الكل يعلم ان الوضع في العراق قد وصل الى مرحلة صعبة جدا قد يعقبها تحول خطير لا يعلم تفاصيله الا الله، والكل يعلم ايضا انه لابد من صحوة سريعة وشاملة تحمل معالجات حقيقية تغير الاتجاه نحو جادة الصواب قبل ان نصل لتلك النقطة الحرجة.
فعلى مدى السنوات ال12 الماضية انحدر العراق الى مستويات غير مسبوقة، وتعرض شعبه لاكبر كارثة على المستوى الانساني والوطني والخدمي والاجتماعي لا بل وحتى الديني، فقد تراكمت الازمات الواحدة تلو الاخرى دون حلول، وتراجعت نسبة الامن بشكل كبير كما ان حجم الفساد وصل الى مستويات نخرت جسد الدولة واكلت الاقتصاد العراقي بنهم، في حين لم يشهد اي قطاع من قطاعات الخدمات تطورا ملحوظا، لابل انحدر مستوى تقديم الخدمة للمواطن الى مراحل كارثية.
مشاكل البلد لم تتوقف عند هذا الحد!!، فقد اسهم سوء الادارة والتقدير الخاطئ والمحاصصة والتخندق الطائفي وتعميق الخلافات الداخلية على مدى تلك السنوات، الى نتيجة مخيفة وهي تنامي ظهور قوى الارهاب والتطرف، والتي مكنتها هذه الفوضى الى احتلال ثلث مساحة العراق، ونزوح اكثر من ثلاثة ملايين عراقي، فضلا عن انهيار في البنى التحتية للجيش وفقدان تام للثقة بين المراجع السياسية والمجتمعية، وظهور نموذج دولة ارهابية مخيفة داخل الدولة، سيطرت على مناطق مهمة من البلد.
كما ان تلك الاسباب اسهمت في تنامي ظاهرة المليشيات المسلحة، فتصاعدت على يدها عمليات القتل والتهجير والخطف والابتزاز وترويع الناس. والمشكلة الاكبر من ذلك ان معظم هذه المليشيات كانت مدعومة من شخصيات بارزة في الدولة وهذا ما مكنها على مدى تلك الفترة من التمدد والتوسع والتأثير بشكل كبير دون محاسبة او رادع..
فالمليشيات والارهاب كانا سببا في تمزيق النسيج الاجتماعي للبلد، وهي التي اسهمت في خلق شرخ واسع في وحدته الوطنية، وفي كافة محافظاته ومدنه وقصباته وحتى اريافه وبداوته، ولعل محافظة ديالى كان لها نصيب الاسد من ذلك الكابوس المخيف.
وعلى الرغم من ان العراق وصل الى النقطة الحرجة، الا انه ربما وصل ايضا الى مرحلة الصحوة، فقد اورد لي احد المطلعين على المشهد السياسي ان كواليس السياسة شهدت خلال الاسبوع المنصرم اجتماعات مكثفة بين قيادات مهمة في ديالى سنية وشيعية من اجل التواصل الى حلول ناجعة لكل تلك المشاكل.
وقال: ان ابرز ما طرح هو التفاهم حول تقاسم السلطة في المحافظة وعودة نازحيها والاتفاق على مرحلة جديدة من التعاون من اجل مكافحة الارهاب والحد من خطر المليشيات، وكذلك وضع خطط جديدة للواقع الامني، وحل كل المشاكل العالقة، وتكليف شخصيات عشائرية من كل الاطراف بتبني مرحلة جديدة من التصالح وانهاء الخصومات.
والافضل من هذا كله ان هذه الاتفاقات ستكون بغطاء قانوني يشرع في مجلس النواب بعد الوصول الى صيغة نهائية، وستتبنى غالبية الكتل دعمها ليصل الى مرحلة التشريع.
اعتقد ان الحل يكمن في مثل هذه التحركات المباركة، فلابد من المبادرة والحوار، فطرح المشكلة وتفاصيلها والبحث عن حل ناجع خير من التنابز الاعلامي والتغني بالمظلومية عبر وسائل الاعلام دون تقديم حل يفضي الى انهائها بشكل كامل.
ولعل هذه المبادرة تكون نموذجا حيا يمكن تعميمه الى المحافظات الاخرى اذا ما وجد طريقه نحو النور، وهذا ما يتمناه العراقيين جميعا دون استثناء.