22 نوفمبر، 2024 5:16 م
Search
Close this search box.

دونالد ترامب .. ولعبة الإعلام العالمي والعربي 

دونالد ترامب .. ولعبة الإعلام العالمي والعربي 

فاز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، ولن يكون العالم أفضل بوجوده او بوجود رئيسا غيره، ما بقيت أمريكا تقود هذا العالم  وتتحكم بمصائر الكثير من شعوبه، فاز ترامب رجل الأعمال الأشقر ذو السبعون عام، المنبثق من  رحم الجنس الأبيض الأميركي الذي مازال يشكل خمسة وستون بالمائة من الشعب الأمريكي وخشيته من أن يهيمن عليه الغير، فاز ترامب شاء العالم أم أبى بما فيهم نحن العرب والمسلمين، نحن المرتبطون مشيميا مع بلاد العم سام، فاز ترامب ليقلب كل المعادلات السياسية والاقتصادية ويجعل بورصات العالم تترنح على وقع الصدمة، فاز  ليسقط ورقة التوت عن الوجه المخادع للإعلام العربي ومن خلفه الإعلام العالمي، الذي اتخمنا باستطلاعات الرأي الزائفة، والمحللين السياسيين المقتاتين على فتات موائد من يقف وراء هذا الإعلام الديماغائي، الذي تعامل مع هيلاري كلنتون وكأنها سليلة ربيعة ومضر، إعلام فضح عورة تفكيرنا الذي يعاني عوقا تاريخيا يراوح في مكانه منذ قرون، يأبى أن يغادر فكر الصحراء، ومازال يكذب ويكذب ظنا منه بان تصديقنا له سيغير الحقيقة، ولا يدرك هذا الإعلام والذي يقف خلفه بأن لا حقيقة غير التي اختارتها أمريكا لنفسها، بغض النظر عن قبحها أو جمالها، نفعها لنا نحن العرب والمسلمين أم ضررها علينا، أمريكا صوتت لنفسها، وليس لنا نحن المتشبثون بركب الحضارة، الناعقون على أطلال أمجادنا الزائفة، المتشبثون بعتمة الماضي السحيق إلا أن نقر بهذه الحقيقة ونذعن لها مادمنا غير قادرين على صنع حاضرنا ومستقبلنا بمعزل عن أمريكا وشرورها، منذ أكثر من عام وإعلامنا العربي المدعوم بتروليا يذر الرماد في العيون ويمارس  لعبة النعامة التي تضع رأسها في الرمال هربا من الواقع، ترامب يتراجع وهيلاري تتقدم،  وعلى هذا الوقع الإعلامي وتأثيره النفسي والعقلي علينا  نمنا ليلة التاسع من نوفمبر ونحن مشبعين بيقين لا جدال فيه، بأن البيت الأبيض الأمريكي سيكون على موعد مع سابقة تاريخية لم يشهدها من قبل حين تتربع عرشه السيدة هيلاري كلنتون، لتكون المفارقة رقم اثنان في تاريخ أميركا السياسي بعد أن تربع على عرشه رجل ملون ( اوباما ) .. لكن ما الذي دعا الإعلام العربي والعالمي إلى ممارسة لعبة قلب الحقائق وتشويهها بما يخص الانتخابات الأمريكية ؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الفوز الكبير الذي حققه ترامب بشخصيته المثير للجدل ؟
يبدو إن الإعلام العربي كان حلقة ضمن سلسة طويلة ومتماسكة سيطرت على الرأي العام العالمي، وأدارت دفة تصوير الأحداث وفق نظرة انتقائية نفعية، الهدف منها التأثير على الرأي العام الأمريكي، وترك انطباع لدى الناخب الأمريكي بان لا جدوى من التصويت لترامب لأنه بحكم الخاسر، يقف وراء هذا الإعلام رؤوس أموال طائلة خصصت لهذا الغرض تقاسمتها دولا عربية ترى في وصول ترامب خطرا على أنظمتها السياسية، بعدما صرح علانية بان لولا أمريكا لما وجدت مثل هذه الدول ، وان حماية أمريكا لها لن يكون مجانا بعد أن يصل إلى البيت الأبيض، وموقفه من الأزمة السورية المثير للقلق خليجيا وأوربيا، بعد أن أبدى استعداده التعاون مع روسيا في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي وتصريحه عن وجود قادة أقوياء في الشرق الأوسط هو أفضل من الفوضى، في إشارة الى الرئيس الأسد.. وهناك أسباب أخرى تخص شركات عالمية ترى في توجهات