23 ديسمبر، 2024 5:57 ص

على المرج الأزرق مدّوا بساطهم وجلسوا ذات ظهيرة يتحاورون حول مواضيع أمسية السمر ، مجموعة من أهل الأدب  وعشّاق الحرف والكلمة ، حملوا هموم أوطانهم في وجدانهم،  ونظّمتها أقلامهم شعراً ونثراً وقصّاً ، اجتمعوا من كل حدب وصوب ، من أقطار الوطن العربي قاطبة ، ما فرّقته بينهم حدودالجغرافية ، وأيديولوجية الحكومات ، جمعهم  (مارك )عليه في سماء فضائه ، أو لعلّهم ركبوا سفينة في واسع البحار الزرقاء حيث الغرق هناك بلا إنقاذ. ولأنّهم جنس لطيف وضدّه اختلفوا على ألوان البساط ، فريق اللّطافة أصرّوا على اللون الوردي ، أمّا أهل الصلابة فيروق لهم اللون النيلي ، وانتهوا بالطبع إلى الخيار الوردي…وبالحديث عن أصناف الطعام استلذّوا واستفاضوا حتى لعقوا ريالتهم…إلى أن طرح محمود موضوع نقاش الأمسية : ” نتحدّث عن الديمقراطية”.وكأن القوم مسّهم القرح فأخرج الوجع كلَّ آهاتهم !علي : ” وهل الحروب التي تعسكر في بلادنا إلا نتيجة حتمية لفقدان الديمقراطية فيها ؟”
 محمود : ” آه  ، الديمقراطية هذا المطلب الغالي كم تتوق نفسي لرؤيته سيّداً متربعاً على عرش كلّ الحكومات العربية ، أم أننا نحن العرب قد تم تحصيننا ضده ؟!”
وتطل غالية من نافذتها ، بعد أن انتهت من أعمالها، وقد أثارها صوت رنّات التنبيه المتعاقبة التي يصدرها جوالّها مشيراً إلى دردشة قائمة .
” نتحدّث عن الديمقراطية ؟ ونسعى إليها كمطلب حلم ؟ وهل نعرفها حتى نضعها هدفاً نصب أعيننا ؟ هل خبرناها يوماً ؟كيف نمجّد ما لم نخبر ونحن بالأساس أعداء ما نجهل ؟”
علي : ” نعم لم نخبرها ، لكننا سمعنا عنها ورأينا أثرها على غيرنا، الغرب ! مااااا أسعدهم ! ليت لنا مثل ما لهم “
غالية: ” وهل كافحنا مثلهم ، هل بحثنا مثل ما بحثوا ؟هل أخلصنا مثل ما أخلصوا ؟ هل قلّبنا الديمقراطية على كلّ وجوهها وقبلنا أو عدّلنا فيها ؟”
محمود :”ما بك غالية، لم تقولين هذا ؟ هل تستكثرين على الجائع أن يحلم بكسيرات خبز يابس ؟”
غالية : ” محمود أنت قلت ( يحلم ) وهل يكفي أن يحلم الفقير بكسرة خبز حتى يشبع ؟هذا إذا سُلّمتُ معكَ أن كسرة الخبز يعرفها الفقير لذلك يحلم بها ، أمّا الديمقراطية فمااااا رأيناها قط ، كيف نحلم بها ؟”
علي :” وما التصّرف برأيك ؟ هل نرى غيرنا يتسابق إليها، ونقف نحن قابعين في عتمتنا نلعن الظلام ؟لا نرى السعادة لكننا نحلم بها،أقول لكم هيّا قوموا فالوقت يدركنا “.
