22 ديسمبر، 2024 6:19 م

دوّامات (تحرير العراق) وحكومة الكاظمي!

دوّامات (تحرير العراق) وحكومة الكاظمي!

تُعرّف الدوّامة، بأنّها (حركة لولبيّة لسائل ضمن منطقة محدودة خاصّة، كمِّيّة من الماء أو الهواء، وتبتلع كلّ ما هو قريب منها نحو المركز).
وهنالك العديد من أنواع الدُوَّام، أو الدُوَّامات، ومنها الدوّامة: البحريّة، والقطبيّة، والترابيّة، والهوائيّة، والاضطرابيّة، والمحلّيّة، والحُرّة، والطوقيّة، والمغناطيسيّة وغيرها، ولكلّ نوع تعريفه الخاصّ بحسب العلم المتعلّق به، لكنّها في الأصل تدخل، جميعها، ضمن التعريف المتقدّم.
ويستخدم مصطلح (الدوّامة) في الحالات غير المستقرّة، التي تسبّب القلق والاضطراب، وبالذات في العلوم الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة، ولهذا يقال: دوّامة الأسعار والتكاليف، وفلان في دوّامة: أي في مشاكل مركبة، وهكذا.
وفي يوم التاسع من نيسان/ أبريل 2003 أعلنت القوّات الأجنبيّة سيطرتها التامّة على العراق، ودخلت البلاد في مرحلة الاحتلال و(الصدمة العامّة)!
وبعد عام تقريباً تمّ ترتيب مجلس الحكم، ثمّ العمليّة السياسيّة الحاليّة، ولكن، ومع كلّ أنواع الدعم الخارجيّ، والإمكانيات الداخليّة الهائلة ظلّ العراق يدور في (دوّامات التحرير)، أو (دوّامات العمليّة السياسيّة)!
ومن يومها تنوّعت دوّامات الدولة العراقيّة ما بين الدستوريّة والقانونيّة والبرلمانيّة والتنفيذيّة، والغريب أنّ ذات الحال غير الصحّيّ يتكرّر حتّى الآن وبشكل سلس، وأنّ ذات القيادات مستمرّة في مناصبها الكبيرة، أو في أفضل الأحوال، في حال فشلهم المدوّي، يسلّمون تلك المناصب لشخصيّات تابعة لهم!
وفي آذار/ مارس 2006 كتبت مقالاً في إحدى الصحف العربيّة بعنوان (برلمان القتل الجماعيّ للمدنيّين)، ذكرت فيه” العراقيّون لا يصدّقون أكذوبة أنّ البرلمان الجديد سيكون عصى موسى التي تنقل العراق من وضعه المتدهور إلى حال أفضل، لأنّ بعض المشاركين في العمليّة السياسيّة يحرّكون العصابات الرسميّة المختلفة التي تقتل أبناء العراق الأبرياء”!
واليوم، وبعد 17 عاماً، نحن أمام عمليّة سياسيّة فشلت باعتراف بعض المشاركين فيها في إيصال البلاد إلى مرحلة بناء الدولة والخروج من الخنادق الطائفيّة والمذهبيّة والقوميّة، وحتّى الحزبيّة والعشائريّة.
وصرنا أمام نظام برلمانيّ وضع على ذات الأسس الهشّة، ولا يمكن القول إنّه يمثّل المجتمع العراقيّ!
وكذلك نظام قضائيّ، في غالبه العامّ، (مسيّس)!
ومع كلّ هذه الكوارث تعاني البلاد أيضاً من أمن مفقود، وسلاح خارج إطار الدولة، وميزانيّات منهوبة، وديون خارجيّة، وفساد ماليّ وإداريّ وصل لمراحل المشاريع الوهميّة، والموظّفين الوهميّين، ولم يبن أيّ مشروع يذكر في القطاعات الصناعيّة أو الزراعيّة، أو النفطيّة، أو الصحّيّة، أو التعليميّة، ونتيجة لذلك نجد أنّ غالبيّة المواطنين في ظروف حياتيّة سيِّئة للغاية!
دوّامات متداخلة جميعها تؤكّد أنّ القادم مجهول وغير واضح المعالم!
ومن أبرز الدوّامات في العراق اليوم:
دوّامة التناحر السياسيّ: والذي يبرز اليوم في أنصع صوره عبر الصراع على منصب رئيس الوزراء، وسبق أن ذكرنا الأسبوع الماضي أنّ كلّ المعطيات تؤكّد أنّ المكلّف عدنان الزرفي لن يمرّ عبر بوّابة البرلمان، وفعلاً قدّم الزرفي اعتذاره عن المهمّة صباح أمس الخميس، ومباشرة تمّ تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الوزارة، ولا ندري ما مصيره بعد 30 يوماً؟
دوّامة التجارة السياسيّة: وهذه من السمات البارزة للنظام السياسيّ العراقيّ، حيث صارت الوزارات والمناصب عبارة عن مقار وأدوات للبيع والشراء، وتبدأ الصفقات من مرحلة تشكيل الحكومة مروراً بالبرلمان وصولاً لمرحلة جني الثمار، وهي لحظة استلام المنصب، حيث تكون غالبيّة حصّة الوزارة من الموازنة قد قُسّمت سلفاً، وبالنتيجة لا يمكن تقديم أيّ خدمات للمواطنين!
دوّامة الولاء الوطنيّ: وهذه من أكثر الدوّامات تأثيراً لأنّها تسحق الوطن والإنسان معاً، وخسائرها ليست مادّيّة، بل خسائر استراتيجيّة، تضيع فيها قيمة الوطن وأهمّيّته في مقاييس أصحاب الولاءات والمشاريع الخارجيّة.
دوّامة مسك الأرض: وهذه من أهمّ أسباب ضياع الدولة العراقيّة، حيث تتصارع العديد من القوى الرسميّة وغير الرسميّة على بسط نفوذها الضامن لمصالحها ومشاريعها، وعليه، هل العراق يُقاد من قبل رئيس الوزراء ومجلس النوّاب، أم من المليشيات التي سحقت هيبة الدولة والنظام وحتّى الانتماء للوطن؟
هذه الدوّامات وغيرها تنخر جسد العراق، وتضرب أعماقه في كلّ ساعة، ولا ندري متى، وكيف سيخرج منها؟
وسط هذه الدوّامات القاتلة تمّ تكليف الكاظمي لتشكيل الحكومة، فهل سينجح في تخليص العراق، كما وعد في خطاب التكليف، أم أنّنا بانتظار دوّامات جديدة ساحقة؟