23 ديسمبر، 2024 9:09 ص

الآية لغة هي العلامة والامارة والعبرة واحيانا تأتي  بمعنى المعجزة, والى ذلك اشار الله تعالى بقوله  ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية) اي معجزة. واما مصطلح آية الله فيطلق عادة على من يصل الى درجة علمية رفيعة في الدراسات الفقهية وهي درجة الاجتهاد والذي هو استنباط الحكم الشرعي من مصادره المقررة وهي  كتاب  الله وسنة نبيه والاجماع والعقل, وذلك برد الفروع الى الاصول, ومن يقوم بذلك يسمى مجتهدا فيرجع اليه عوام الناس بالتقليد واخذ الاحكام الشرعية والفتوى. فآية الله هو المجتهد واذا ما توفرت فيه الشرائط وهي بالاضافة الى الاجتهاد , العدالة والعقل وبسط اليد يصبح حاكما شرعيا له الولاية على الامة على اختلاف في حدودها بين قائل بمحددوديتها وكونها خاصة وبين قائل باطلاقها وكونها عامة. 
وايضا يسمى الفقيه المجتهد الجامع للشرائط المتصدي للحكم والرئاسة العامة بالولي الفقيه وولي امر المسلمين والاصل في التسمية هذه قوله تعالى ( واطيعوا الله ورسوله وأولوا الامر منكم). وفي يومنا هذا تتجسد ولاية الفقيه المطلقة بشخص الامام أية الله السيد علي الخامنئي الحسيني قائد الجمهورية الاسلامية الايرانية التي يقوم نظامها السياسي على اطروحة ولاية الفقيه المطلقة. لقد نجحت الجمهورية الاسلامية في خلق ديمقراطيتها الخاصة بها, الديمقراطية التي تمزج بين ولاية الفقية كأطروحة اسلامية وبين حكم الشعب أو قل ولاية الامة على نفسها كأطروحة وضعية نتاج للتجربة البشرية فكانت نتيجة هذا المزج والموائمة بين النظرية الاسلامية (ولاية الفقيه) والنظرية الوضعية (حكم الشعب) هو ما يمكن تسميته بـ(ديمقراطية آية الله) التي لها معالمها وهويتها الخاصة .
في ايران يمارس الشعب سلطاته في الحكم من خلال الانتخابات, فحتى الولي الفقيه يخضع بشكل من الاشكال لسلطة الشعب, اذ يقوم الشعب بإنتخاب اعضاء مجلس الخبراء وهو المجلس الذي يأخذ على عاتقه البت بأهلية الولي الفقيه وله حق عزله ويتكون هذا المجلس من الفقهاء المجتهدين ينتخبون من قبل الشعب مباشرة ويراقبون عمل الولي الفقيه القائد, وعمل الفقيه ذاته يتمثل بالارشاد والتوجيه والنصح ولايتعارض والدستور, ان مجلس الخبراء يمكن تشبيهه بوجه ما بالمجمع الانتخابي في امريكا الذي  يقوم بانتخاب الرئيس مع فارق ان مجلس الخبراء يقوم بتعيين الولي الفقيه, ليس هذا فحسب بل يمارس الشعب الحكم ايضا من خلال انتخاب ممثليه في البرلمان وكذلك انتخاب ممثليه للمجالس البلدية والمحلية, وهكذا في (ديمقراطية اية الله) يكون الشعب متواجدا في جميع مفاصل صنع القرار السياسي ويمارس سلطته في مختلف المؤسسات المهمة, وكلمته هي العليا لكنها تمرعبر مؤسسات دستورية, ويصادف احيانا ان يكون اختيار الشعب غير اختيار الولي الفقيه فتكون الكلمة النهائية للشعب وما على الولي الفقيه الا القيام بدوره بالنصح وهناك شاهد تاريخي من التجربة الايرانية ذاتها وهي انتخاب الرئيس الايراني الاسبق ابو الحسن بني صدر حيث انتخبه الشعب بينما كان للامام الخميني فيه رأي اخر, وحينما سُئل رضوان الله عليه عن سبب عدم اعتراضه على بني صدر قال ان الشعب سيكشف حقيقته ولو بعد حين وهذا ما حصل بالفعل حيث اكتشف الشعب عمالة بني صدر لدوائر الاستكبار العالمي, الشاهد في هذه القصة ان الولي الفقية لم يقف حينها ضد رغبة الشعب.
ان (ديمقراطية اية الله) ديمقراطية تحتكم للشعب وللمؤسسات, فأيران بحق دولة مؤسسات, فهناك مجلس  الخبراء المعني  بمراقبة عمل  الولي  الفقيه وهو كما ذكرنا مجلس منتخب من الشعب, وهناك مجلس النواب وهو منتخب ايضا من الشعب, وهناك مؤسسة الرئاسة وهي مؤسسة تنتخب بالانتخاب المباشر من قبل الشعب وهكذا بقية الحال بالنسبة لمجالس المحافظات والبلديات التي تنتخب مباشرة من قبل  الشعب ناهيك عن مؤسسات المجتمع المدني التي  تعلب دورا كبيرا في الحياة . اضف الى ذلك ان العملية السياسية في  ايران تدار من قبل  قوى سياسية تمثل الشعب حقيقية, فالنظام الحزبي في ايران نظام ثنائي الى حد ما حيث المحافظون والاصلاحيون يتنافسون في  برامجهم الانتخابية.
 ان (ديمقراطية اية الله) هي انعاكس للحضارة الاسلامية وللعادات والتقاليد الشرقية وعلى وجه الخصوص الايرانية. ان (ديمقراطية اية الله) تقوم في جوهرها على حكم الشعب وسلطته لكنها تأخذ بنظرالاعتبار التراث القومي والديني للامة التي توجد فيها, ففي (ديمقراطية اية الله) لايمكن على سبيل المثال تشريع (الزواج المثلي) كما هو الحال في بعض الديمقراطيات الغربية التي تُشرعِن ذلك تحت يافطة الحرية الشخصية, في( ديمقراطية اية الله) تنتهي الحرية الشخصية عند تقاليد وعادات وتراث ودين المجتمع, اذ المنظومه الدينية والاخلاقية لاتسمح بتشريع قوانين تخالف الفطرة الانسانية السليمة, وعقيدة المجتمع وتقاليده, بكلمة اخرى ان (ديمقراطية اية الله) هي انعكاس لهوية المجتمع الشرقي الذي يعتز بهويته الدينية, وتقاليده وعاداته ويمارس سلطته وفقا لذلك وبتوجيه وارشاد من الولي الفقيه . 
ان (ديمقراطية اية الله) في ايران انتجت لنا سبعة رؤساء , جاؤا وذهبوا من دون مشاكل, وضربوا مثلا رائعا في التداول السلمي  للسلطة. في (ديمقراطية اية الله) لم يحدث ان اية الله الولي الفقيه ارغم الشعب على انتخاب مرشح بعينه,بل وقف من الجميع موقف الوسيط يرعاهم برعايته, ويبارك عملهم, ويسدد خطواتهم ويقدم لهم النصح. وفي هذه الديمقراطية حظوظ ابن الفلاح والفقير في ان يصبح رئيسا مثل  حظوظ ابن التاجر والغني,والكل ينطلق من خدمة الامة وخدمة المصالح العليا للبلد على قاعدة (خير الناس من نفع الناس). في ديمقراطية الولي الفقية من ينتخب هو الشعب نساءا ً ورجالا, وليس اللوبيات ولاالكارتديلات التي توصل المرشحين الذين يخدمون مصالحها حتى وان كانت تلك المصالح لاتتماشى مع ارادة الشعب ومصلحته .
اخيراً في (ديمقراطية اية الله) المؤسسات الدستورية المنتخبة شعبيا باقية بينما الاشخاص يجيؤون ويذهبون مصداقا لقوله تعالى (ما ننسخ من اية او ننسها نأتي بأحسن منها او مثلها). انها ديمقراطية الشرق-اسلامية التي من حقنا جميعا ان نفتخر بها حتى وان اختلفنا معها. انها تجربة رائدة تستحق منا التوقف عندها.
[email protected]