23 ديسمبر، 2024 2:22 ص

ديماغوجية النبلاء

ديماغوجية النبلاء

في الخمسينات من القرن الماضي، كان العراق يصدر الفائض من محصولي الحنطة والشعير إلى الخارج..وفي الستينات من نفس القرن ، كان العراق يصدر الطاقة الكهربائية إلى تركيا !!
تصوروا رعاكم الله، ذلك البلد الأوربي، كان يستورد الكهرباء من العراق..
ومنذ وعينا في الحياة، ونحن نرى الوطن عبارة عن كنز من طبقات ثلاث .. الطبقة الأولى تحتوي الثروة الزراعية بأنواعها  ونهرين كبيرين  من بين ستة انهار عظيمة على سطح الكرة الأرضية .. وطبيعة جغرافية  تنوعت تضاريسها بين الجبال والسهول والاهوار ، حتى أصبح الوطن محطة العلماء والباحثين على امتداد العصور ..
والطبقة الوسطى من كنز العراق، هي الثروة  داخل الأرض من معادن ثمينة ..يكفي ان تكون أغنى مدينة  في العالم اجمع، هي مدينة العمارة جنوب العراق لما تحتويه أهوارها من معدن الزئبق الاحمر .. كذلك الفوسفات والكبريت في شمال وغرب العراق ..
والطبقة الاخيرة من الكنز، هي البترول، حيث الوطن يطفو على بحيرة من النفط .
هكذا هي ارض العراق .. خيرات لا حدود لها من فضل الله .
وفي التاريخ، نجد للعراق دورا” مهما” في نشوء المدنية بالعصر الحديث.. فكان نور العلم يشع من ارض الرافدين …
ولكن، رغم كل هذه الخيرات واالمزايا ، التي يفترض ان تكون سببا” لرفاهية الفرد  والمجتمع العراقي و رخائه وتطوره وازدهاره، إلا اننا نجد البلد  لم يهدأ ويستقر بشكل كامل، والأجيال العراقية عاشت اغلب سنوات عمرها بين الحروب والفتن و الققر والجهل والتخلف مما جعل البؤس عنوان الانسان العراقي أينما توجه ..وصار موضع شفقة وعطف الشعوب المحيطة به
.. صار ينطبق علينا بيت الشعر القائل
(العيس في الصحراء يقتلها الظمأ .. والماء فوق ظهورها محمول) 
ترى ما لسبب ؟
هل الانسان العراقي يعاني من نقص في تركيبة جينات الذكاء في عقله ؟؟
هل الانسان العراقي يفتقر الى البصيرة ولا يفقه الدروس والتجارب من حوله ؟؟
هل الانسان يتميز بالحماقة مما يفقده الرشاد في سلوكه العام !!
الاحصائيات والدراسات العلمية تشير عكس ذلك
فالانسان العراقي له القدرة على التعلم بسرعة
وعلى مر التاريخ نشأ وترعرع علماء عراقيون تقدموا في مختلف العلوم وتصدروا قائمة المبدعين في العالم ..
وفي الجانب الانساني برز لدينا ادباء وشعراء، تركوا بصماتهم في مختلف الفنون الانسانية ..
وتشهد لنا مدن العالم بالشرق والغرب، حيث لا تجد مدينة عظمى إلا وفيها عالم او اكثر من نوابغ العراق في مجال من علوم الحياة ..
اذن .. وطن يزدهر بالخيرات وشعب يزهو بالأمجاد ويفخر بعمالقة الابداع ، كيف له ان يحيا في بؤس وشقاء !!
وللإجابة على هذا السؤال .. نتأمل طبيعة المجتمع العراقي .. سوف نجد من صفاته الكرم والشجاعة والطيبة ..
الطيبة كالسكر في كوب الشاي .. اذا زادت كمية السكر، لم يعد للشاي  طعم مستساغ  .. كذلك الطيبة حين تزيد  عن حدودها الطبيعية ، عندها تتحول  الطيبة الى سذاجة !!
وهكذا مشكلة المجتمع العراقي انه عاطفي جدا”، والعاطفة ليست حالة سلبية في حد ذاتها بالعكس ، لكن  الطيبة المفرطة هي التي تجعل النسبة الكبيرة من  الشعب  يصدق كل ما يقال ويندفع خلف عواطفه  ويتوهم ان ما يقال هو اليقين ولا يحتمل الباطل ..
وهكذا نجد الشعب في الانتخابات الممسرحة  الثانية، ورغم خذلان الحكومة وفشلها في تحقيق الحد الادنى من الوعود التي سبق وان اطلقوها للحصول على اصوات الجماهير، ورغم الفضائح الكبيرة والسرقات والنتائج المروعة التي وصل اليها الشعب من فقر وتخلف وبطالة وأمراض خطيرة وفقدان امن وفرق موت وارهاب وقاعدة  تصول وتجول في العرض والطول تحت مرأى الحكومة، إلا ان الجماهير (اغلبها) عادت مرة اخرى لتنتخب ذات الشخصيات الفاشلة ..!!!
اذن ، نحن بحاجة الى حملات توعية وتعبئة فكرية للجماهير والتنبيه لحقيقة الخطر المحدق بهم .. وهذا الأمر يتطلب جهودا كبيرة من كل الوطنيين المخلصين لكسر حاجز البساطة في التفكير والخروج من دائرة السذاجة التي حرص النظام الى استغفال الشعب البسيط في ما يسمى بالمصطلح السياسي (الديماغوجية) .. هذه المسئولية نتحملها جميعا” فالعراق عراقنا والشعب شعبنا  والواجب يحتم علينا النهوض بهذا الواجب فليس هناك من يحرص على الوطن اكثر من ابنائه الغيارى
نحن بحاجة الى إعادة مجد العراق من خلال النهوض بالطاقات الجبارة التي يزدهر بها  وتسخيرها لإعادة بناء المجتمع واللحاق بقطار الدول المتقدمة وهذا لن يتم إلا بعد التحرر من التبعية العمياء وشحذ البصيرة والتفكر بما هو يليق بالعراق الجميل  ..