بعد ان انتهى كولومبس من اكتشاف اميركا،عقد الاسبان جلسة وكان كولومبس حاضراً فيها ، فقالوا له : ان ما عملته هو شيء بسيط جداً، فسألهم : كيف؟ فقالوا له :
إنَّ هذا الأمر بإمكان اي شخص القيام به ، وبما ان كولومبس من ايطاليا (جنوا) ، وهم اسبان ، فقد حدثت بينهم غيرة او نوع من الحساسية، فقال لهم : كما ترون ، ثم طلب منهم ان يعطوه بيضة، ومن ثم طلب منهم ان يعملوا على ايقاف البيضة على نهايتها الصغرى، شرط ان لا يستعملوا الملح ولا الخبز المجروش، عليهم فقد ان يعتمدوا على البيضة في ايقافها، فراحوا يعملون واحداً تلو الآخرعلى ان يوقفوا البيضة فلم يستطيعوا، وحين عجزوا عن ذلك، اخذ كولومبس البيضة وضرب نهايتها على المائدة فأنكسرت فوقفت ، فقال لهم : الان.. انظروا ماالذي حدثَ ، فالذي تقولون عنه انه شيء بسيط جداً، انا الذي فتحت الطريق اليه، وهو مثل البيضة اذ انكم لم تستطيعوا ان تفعلوا معها شيئاً ؛
وهذا هو شأن ( البعض ) من المتشاعرين الذين لانتوانى عن تسميتهم بـ ( ديكة قصيدة النثر)
حيث انهم مافتئوا يتبجحون ويدّعون بأنهم قد قاموا بفتوحات في
قصيدة النثر من حيث تطويرها وتجديدها وجعلها مغايرة لكل انماط الكتابة الشعرية ؛ وإنهم قد تفوّقوا على رواد هذه القصيدة وعلى الشعراء الاخرين الذين جاءوا بعد جيل الرواد ؛ وإن نصوصهم تختلف اختلافاً كلياً في بنيتها النصية عن نصوص سابقيهم وغيرها من الادعاءات والتبجحات .
ولكننا لو استقرأنا نصوصهم وتقولاتهم وتنظيراتهم فسنرى في حقيقة الأمر أنهم لم يفعلوا سوى تفاصيل قليلة وبسيطة تغلب عليها الصفة الشكلانية ناهيك عن التهويمات المبهمة والغموض المجاني ؛ وهم بهذا على العكس مما يدّعون ؛ فقد اساؤا من حيث يدرون او لايدرون لمنجز قصيدة النثر الذي قام به حشد من الشعراء الحقيقيين الذين غرسوا بذور تأسيس هذه القصيدة .
وقد كان الشاعر فاضل العزاوي قد حذّر مبكراً من الخطر الذي تتعرض له قصيدة النثر ؛ حيث قال
( القصيدة المكتوبة نثراً ( …. ) تقوم على الصوت الشخصي وتتطلب الابتكار ولا تملك سوى إيقاعها الخاص بها والذي يخلقه الشاعر في كل مرة من جديد. ومع ذلك بدا لي أن ثمة خطراً يهدّد هذه القصيدة، وهو خطر يتعلق بالقدرة على خلق الإيقاع الضروري في القصيدة والإفلات من إغراء الاستسهال الذي حول الكثير من القصائد النثرية التي تكتب الآن إلى ما يشبه الخاطرة القائمة في الأغلب على المناجاة الذاتية والمونولوغ الإنشائي والافتقار إلى وحدة القصيدة. إن كثيراً من قصائد النثر التي تكتب في هذه الأيام تشبه القصيدة العمودية القائمة على وحدة البيت لا وحدة القصيدة، حيث لا يكاد يوجد ما يشد أبياتها أو أجزاءها إلى بعضها.)
لذا فإننا اذا حاولنا ان نتأمل واقع قصيدة النثر الآن ؛ فإننا اذا مااستثنينا بعض التجارب والاسماء الجادة والحقيقية في اشتغالها على هذه القصيدة
فإننا سنلاحظ ان هناك غياباً لافتاً للنوع وسيادة كم هائل مما هو غثٌّ وانشائي وسطحي يقئ ويقوقئ به
ممن يمكننا ان نطلق عليهم ( ديكة قصيدة النثر ) الذين يملأون فضاءاتنا وأوساطنا الثقافية بضجيجهم الفارغ .