غالية : لا نرى السعادة الآن لكننا رأيناها في ماضي الأيام ، بنجاح ، بولادة حياة …إلى أين نذهب ؟ هل تعلم أينها؟ أم  نسير إليها في اللّا اتجاه ؟ علينا أن نعرفها أولاً ونعرف لماذا لم تتبدَّ لنا خلال عهود منصرمة ، هل لها مقوّمات وجواذب ؟ هل هناك شروط لوصولنا إليها أو لوصولها إلينا ؟”
محمود : ” غالية ، هل لاحظتِ أنَّ القوم غادروا وكانوا قبلاً يزحمون ساحة النقاش ؟”
غالية :” لأنهم يخافون الخوض بالمواضيع الكبيرة ، ويظنّون أنها سبب بلائنا ،الكلمات الكبيرة التي تنتهي بياء النسب المشدَّدة والتاء المربوطة تشكّل عامل ذعر لمعظم العرب ، يلوح من ورائها دائماً سجون الحكام ومعتقلاتهم ، لذلك علينا مناقشة الآفات السائدة أولاً ، ثم نسعى إلى ما يتراكض إليه من سبقنا فكرياً وحضارياً “.
محمود : ” غالية ، على هذا المنوال سنقضي ما تبقّى من أعمارنا وسنتوفّى دون أن نشمّ رائحة الديمقراطية .”
غالية : ” أسألك سؤالاً ، هل تقبل بديمقراطية الرفض ؟”
محمود : ” ماذا ؟ لم أفهم “
غالية : ” الفتاة التي تُزوّج قصراً ،وإن خالفت لعنها اللاعنون واتهموها بكلّ صفات العصيان والتمرد وغضب الله عليها لأنها لا تمتثل بالطّاعة لوليّ أمرها ،المطلقة التي قالت ( لا ) ومارست حقاً شرّعه لها الشارع وإن كان أبغض الحلال ، هل يتركها الناس بحالها ؟أم أن ألسنة السوء يبدأ بلوكها ولو كانت من الصالحات ؟”
محمود :” بموضوع تزويج القاصر معك حق ، فتياتنا في بعض البلدان ما زلن كأنهن الرقيق في سوق النخاسة ، يحصد الآباء بعدها علقم الشّيح الذي زرعوه ، أمّا بالنسبة للمطلّقة ، كان عليها الصّبر من أجل الأولاد وعماد الأسرة ، وحفظ العشرة ، لأنّ في إصرارها على ( لا )  أنانية واضحة “.
غالية :” أنانية واضحة ؟! يوم جاءت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت زوجة زيد بن حارثة أو زيد بن محمد كما كانت كنيته قبل أن يحرّم الإسلام التبني ، أخبرت الرسول أنها لا تعيب فيه خلقاً قط ! لكنها لا تطيقه ، وجاء أمر طلاقها من رب العالمين بآية واضحة ، لم يسألْها الشارع عن الأولاد ، أو عن أي أمر يتعلّق بالبيت والأسرة ، هي فقط لا تطيقه وخافت على دينها ولم تشأ أن تصبر ، حق الله الذي أولاه للزوجين عند عدم تقبّل أحدهما للآخر ، هذا حق ديمقراطي رافض ، هل مجتمعنا مستعد للقبول به احتراماً للمطلقة من غير أن تلوكها الألسنة وتترصّدها الأعين ؟”
محمود : ” أذهلْتني !”
غالية : ” ابنك الذي يهوى خطّاً معيَّناً في دراسة أو عمل أو ارتباط، يخالف الخطّ الذي ترسمه له ، أفلا تقيم الدنيا وتقعدها إن قال لك ( لا) أريد غير ما تريد ؟أليست هذه ديمقراطية رفض ؟ هل تقبلها ؟ وإن قبلتها هل تقبلها برضا أم على مضض ؟!”
محمود :” أنصحه وعليه أن يقبل النصيحة “.
غالية : ” تنصحه نعم، وله أن يقبل أو لا ، ليس عليه ..الحاكم الذي يتجاوز على شعبه ، ولا يقبل إلّا ب (نعم )، أين هو من من أحد الخلفاء عندما قال : ولّيت عليكم ولست بخيركم إن أصلحت فأعينوني وإن أخطأت فقوّمونيمحمود نحن شعوب خائفة ..يحكمها العنف والإرهاب والعيب والجاهلية تهرب منها الديمقراطية ملايين …ملايين السنوات الضوئية ،، عدوّنا الخوف والجهل والفقر متى قضينا على الثلاثة ، سعت إلينا الديمقراطية تترجى منّا قبولها ….محمود …. محمود…. محمود أين أنت ؟!”