8 أبريل، 2024 8:19 م
Search
Close this search box.

دولة نواب العرفاء

Facebook
Twitter
LinkedIn

في النظم الدكتاتورية لا مكان للعقل ولا للخبرة والإختصاص . هناك فقط القوة ومن يمتلكها من الأشقياء وأولاد الشوارع وسقط المتاع .. لذلك فإن أسوأ فترات الحكم في العراق كانت فترة حكم صدام حسين الذي حول عراق الحضارة الى أضحوكة العالم حين صور غزو الكويت طريقا لتحرير القدس . وأطلق بضعة صواريخ ” سكود ” المعطوبة بإتجاه إسرائيل والسعودية ، وحين وصف هزيمته المنكرة في حرب تحرير الكويت بـ ” أم المعارك ” الخالدة !! . وهذا هو ديدن كل الدكتاتوريات التي تصور هزائمها ” إنتصارات ” وتعتبر إخفاقاتها ” إنجازات ” !! .

في مقال له نشر بجريدة ” الشرق الأوسط ” نقل غسان شربل رئيس تحريرها عن الفريق نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي قوله ” كنت نائماً في منزلي ليلة الأحداث. اتصل بي صباحاً سكرتير عام القيادة العامة الفريق علاء الدين الجنابي وطلب أن أذهب إلى القيادة العامة وحين دخلت مكتبه قال : أكملنا احتلال الكويت … بعد ربع ساعة وصل وزير الدفاع عبد الجبار شنشل وتم إبلاغه بالطريقة نفسها . تصور أن الجيش يُدفع في مغامرة من هذا النوع من دون علم وزير الدفاع ورئيس الأركان … ما عرفته هو أن صدام وضع الخطة شخصياً في حضور حسين كامل وعلي حسن المجيد ” .

تصوروا أن رئيس دولة يجتمع مع نائبي عريف لا يمتلكان أية شهادة أو خبرة عسكرية ليخطط معهما أكبر عملية عسكرية لإحتلال أراضي دولة أخرى !. فالاثنان حسين كامل وعلي حسن المجيد لم يدرسا في أية كلية عسكرية ولا كلية أركان حتى يشاركهما صدام الذي هو أيضا رجل غير عسكري في وضع خطة حرب !. ولعل هذا هو أحد أسباب دمار الجيش العراقي جراء حرب تحرير الكويت والذي جر معه لاحقا دمارا كليا للدولة العراقية الذي نعاني من تداعياته الى اليوم و الى خمسين سنة القادمة .

فصدام الذي إعتمد في حكمه على الشقاوات وأولاد الشوارع من أمثال نائب الضابط طه الجزراوي ونائبي العريف حسين كامل وعلي حسن المجيد ليديروا أجهزته العسكرية والأمنية ، قد إستن سنة سار عليها من يحكمون اليوم هذا البلد من عصابات وميليشات سائبة تتحكم بمقدرات الدولة . والمصيبة أن هذه السنة السيئة انتقلت أيضا الى إقليم كردستان الذي أصبح هو أيضا جزءا من هذه الدولة المتعفنة . لا مكان فيه أيضا لأصحاب الاختصاص ، ولا فرصة أمام الكفاءات ، ولا إستشارة بأصحاب الخبرات ، فالكادر الحزبي هنا في كردستان مقامه أرفع من أستاذ الجامعة ، وبلطجي الشارع أكثر دلالا لدى قادة الأحزاب الحاكمة من صاحب الشهادات العالية ، ومعاون طبيب أصبح يتحكم بإدارة أكبر مستشفى ، وطالب جامعي يتحكم بإسم اتحاد الطلبة بعمداء ورئيس الجامعة ، اذن هي نفس الحالة التي كنا عليها في زمن صدام من حكم اولاد الشوارع حيث القمع وكم الأفواه وإضطهاد الشعب !.

ان طبيعة الدكتاتوريات هي أن لا تحتكم الى العقل ولا تستأنس برأي الخبراء ولا بمشورة وحكمة العقلاء ، لذلك ترى جميعها تغوص في بحر من الأزمات والفساد ، وهي بطبيعتها هذه لا تملك غير حلولا أمنية قامعة لكل صوت يعلو داخل المجتمع ، وغالبا ما تلجأ الى القوة المفرطة لإسكات أصوات معارضيها ، وبهذا تضيع الشعوب في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني . ولكن لكل شيء حدود ولا بد أن يأتي يوم ينفجر فيه البركان بوجه الدكتاتور كما رأينا ذلك مرارا ، إبتداءا من شاه إيران والنميري مرورا بصدام وزين العابدين وعلي عبدالله صالح والقذافي وإنتهاءا بعمر البشير .

هناك لحظات فارقة في تاريخ الشعوب والأمم . فلو إستمد هؤلاء الحكام الدكتاتوريين الدرس من حسني مبارك الذي لايشك أحد أنه كان دكتاتورا بدوره ، لكنه مع هذه الصفة ، كان بحق دكتاتورا رحيما بشعبه . فهو لم يرتكب جرائم إبادة ضد شعبه كما فعل صدام والبشير ، ولا هو قطع يد أحدا من أبناء شعبه بذريعة تطبيق الشريعة الاسلامية كما فعل النميري ، ولا ضرب مدنه بالمدافع كما فعل حافظ الأسد وابنه بشار ، ولا أسكت أصوات معارضيه كما فعل زين العابدين ، ولا حارب شعبه كما فعل علي عبدالله صالح . لم يسرق جنيها من أموال الدولة ، وكان السراق من حاشيته وليس من عائلته ، فلو فعل هؤلاء مثلما فعل مبارك لنجوا بأنفسهم وعيالهم .

كان صدام قبل أن يتسلم السلطة في الدولة العراقية بمؤامرته المعروفة ضد احمد حسن البكر ، من أحب قيادات الدولة الى شعب العراق . كلنا يتذكر جولاته الشعبية في أهوار الجنوب ومدن الوسط وكردستان ، وكيف كان المواطنون يخرجون عن بكرة أبيهم للترحيب وترديد الأهازيج له ، ولكن بدل أن يستثمر هذه المحبة الشعبية لإستكمال بناء العراق الذي كان في تلك الفترة في أوج مراحل تقدمه العلمي والتربوي والصحي ، أغرق نفسه في مستنقع الحرب ضد رجالات الدولة الشرفاء ، وجاء بشراذم الناس وحثالات المجتمع ليحلوا مكان الشرفاء حتى من حزبه . فدشن تدمير العراق منذ اللحظة التي تسلم فيها الحكم بمجزرة رفاقه !. ومازلنا نعاني من آثار تلك السياسة التي تركها لمن بعده عبر تسلط أصحاب العمائم وأولاد الشوارع على قرار الدولة ..

المشكلة أن جميع حكام العراق وكردستان رأوا بأم أعينهم مصير اولئك الدكتاتوريين الذين تجبروا على شعوبهم ، ومع ذلك هناك من لا يريد أن يفهم بأن الظلم والطغيان لهما حدود ولابد أن يأتي اليوم ويلاقوا نفس مصير من غبر ولات حين مندم ..

وقال تعالى ” كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ” صدق الله العظيم ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب