل) في كلّ ما تذهب إليه. موقف أحرج خصمه الديمقراطي باراك أوباما الذي وجد فرصته في التجديد تتقلّص وتتضاءل فدفع بـ(70) مليون دولار، من أموال دافعي الضرائب، لترسانة تل أبيب العسكرية آملاً أن يستعيد حظوة حاخامات بيدهم وحدهم تذكرة الدخول إلى البيت الأبيض. وفي حين ينسى الأميركيون دائماً أن ما من سيّد للمكتب البيضاوي، جمهورياً كان أم ديمقراطياً، إلاّ كان عبداً لتل أبيب، ما زالت السلطة الفلسطينية تمنّي الفلسطينيين باستعادة بعض وطن مغتصب عن طريق صداقة رئيس أميركي!!
دعا الشاعر الراحل نزار قباني الأميركيين، ذات مرّة، إلى طلب الانضمام للفصائل الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال الصهيوني، وتعهّد بقبول الطلب. دعاهم إلى التخلّي عن غرور كونهم أسياد العالم وقطبه الأوحد. ليس ثمة فرق كبير بين من اغتصبت أرضُه وطُرد من بلاده، وبين من يُقاد إلى الخراب.. المقاومة وحدها ستفسح المجال أمام الأميركيين لممارسة إنسانيتهم عبر خيارات مشروعة تمكّنهم من الدفاع عما فقدوه منذ زمن بعيد.
[email protected]