الحملة الانتخابية لمرشح الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب تضمنت شعارات وتصريحات للترامب نفسه على الصعيدين الداخلي والخارجي دون الاكتراث بعواقب تلك التصريحات والنتائج المترتبة عليها وخاصة تجاه المسلمين والدعوة لبناء سور حول الولايات المتحدة من جهة المكسيك وعلى المكسكين ان يقوموا بدفع تكاليفه ، كذلك تصريحاته تجاه المنطقة العربية والعراق وإيران ودعواته لحماية إسرائيل وإن لهم الحق بالدفاع عن أنفسهم فضلا عن علاقته الخفية بروسيا وتحديدا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن . الجميع متخوفين مما سيقوم به ترامب مستقبلا هل سيغير طبيعة العلاقات الدولية ؟ هل سيعتمد على القوة العسكرية المباشرة لفرض أو إعادة الهيبة الأمريكية التي تراجعت بعض الشئ في عهد الديمقراطيين ؟ هل سيسعى للمحافظة على القطب الأوحد الممثل بالولايات المتحدة الأمريكية منذ ربع قرن على أثر إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق ؟ هل سيسعى بالقوة لمنع ظهور أقطاب أخرى أو قوى دولية أخرى منافسة للأمريكا ؟ كيف سيكون شكل العلاقات الدولية أذن ؟
في الحقيقة إن وصول الجمهورين الذين يمثلون جناح اليمين والذين يؤمنون بنظرية القوة في إدارة العلاقات الدولية لم يكن مستبعدا هذه المرة وكنى ندرك تماما بإن الديمقراطيين لا يمكنهم الاحتفاظ بالسلطة أكثر من دورتين متتاليتين ، كما إن الادارة السابقة للولايات المتحدة الأمريكية قد أوصلتها إلى مرحلة التغيير الضروري بغية تغيير السياسات والاولويات ، وهنا جاء دور المؤثرات الخارجية واللوبيات الداخلية الاقتصادية والمالية وتحديدا منها دور الصهيونية العالمية وإمكانياتها المالية الضخمة ، فلا بد من وصول هذا المرشح للحكم الولايات المتحدة ولا بد للجمهوريين بعد مرور عقد من الزمان تقريبا أن يحدثوا التغيير . ولو عدنا للوراء قليلا وتابعنا ولو بشكل بسيط تاريخ الجهموريين ودورهم في إحداث التغيير كل عقد من الزمان لوجدنا ما يأتي :
1 ـ فالرئيس السابع والثلاثون نيكسون الذي حكم أمريكا أوائل عقد السبعينيات من القرن الماضي على الرغم من إنه قام بزيادة تدخله في فيتنام إلا إنه أنهى هذا التدخل عام 1973 وقام أيضا بزيارة تاريخية لجمهورية الصين الشعبية والتي كانت سببا في فتح آفاق العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين وهو أول من بدأ بمعاهدات الانفراج الدولي وهي معاهدة تقليص الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية مع الاتحاد السوفيتي السابق .
2 ـ رونالد ويلسون ريغان ، الرئيس الاربعين للولايات المتحدة الأمريكية 1981 ـ 1989 والذي وضع إستراتيجية جديدة منذ استلامه للحكم في عام 1981 والتي تقوم على إستعادة واشطن لأغلب المواقع التي خسرتها في العالم جراء سياسات الادارة السابقة وهي إدارة جيمي كارتر ، وهنا أظهرت واشطن قوتها للعالم حيث إستعادت بنما وقناتها ونيكاراغوا وتشيلي وفي افريقيا استعادت أثيوبيا من منغيستو هيلا ميريام الماركسي وأنغولا من سامورا ميشيل المدعوم من كوبا والسوفيت في حيها ، وقام بمحارة الاتحاد السوفيتي وتفكيك حلف وارشو وإعلانه حرب النجوم .
3 ـ جورج هربرت واكر بوش ( بوش الاب ) الرئيس الواحد والاربعون 1989 ـ 1993 الذي أعلن النظام الدولي الجديد بمفرداته الجديدة في الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والاقتصاد الحر بعد تفكك وإنهيار الاتحاد السوفيتي السابق ، وبذلك تزعمت واشطن العالم أجمع وهي القطب الاوحد من دون تنافس وهو بذلك دشن عهد جديد حينما قال ( إن الولايات المتحدة تقف على أبواب القرن الواحد والعشرين ، ولابد أن يكون هذا القرن أمريكيا بمقدار ما كان القرن السابق أمريكيا ، وأن لدينا رؤية تقوم على المشاركة الجديدة للدول وهي مشاركة تتجاوز الحرب الباردة وتستند الى التشاور والتعاون الجماعي وخاصة من خلال المنظمات الدولية والإقليمية ، مشاركة يوحدها المبدأ وسيادة القانون وتهدف إلى زيادة الديمقراطية وحقوق الانسان ) وهنا نتيجة لهذه الطروحات حدثت الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي والتي أجتاحت أوربا الشرقية وبلدان الشرق الاوسط وتحديا شمال أفريقيا . بعدها كان هدفه أخراج القوات العراقية من الكويت وحدثت حرب الخليج الثانية عام 1991 .
