نتيجة الغزو الامريكي للعراق عام 2003 توجهت البلاد نحو نظام طائفي عرقي .
رغم ان الهدف المعلن للدولة هو عراق ديمقراطي ليبرالي ، الا ان واقع الحال اخذ يتجه باستمرار نحو ديكتاتورية الاحزاب الطائفية والعرقية . حيث لم يرث العراق تجربة ديموقراطية ، بعد سنوات من الحكم العسكري او شبه العسكري .
ولم تكن لدى الاحزاب القادمة مع المحتل الامريكي اي منهج سياسي في كيفية إدارة الدولة ، ولم يكن لدى قادتها اي فهم مؤسسي للنظام السياسي .
لم تظهر أحزاب ليبرالية فيما يُعرف بالعملية السياسية ، وبدلاً من ذلك ، سيطرت الأحزاب والكتل الطائفية والعرقية على الساحة السياسية في العراق ، وارتكز نظام الحكم على المحاصصة وتوزيع الوزارات ومؤسسات الدولة بين الاحزاب والكتل ، وبدلا من اعادة الاعمار بعد سنوات طويلة من الحروب والحصار ، جرى على نطاق واسع نهب موارد الدولة المختلفة.
ونتيجة لكل ذلك أصبحت الدولة العراقية هشة للغاية فانتشرت الفوضى لغياب القانون ، وزيادة نفوذ الفصائل المسلحة التابعة للاحزاب الحاكمة .
الاحزاب والدولة
بعد سنوات من سقوط نظام الحزب الواحد ، تم تسجيل أكثر من 200 حزبا سياسيا . ولكن الذين يمسكون السلطة الفعلية عدد قليل من الاحزاب والكتل الفاعلة تدعمها ميليشيات مسلحة ، وتمولها اللجان الاقتصادية المسؤولة عن نهب الاموال . فاصبحت الدولة اضعف شأنا” من الاحزاب ، تديرها حكومة شكلية لاتملك اي ارادة سياسية فاعلة .
تبنت الاحزاب العراقية منذ البداية القيم والثقافة الدينية او العرقية ، ثم صَعَّدَتْ من التحشيدات الطائفية والعرقية ، حتى أصبحت بديلا عن الهوية الوطنية التي كانت تجمع كل المكونات العراقية .
وهكذا تحول العراق من الحزب الحاكم الى احزاب طاغية . وانتقلت السلطة من الشخص الواحد الى شخوص توجه الدولة على وفق اهوائها .
والسلاح الذي كان حصرا” بيد الدولة انتقل الى ميليشيا الاحزاب ، فتعزز نفوذها السياسي حتى تحول العراق الى دويلات الاحزاب داخل الاطار الشكلي للدولة .
يلقى نشاط هذه الاحزاب بثقله على كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية المحلية وادى هذا الواقع الى انتشار البطالة والمخدرات والجريمة المنظمة .
كشفت تقارير دولية ومحلية عن استحواذ ميليشيات الاحزاب على نصف موارد النفط للدولة العراقية واكثر من نصف موارد المنافذ الحدودية اضافة الى الاتاوات من المواطنين ، والعمولات من الشركات العاملة .
بلغ تطاول الاحزاب وميليشياتها على الدولة الى حد تهديد رئيس الوزراء الحالي بالاغتيال علنا ومن دون رادع او اعتبار لسلطة الدولة .
ثم انهالت الصواريخ على منزله في محاولة لاغتياله ، تنفيذا” لتهديدات الاحزاب وميليشياتها بمزاعم تزوير الانتخابات التي خرجوا منها بادنى الاصوات .
وبالرغم من معرفة الجهة التي قامت بهذه المحاولة تعذر محاسبة المسؤولين عنها او احالتهم الى القضاء !
كما لم تكفّ هذه الاحزاب وفصائلها المسلحة عن الاساءة لسمعة الدولة من خلال ضرب السفارات الأجنبية بالهاونات والصواريخ .
وفي عام 2019 اصدر رئيس الوزراء السابق قرارات بتنظيم عمل الحشد الشعبي وربطه باجهزة الدولة الرسمية ، ولم يتم تنفيذها ، لرفض بعض الفصائل الانصياع لها .
وللدلالة اكثر على استقلالية الاحزاب عن الدولة ، قيام قادتها بالاجتماع مع سفراء غربيين ولا احد يتساءل عما وراء هذه اللقاءات في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها البلاد !
كأنهم فوق الدولة وما على المسؤولين الا الاستجابة لاوامرهم وهكذا تحولت السيادة من الدولة الى الاحزاب .
وبدلا من رفع العلم العراقي نجد اعلام ورايات الاحزاب مرفوعة حسب مناطقهم اونشاطاتهم ، في تحد صارخ لوحدة الدولة .
وفي ظاهرة فريدة من نوعها نجد بعض الحزبيين المسؤولين في الحكومة يتسمون باسماء حركية وكأنهم مازالوا في المعارضة فنجد اسماء مكناة بابي فلان الفلاني . دون الاسم واللقب الحقيقي . ويبدو ان ذلك شكلا من اشكال الافلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة بحق الدولة او المواطنين .
وتوزعت سلطات الدولة على دويلات الاحزاب حيث بنت لها كيانات داخل الوزارات والهيئات المستقلة ! وتجري التعيينات والعقود المشبوهة من قبل قادة الاحزاب بواجهات وزارية او مؤسساتية نتيجة المحاصصة الحزبية .
أن هذه الدويلات الحزبية الطائفية والعرقية تسببت في شلل سياسي واقتصادي عام ، وولدت أزمات متكررة ، كما انها في كثير من الاحيان تحرج الحكومة نتيجة تصرفاتها اللامسؤولة .
كل هذه الممارسات الفوضوية تعود الى عدم وجود تقاليد ديموقراطية راسخة يمكن السير على وفقها . وليس هناك مرجعية سياسية محلية اودولية ضابطة لوقف ممارسات الاحزاب وازلامها من الخروج عن الدستور والقوانين النافذة والافلات من العقاب .
منذ عام 2003 ، لم يصبح أي سياسي عراقي رئيسا للوزراء دون توافق الولايات المتحدة وإيران .
وان اضعاف العراق وعدم استقراره يمثل جزء” من سياسة هاتين الدولتين لاستنزاف موارده واخضاع شعبه . اضافة الى بعض دول الجوار ، لما يمثله العراق القوي الموحد من تهديد لنفوذهم وسيطرتهم على منطقة الشرق الاوسط .
ان توحيد الجهود وتطوير العمل الجماهيري اصبح مسألة ملحة لاخراج العراق من دوامة الفوضى ودويلات الاحزاب الفاسدة والعميلة
وان اولى المهمات في ذلك تكمن في اعادة كتابة الدستور على وفق اسس وطنية جديدة تعيد الهيبة للدولة ، وإعادة فرض القانون بعيدا عن التقسيمات العرقية والطائفية .
وبعكسه فان تغول الاحزاب وصراعها على النفوذ والسلطة قد يؤدي الى حرب اهلية طويلة لاسامح الله .