أكره المؤتمرات, والاحتفالات السياسية, لأنها يندر أن يطرح فيها شيء مفيد, وتقتصر على كلمات مجاملات, للجهة التي أقامت المؤتمر, أو صاحب الذكرى.
بعد سقوط النظام البعثي بأيام معدودة, وبعد يوم من عودة الشهيد الراحل, السيد محمد باقر الحكيم إلى العراق, تهيأت لي فرصة غريبة للقائه, وفي مجلس خاص, ولم يكن لي فضل فيها, إذ حدث أن أحد الأقارب, وهو من الناشطين بمجال حقوق الإنسان, وكان مطاردا, وتزامنت عودته مع عودة شهيد المحراب, فكان أن ذهب للسلام عليه, وتهنئته بسقوط النظام البعثي.
كنت أتصور نفسي, ولأني احمل شهادة جامعية, وعلى مستوى جيد في القراءة والاطلاع بالشأن العام, اني مثقف.. لكن ما سمعته من السيد الشهيد, تغمده الباري برحمته حينها, جعلني أعيد النظر, ولخطورة ما قيل, وأهمية المواضيع التي نوقشت, أحسست نفسي صغيرا جدا مقارنة , بموضوع الحديث والمتحدثين.
من سمع الكلمات التي قالها, المشاركون في مناسبة يوم الشهيد, وهي ذكرى شهادة السيد الحكيم, في العام الماضي, وما تطرقوا إليه, عن ما كان يحمله الشهيد, من أفكار ورؤيا مستقبلية واضحة المعالم, ومشاريع بناء وطن.. يفاجأ جدا, فهل من المعقول أننا خسرنا رجلا, بهذا الحجم العملاق؟!
لو أستبعدنا, نسبة المجاملة في الكلام, ومبالغة السياسيين, فنجعل ما قيل نصف الحقيقة, فان ما تبقى كلام خطير جدا, ويعني أننا شعب نائم.. لا نميز بين قائد حقيقي يحمل مشروع الوطن, وقائد طارئ, ركب الموجة, وعرف كيف يستغفلنا, ويهيج مشاعرنا, طلبا لصوتنا فقط؟!
الوضع الذي نمر به اليوم, وتخبط غالبية قادتنا, وعدم إمتلاكهم لأي رؤيا مستقبلية واضحة, جعلنا نفتقد, وبكل حسرة, تلك القامة العالية, التي ولدت في رحم المرجعية, وامتلكت أفكارا متنورة ومشاريع مدنية, لا يمتلكها حتى دعاة المدنية في يومنا هذا.
حجم المجتمعين وما يمثلون من ثقل, وما تطرقوا له من أفكار للشهيد الحكيم, تتعلق برؤياه لبناء دولة العراق العصرية العادلة, وكيفية بناء المؤسسات, والتوزيع العادل للثروات.. أفكار لطالما ظننتها تصنع في الغرب فقط, جعلتني أفهم.. حجم الرجل, وعظم وفداحة الخسارة بفقدانه.
لكن دوما و كما تعلمنا نحن العرب, لا نعرف قيمة عظمائنا, إلا بعد رحيلهم.. وبعد أن نكون قد حاربناهم أحياء, وقاومنا أفكارهم العظيمة, بعد مماتهم جهلا.. لنعود ونكرمهم, لكن بعد فوات الأوان.