18 ديسمبر، 2024 7:20 م

بدأت وسائل الاعلام و مراكز صنع القرار تمطرنا بمشاريع و توقعات لمصير الموصل و الذي يمثل مصير المنطقة بشكل عام مع فارق بسيط.
هناك كثير من المؤشرات تخبرنا أن المنطقة بشكل عام لن تبقى على ما كانت عليه، حتى لو بقيت من الناحية الادارية كبلد واحد.
سياسي الحكومة المحلية في الموصل ومصالحهم تجذب المنطقة الى توافقات تضمن لهم البقاء في السلطة على حساب تنازلات ادارية لأقليم كردستان من جهة و لأجندات اجنبية من جهة أخرى، يقف أمام هذا التيار سياسي فترة المالكي الذين يريدون العودة بالعراق الى المربع الاول، و من جهة أخرى يريد أقليم كردستان ضمان مصالحه في المناطق المحررة التي تأخذ المنطقة باتجاه الاستفتاء. الصراع الآخر هو بين حدود المركزية و صلاحيات أقليم الموصل كل المشاريع المطروحة لأقليم الموصل تصب في اتجاه واحد مفاده أقليم بعدة محافظات. طرحت في البداية على لسان الكثير من السياسيين و المؤرخين حيث وصفوا التقسيم بأنه (بعيد عن العنصرية و الطائفية و هو بالشكل التالي سنجار لليزيدية و سهل نينوى للمسيحيين و مخمور للأكراد و تلك للتركمان و جنوب الموصل للعرب). في الأيام الاخيرة تغير الخطاب وبدأ الحديث فقط عن التقسيمات الادارية، مع التركيز على خصوصية الموصل و أنهم مستعدين للدفاع عنها بقتال الاطراف الغير مرغوب بهم من القوات التي ستشارك في التحرير. هذا الخطاب السياسي لا يختلف ابدا عن التحريض السابق ضد الاكراد في الانتخابات الاولى و ضد المركز في الانتخابات الثانية.
هناك حقيقة يجب أن تكون واضحة لجميع الاطراف وهي ” أنه لا يوجد خيار استراتيجي على المدى القريب أو حل سحري لهذه الازمة الايديولوجية” . السياسين العراقيين فوتوا العديد من فرص التقارب، وتسببوا في تقطيع اوصال النسيج العراقي حتى أصبح من الصعب رتقه نتيجة للأخطاء الفادحة التي ارتكبت من كافة الاطياف.
فكرة الاقليم او الاقاليم ليست فكرة جيدة وهنالك العديد من التجارب العالمية التي تم استخدام هذه المشاريع فيها. حالة العراق حالة مختلفة حيث أن سوء الظن و عدم الثقة بين المكونات أدت بالتفكير بمشاريع تفتيت و ليست ادارة مشتركة، وهذه النتيجة هي صناعة عراقية محلية، ابتعد السياسيون العراقيون أميالا عن مشروع تقسيم بايدن، أصبح السياسيون العراقيين أمريكيين أكثر من الامريكان أنفسهم. فكرة الاقاليم تستخدم عندما تكون هناك صراعات اثنية أو عرقية لتصل بالاطراف المتصراعة الى مائدة حوار دائرية يدار الحوار بينهم من قبل طرف محايد.
في كل تجارب التقسيم السابقة ووفقا لكثير من الدراسات التي بحثت في تأثيرات الصراع الاثني بين الاثنيات المختلفة ” باللغة، الدين أو التاريخ” على مرحلة ما بعد الصراع، تفيد هذه الدراسات بأن العلاقة المستقبلية بين هذه الاطياف بقيت تتسم بسوء الظن و عدم الثقة و كانت سببا لأندلاع خلافات اثنية جديدة لسبب أو لآخر تتفاوت درجة الخلاف من منطقة الى منطقة وفقا لايديولوجية البلد و ثقافته. الاشكالية الاكبر هي عندما تكون الحكومة جزء من هذا الصراع مما يدفع كل فرد الى الانتقال الى منطقته العرقية و الامثلة كثيرة على ذلك من البلقان الى اليمن و السودان و القائمة طويلة.
منطقة الموصل مثال نموذجي لهذا التقسيم الذي سينهي التعايش المشترك، وضع محافظات كما هو مخطط سيؤدي الى انتقال اليزيديين الى سنجار و المسيحيين الى سهل نينوى الخ، هذا الأمر سيؤدي الى تقويض العلاقات المستقبلية في وضع التجاذبات المحلية من جهة و الاقليمية من جهة أخرى و المصالح العالمية من جهة أخرى.
” يصعب على الاطراف التي تصارعت في السابق أن تبدأ بالتعامل مع بعضها، خصوصا عندما تكون صورة العداء لا تزال واضحة. هذا الأمر يؤدي الى طول و صعوبة أجراءات السلام بين الاطراف التي قتلت من بعضها البعض و عليهم الآن التعامل مع بعضهم البعض (Horowitz, 1985; Kaufmann, 1996).
الحل بعد داعش
داعش ليش ظاهرة عابرة ليس خسوفا أو كسوفا، بل ايديولوجية ترتكز على الدمار، لا توجد ايديولوجية تقتل بالسلاح. لا ينهي ايديولوجية أو حالة غوغائية الا حالة عقلانية. اعادة اعمار البلاد سيتكفل بها من قصف و دمر فالدمار مدفوع الثمن و إعادة البناء مدفوعة الثمن، الاشكالية تكمن في استقرار البلد الذي بات بحاجة ماسة الى مشروع ايديولوجي يجمع جميع الاطراف، على لغة حوار مشترك و توافقات يسهل العيش معها.
أما لو تم تقسيم الموصل بهذه الطريقة التي وصفت فستلحق بها كردستان باقليمين على الاقل هما صورانسان و بهدنانستان و تكون اربيل مدينة عالمية مستقلة كما وصف دايتون القدس و كما وصف بايدن بغداد في مشروعه ، و إقليم البصرة سيكون من بين محافظاته ، محافظة الفاو و الزبير و أم قصر، و لن تسلم بقية المحافظات الجنوبية آنذاك سيتم تقسيم الارض وفقا للخريطة السياسية لأحزاب المنطقة، كحكيمستان، و صدرستان، و لا أستبعد مالكيستان، علاويستان و نجيفيستان و الكثير من “الستانات” تقف في الطابور.
بدون مشروع ايديولوجي يؤمن بالفكر قبل السلاح و العتاد، سيبقى العراق هو الخاسر الأكبر.