ترامب الاقتصادية خطرا على مصالحها وتهديد لمجالها الحيوي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهنالك إعلام مارس نفس اللعبة تقف ورائه دولا أوربية حليفة لأمريكا، لمست نبرة الاستعلاء والندية الواضحة في تصريحات ترامب في حملته الانتخابية حول علاقة أمريكا بحلفائها الأوربيين والتي جعل لها ثمنا يجب عليهم دفعه مقابل خدمات أمريكا، وتهديده الخروج من منظمة التجارة العالمية، وبالأخص ما يخص التجارة في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي والتنويه عن خطر الغزو الاقتصادي الصيني على أميركا .
وعلى  الرغم من كل التحديات التي واجهها وسخرية وسائل الإعلام الأمريكية لفترة طويلة منه، إلا إن فوزه بالرئاسة على حساب الديمقراطية هيلاري كلينتون جاء باكتساح في أصوات المجمع الانتخابي الذي يحتاج أي من المرشحين إلى 270 من أصواته الإجمالية البالغة 538 صوتا للفوز بمنصب الرئاسة الأميركية، حيث حصل ترامب على 274 صوتاً مقابل 215 لكلينتون.. ومن الأسباب التي ساهمت بشكل كبير في هذا الفوز المفاجئ هي:
 أولا .. اعتماد دونالد ترامب منذ بداية حملته الانتخابية في مشوار انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 علي عنصر المال أو الأزمة الاقتصادية الحالية ، و خوف الشعب الأمريكي من المستقبل خاصة في ظل ضعف أداء الرئيس الأمريكي باراك اوباما في الملف الاقتصادي، وتأييد الطبقة العاملة له وتصويتها لصالحه من  السود والبيض، حيث ذهبت أصواتهم في اوهايو وفلوريدا ونورث كارولينا له، واختراقه جدار الحماية الأزرق لهيلاري في تلك الولايات، إضافة إلى نيته سن قانون يمنح بموجبه المرأة العاملة عند الولادة إجازة مدفوعة الأجر.
ثانيا.. صموده بوجه الحملات الإعلامية المعادية له ، فعندما تراجعت شعبيته في استطلاعات الرأي في أعقاب بعض الحوادث التي أثارت غضبا شديدا، تعافى ترامب مرة أخرى، وعاد إلى السطح ثانية ، ربما جاءت السجالات المتوالية قوية للغاية وسريعة  لكن شخصية ترامب وقدرته على استمالة الجماهير قوية للغاية، فالفضائح سرعان ما تبددت.ثالثا.. موقفه من القضية الفلسطينية الذي بدا أكثر تشددا من الرؤساء الأمريكان السابقين، حيث يعد دونالد ترامب  من اكبر الداعمين لإسرائيل، وسعيه إلى جعل القدس عاصمة دائمة للدولة اليهودية، إضافة إلى سعيه إلى إصدار قوانين تحد من دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهذين الموقفين قد استمالا الرأي العام الداخلي المتعاطف مع إسرائيل والذي يخشى ما يسمى الإرهاب الإسلامي ( اسلامفوبيا) ، وتمدده داخل الحياة الاجتماعية الأمريكية في السنوات القليلة الماضية.
رابعا.. ظهوره على انه شخصية مستقلة تمثل خطا ثالثا غير محسوب لا على الجمهوريين ولا على الديمقراطيين ، على الرغم من خروجه من رحم الحزب الجمهوري إلا إن سحب الدعم والتأييد عنه من قبل بعض زعماء الحزب ولدت نتيجة مغايرة لما كان يتوقع الكثيرين، وأدى هذا الإجراء إلى ازدياد شعبيته.
وبغض النظر عما ألت إليه الانتخابات الأمريكية الأخيرة ومن وصل إلى البيت الأبيض ومن تخلف عنه، وعما أراده الإعلام العالمي والعربي،  فنحن العراقيين كل ما نرجوه من الإدارة الأمريكية الجديدة بحكم طبيعة العلاقة التي تربطنا معها، هو النظر إلى العراق ككل بعين موضوعية متزنة غير خاضعة للتأثيرات التي تمليها عليها دول الإقليم، وإقامة علاقة سياسية واقتصادية قائمة على الشراكة والمصالح المشتركة، بعيدة عن أشكال التبعية والتدخل السافر بقراراتنا المصيرية وشؤوننا الداخلية .  

أحدث المقالات