تزامنآ مع التقدم العسكري الكبير الذي يحققه الجيش العربي السوري والحلفاء بعمق أحياء حلب الشرقية وتحرير ما يزيد على 35% من مساحة هذه الاحياء السكنية ، بدأت تدرك جميع القوى المنخرطة بالحرب على سورية أن معركة الجيش العربي السوري وحلفائه والرامية إلى تحرير محافظة حلب بشكل عام واحيائها الشرقية بشكل خاص ستكون لها الكلمة الفصل وفق نتائجها المنتظرة بأي حديث مقبل يتحدث عن تسويات بمسارات الحرب على الدولة السورية وتغيير كامل ومطلق بشروط التفاوض المقبلة بين جميع الأطراف فالمعركة لن تتوقف عند حدود احياء حلب الشرقية بل ستمتد إلى الريف الشرقي والجنوبي والشمالي وستكون لها تداعيات كبيرة على عموم ملفات الميدان العسكري السوري.
اليوم يراقب العالم ككلّ مسار معركة احياء مدينة حلب الشرقية ، التي تعتبر في توقيتها ونتائجها المستقبلية عنواناً لمرحلة جديدة من عمر الحرب على الدولة السورية، فاليوم بات لا خيار أمام الدولة السورية وحلفائها إلا الاستمرار بالحسم العسكري لتطهير الأرض السورية من رجس الإرهاب ومتزعّميه وداعميه ومموّليه، وأن تقرّر مصيرها بنفسها بعيداً من تقاطع مصالح المشروع الأميركي- الإسرائيلي وأدواته من الأنظمة الرجعية العربية والمتأسلمة في الإقليم، وجزء من هذا الحسم هو حسم معركة محافظة حلب التي بدأت منذ مطلع شهر تشرين أول الماضي “2015”، فالمحافظة تحتلّ أهمية استراتيجية باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتدّ على طول السلسلة الحدودية بين سورية وتركيا.
في سورية اليوم يساوي تحرير مدينة حلب بمجموعها وتحرير ريفها الشمالي والشمالي الشرقي بالتحديد للدولة السورية وحلفائها مكسباً كبيراً وورقة رابحة جديدة في مفاوضاتها المقبلة مع كبار اللاعبين الدوليين المنخرطين بالحرب على الدولة السورية ومن خلال ورقة حلب المدينة وريفها الشمالي وما بعدها، ستفرض الدولة السورية شروطها هي على الجميع، وعندها لا يمكن ان تحصل أي تسوية إلا بموافقة الدولة ونظامها الرسمي، ووفق ما يراه من مصلحة لسورية الشعب والدولة، بعد كل ما لحق بهذا الشعب من أذى من قبل أطراف الحرب على سورية.
وهنا لا يمكن لأي متابع أن ينكر حجم الأهمية الاستراتيجية لمحافظة حلب عسكرياً والمتموضعة بموقعها الاستراتيجي بشمال سورية، فهي تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق شمال وشمال غرب وشمال شرق وشرق ووسط سورية ، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية التركية، وهي تعتبر تقريباً من آكبر معاقل المجاميع المسلحة الإرهابية العابرة للقارات ،وخصوصآ ريفها الشمالي والشمالي الشرقي والغربي والذي تتمركز فيه بشكل واسع مجاميع “داعش والنصرة “، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لهذه المحافظة، بخريطة المعارك المقبلة بشمال وشمال شرق سورية بشكل عام.
معركة محافظة حلب بشكل خاص والشمال السوري بشكل عام ،تعني الاطراف الدولية والاقليمية المنخرطة بالحرب على سورية ، فهناك أطراف عدة تعنيها هذه المعركة، فالاتراك والسعوديين والفرنسيين ،والقطريين الذي هددوا باستمرار دعمهم للمجاميع المسلحة الإرهابية بالسلاح ،فهذه الاطراف لا تريد أن تتلقى هزيمة جديدة، وقد تكررت هزائمها مؤخرآ بمناطق سورية عدة، فتحرير مدينة حلب وريفها الشمالي يعني للأتراك والسعوديين والفرنسيين والقطريين سقوط كل ما يليها كأحجار الدومينو، وبالتالي خسارة جديدة وكبيرة للنظام السعودي والتركي والقطري والفرنسي ، فمن المتوقع بعد اتمام معركة احياء حلب الشرقية أن تنتقل عمليات الجيش العربي السوري وحلفائه إلى تصعيد وتيرة المعركة بعموم ريفا حلب الشمالي والجنوبي والشرقي ، وهذا ما لا يريده لا الأمريكان ولا النظام التركي ولا النظام السعودي ولذلك اليوم نرى أن هناك حالة من الترقب والدعم المستمر من هذه الأنظمة للمجاميع المسلحة لوقف تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه على الارض .
موقف واشنطن قبيل عهد ترامب من معركة حلب ،يمكن أن يقرأ من خلال الصحافة ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأميركية التي بدأت تتحدث عن فشل الرؤية والاستراتيجية الأميركية لادارة اوباما بخصوص موقفها من الحرب على سورية، بعد فشل أميركا وحلفاؤها عن تحقيق أي إنجاز فعلي على الأرض بسورية، وتؤكد مراكز الأبحاث هذه أن صمود سورية يهيئ الأرضية لانتصارها مستقبلاً مدعومة بحلفائها.
ختامآ ،إن تحرير محافظة حلب ،ليس بالمهمة السهلة بل يحتاج لوقت وعمل طويل نوعآ ما ،وهذا ما تدركة القيادة العسكرية للجيش العربي السوري وحلفائها ،ولكن هذا التحرير ومهما طالت مسارات عمله من شأنه إحداث تغيير جذري في الخريطة العسكرية ،وتحريرالمحافظة سيكون له تداعيات كبرى على الأرض، ومن المتوقع أن يشكل وفق نتائجه المنتظرة انعطافة كبيرة إتجاه وضع حد للحرب على سورية.
[email protected]