4 ـ جورج دبليو بوش ، الرئيس الثالث والاربعون من 2001 ـ 2009 ، والذي في عهده دخلت أمريكا عهدا جديدا ألا وهو الحرب على الارهاب على أثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 فأعلن إستراتيجيته في الحرب ضد الارهاب التي تقوم على أساس مكفحة الارهاب وخارطة الطريق في إعادة ترتيب الشرق الاوسط بإعلانه ” من لم يكن معنا فهو ضدنا ” ومن ثم تحديده للدول المارقة التي تدعم الارهاب أو كما سماها بمحور الشر الذي يضم كل من أفغانستان والعراق وإيران وكوريا الشمالية وسوريا ، وهكذا خاضت إدارته الحرب على أفغانستان ومن ثم العراق في تحول كبير على صعيد العلاقات الدولية .
إن هذه النبذة التاريخية تعطينا مثالا واضحا لما يعتنقه الجمهوريين ومن يقف خلفهم لا بل من يشجعهم على خوض غمار التدخلات المباشرة سواء أكانت عسكرية أم سياسية ومن المؤكد فإن دونالد ترامب هو لا يخرج عن هذه المدرسة بكل ما تحمله من مفاهيم وتسعى إلى تحقيقه من سياسات ، وهنا ما الذي سيقوم به دونالد ترامب كبداية جديدة لعهده يختص بها الجمهوريين . ويمكننا في هذا الصدد توقع سياساته تجاه منطقتنا العربية والشرق الاوسط عموما بما يأتي :
1 ـ على صعيد العراق ، إنه صرح خلال حملته الانتخابية بإن العراق هو عبارة عن جامعة هارفارد لتخريج الارهابين ، وهذا يدفعنا للقول إنه ربما سيسعى لعودة القوات الأمريكية للعراق إذا لم يتحقق الاستقرار والأمن فيه .
2 ـ سوريا ، خلال حملته الانتخابية كان يقول إنه من الخطأ إسقاط نظام صدام حسين ونظام الزعيم الليبي القذافي وهذا الكلام بدوره سيمتد ليشمل الرئيس السوري بشار الاسد ، ولكن هذه المرة بترتيبات جديدة مختلفة أما التعاون مع روسيا أو الوصول معهم لنقطة تفضي إلى إنهاء الصراع أو التلويح بأستخدام القوة العسكرية فعلا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو موقفه من المعارضة السورية البعيدة عن جبهة النصرة وداعش ؟
3 ـ دول مجلس التعاون الخليجي ، سيسعى ترامب كونه رجل أعمال ومال إلى تعظيم التعاون التجاري والمالي مع هذه البلدان ، وعادة ما تدفع مصالح أمريكا الاقتصادية للتعاون مع هذه الدول لضمان مصالحها
ولا تتوانى في الدفاع عنها ، ولكن ترامب يبدو مختلفا في تصريحاته عن تلك السياس+ة حينما يقول على السعودية أن تدفع لنا تكاليف حمايتها .
4 ـ إيران ، على صعيد سياسته تجاه إيران هدد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران ، وهذا ما أكدته الإدارة الأمريكية نفسها بإنه لا يوجد ما يمنع من خروج الرئيس المنتخب من الاتفاق النووي ، وهذه تجسيدا لكلام تراتب نفسه حينما قال إنه ” أسوأ اتفاق جرى التفاوض بشأنه على الإطلاق ” .
5 ـ على صعيد العلاقة مع إسرائيل فقد أعلن ترامب بإنه سينقل السفارة الأمريكية للقدس وإنه حريص على ضما أمن إسرائيل وإنها لها الحق في الدفاع عن نفسها ، مما دفع وزير التعليم الاسرائيلي ( نفتالي بينيت ) للقول بإن حلم إنشاء دولة للفلسطينين بجوار إسرائيل قد أنتهى .
وأمام هذه السياسات المتوقعة من جانب دونالد ترامب قد تشهد المنطقة العـربية والشرق الأوسط عموما إستراتيجية أمريكية جديدة ربما تكون القوة العسكرية والتدخل المباشر خياراتها الأولى .